بعد تطاول "جزيرة قطر" على الجيش المصري.. نرصد تاريخ "الخدمة العسكرية" في عهد حكام مصر
"العساكر.. حكايات التجنيد الإجباري في مصر".. فيلم وثائقي، أنتجته قناة الجزيرة القطرية، وأخرجه مخرج بالقناة، هو "عماد الدين السيد"، يتناول قسوة التجنيد الإجباري في الجيش المصري.. وتسبب الفيلم في نشوب أزمة كبيرة بين الإعلام المصري والإعلام القطري، بعدما اتهم المصريون قناة "الجزيرة" بالإساءة إلى القوات المسلحة المصرية، ومحاولة إبراز مميزاتها على أنها مساوئ.
وفي التقرير التالي تستعرض "الفجر" مراحل تطور الخدمة العسكرية في عهد حكام مصر .
محمد علي.. يبدأ بتجنيد "السودانيين"
قبل عهد محمد علي، كان الجيش مؤلفًا من فرق غير نظامية، معظمها من الأكراد والألبان والشراكسة، فبذل محمد جهده في إنشاء جيش يضارع الجيوش الأجنبية في قتالها، وكانت الصعوبة في بداية الأمر، طريقة اختيار الجنود ومن أي الطبقات.
لم يشأ أن يفاجئ المصريين بتجنيدهم، لأنهم لم يعتادوا التجنيد من عهد المماليك، ففكر أولا في تجنيد السودانيين من سكان كردفان وسنار، فجاءه منهم نحو عشرين ألفا وأنفذهم إلى بني عدي على يد المماليك الذين تخرجوا من مدرسة أسوان، إلا أن هذه التجربة لم تصادف النجاح المرغوب، فأخذ "محمد علي" يفكر في الالتجاء إلى تجنيد المصريين، وأنشأ ثكنات لتمرين المجندين في أسوان وبني عدي.
وبعد أن اتسعت دائرة التجنيد استدعى محمد علي من فرنسا طائفة من كبار الضباط ليعاونوه على تنظيم الجيش المصري، فتكونت طائفة "الضباط المصريين" على يد المعلمين الأوروبيين، وأرسل طائفة من الشبان إلى أوروبا لإتمام دروسهم الحربية هناك، حتى عادوا إلى مصر بعدها ليحلوا في المدارس الحربية محل المعلمين الأجانب، وشرع في بناء المدارس العسكرية والحربية.
عباس باشا.. وتقليص أعدد الجيش المصري
ومع بداية تولي "عباس باشا" الحكم في عام 1854-1848، بدأ الجيش المصري في التراجع إلى الوراء كثيراً، حيث شهد انحساراً وصف بالرجعي وتقلص عدده وكأنه حُوِّل إلى حراسة خاصة.
سعيد باشا.. وتحديد مُدة العسكرية
وبعدها لجأ سعيد باشا، إلى تجديد الروح من جديد للجيش المصري، حيث تم تحديد مدة الخدمة العسكرية وجعلها قصيرة، فجعل متوسط الخدمة سنة واحدة، ونظم التجنيد بحسب السن إجبارياً لجميع الشبان على اختلاف طبقاتهم، وليس وفقا لإرادة العمد والمشايخ الذين كانوا يستثنون أبناءهم وأبناء محاسيبهم، كما زود عدد الجيش إلى زيادة عدد الجنود من 18.000 إلى 30.000 جندي.
وأصدرت أوامر عليا تفيد بدعوة أبناء أعيان الأقباط إلى حمل السلاح أسوة بأبناء أعيان المسلمين، وذلك مراعاة لمبدأ المساواة، كما فتح باب الترقي أمام الضباط المصريين.
الخديوي إسماعيل.. وإعادة الجيش لسابق عهده
نشط الخديوي إسماعيل، لإعادة الجيش المصري، كما كان في عهد جده محمد علي، وحرص على زيادة عدده، إلى 120 ألف، واهتم بتسليحه ومضاعفة قوته والوصول به إلى مستوى الجيوش الحديثة، كما اهتم بنهضة التعليم الحربي، وأعاد إنشاء المدارس الحربية واستعان ببعض الضباط الأجانب.
الخديوي توفيق.. مواجهات ضد الجيش بعد إجراءاته التعسفية
بدأ الخديوي توفيق باتخاذ إجراءات تعسفية ورجعية ضد الجيش، مما أدى إلى حدوث احتكاك ومواجهات مستمرة بينه وبين الجيش، وقام على أثرها بتخفيض عدد الجيش مرة أخرى إلى 18000 جندي.
ومن ثم تم تنظيم الضباط الأحرار، لمقاومة الاستعمار البريطاني في مصر منذ نشأة التنظيم 1939، وكان محمد أنور السادات أحد أفراد التنظيم، وجمال عبد الناصر رئيساً للجنة التنفيذية للضباط الأحرار.
