عادل حمودة يكتب: العقد النفسية التى تسيطر على تصرفات حكومة شريف إسماعيل
■ بعض الوزراء يضعون قطعة واحدة من النقود فى الماكينة ويربحون كل شىء بضربة حظ
وزير الخارجية
■ لا يزال يعامل وزيرة الهجرة وكأنها تحت سيطرته فحرمها من مكتب فى وزارته ووضع السفراء فى الخارج العراقيل أمامها
■ تصريحاته ساهمت فى تفجير الأزمة بين القاهرة والرياض ولم يوجه اللوم لسفيره فى لندن على تقصيره فى رحلة الرئيس
■ لم يضغط على الحكومة البريطانية لإعادة الطيران والسياحة رغم تقرير وزارة النقل البريطانية بأن مصر نفذت ما تعهدت به
وزيرة الاستثمار
■ أنكرت جهود وزراء الاستثمار والبترول والعدل ومحافظ القاهرة فى قضايا التحكيم التى بدأت مفاوضات التنازل عنها