فاروق.. وإشراف الضباط البريطانيون على تدريبات الجيش
زاد النفوذ البريطاني في عهد الملك فاروق، ولم يرضَ البريطانيون عن العناصر الوطنية النشيطة في الجيش المصري، فقد أشرف ضباط بريطانيون على تدريبه وتسليحه، وبادرت بريطانيا إلى إلغاء الجيش الوطني بعد احتلالها لمصر من خلال مرسوم 19 سبتمبر 1882 ، وكانت بمثابة خطوة سلبية لمحو الصبغة الوطنية والقومية للجيش المصري، وبعد أن تم لها ما أرادت فقد أنشأت بدلاً منه جيشاً ضعيفاً هزيلاً، كما أصدرت تقرير مبدأ البدل النقدي عام 1886 للإعفاء من الخدمة العسكرية التي أصبحت مفروضة على الفقراء فقط.
محمد نجيب.. وإنشاء قوات الحرس الوطني
كانت أولى قرارات إنشاء قوات الحرس الوطني وهي قوة عسكرية قائمة على التطوّع الشعبي كي تكون عونا للجيش النظامي الأساسي في الذود عن استقلال البلاد، وكان الخلاف على تعيين عبد الحكيم عامر نقطة تحول بالنسبة لنجيب، حيث وجد أن مقاليد السلطة بدأت تتجمع في يد بعض الشخصيات وأصبحت تتمتع بنفوذ وقوة كبيرة، مما جعله يفكر في إرساء الحياة المدنية مرة أخرى وإنهاء سيطرة الجيش على الحكم.
عبد الناصر.. ومخاوف من دولة "المشير"
بعد انفصال سوريا، تنامت مخاوف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من عدم اهتمام عبد الحكيم عامر بتدريب وتحديث الجيش، ومن الدولة داخل الدولة التي خلقها عامر بإنشاء جهاز القيادة والاستخبارات العسكرية.
وفي أواخر سنة 1961، أصدر عبدالناصر مرسوما يقضي بإعطاء الرئيس سلطة الموافقة على جميع التعيينات العسكرية العليا، بدلاً من ترك هذه المسؤولية فقط لعامر.
وأعطى عبدالناصر التعليمات بأن يكون المعيار الأساسي للترقية هو الجدارة وليس الولاء الشخصي، وفي أوائل 1962 حاول عبدالناصر مرة أخرى انتزاع السيطرة على القيادة العسكرية من عامر، إلا أن رد الأخير من خلال مواجهة مباشرة مع عبدالناصر لأول مرة، وحشد الضباط الموالين له سراً، إلا أن تراجع عبدالناصر.
السادات.. وحماية الجيش للدستور
ورأى الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أن الدور الرئيسي للجيش هو الدفاع عن مصر وحدودها، وأنه ليس له أي دور سياسي، في حين أضاف مهمة جديدة للجيش عام 1976، وهي حماية الدستور والدفاع عنه.
مبارك.. وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة
حافظ الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك على تماسك المؤسسة العسكرية، ولكن مع ضمان ولاء القادة له شخصياً، وتقدر القوات المصرية في عهد مبارك بـ 480.000 ومليون من جنود الاحتياط، حيث يعد أكبر جيش بري في إفريقيا والشرق الأوسط.
كما عمل "مبارك" على خلق دينامية تفاعل جديدة بين الجيش والسياسة، حيث أدت إلى إعادة تنشيط للقوات المسلحة المصرية وعودة ظهور الجيش كطرف فاعل في السياسة الوطنية؛ فعلى النقيض من سياسة السادات التي عمدت إلى اقتطاع وتخفيض ميزانية الجيش وتقييد دوره في الحياة العامة.
كما تم تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في عهد مبارك والتي تندرج تحتها الأفرع الرئيسة للقوات المسلحة مثل القوات الجوية والبحرية و الدفاع الجوي، وكذلك أيضا الأسلحة المتنوعة للقوات البرية مثل المشاة والمدرعات والمهندسين العسكريين والمدفعية.
"مرسي".. وتقدم الجيش للمرتبة الـ 13 عالميًا
وظل القانون رقم 127 لسنة 180، في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، وينسب له وفقاً للإحصائيات العالمية، ففي بداية عهده في عام 2012 كان الجيش المصري يحتل المرتبة الرابعة عشر على مستوى العالم، وفي نهاية عامه الأول من الحكم وقبل عزله وصل الجيش المصري إلى المرتبة الثالثة عشر، وذلك بعد تحديد مرسي لسياسته عندما قال في خطاب رسمي له أن مصر تسعى لتصنيع غذائها ودوائها وسلاحها، وبالفعل عندما بدأ في التعاقد مع تركيا والبرازيل لإنتاج أول طائرة مصرية.
"السيسي".. وصفقات قوية لتسليح الجيش
هذا واستمر العمل بقانون رقم 127 لسنة 1980 في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، إضافة إلى أنه وضع الجيش المصري نصب عينيه، فكانت أول صفقة للأسلحة من حظ موسكو، إضافة إلى أسلحة أخرى، من بينها منظومة الدفاع الجوي الروسية المعروفة "إس 300"، والطائرات "ميج 29" و"سوخوي 30".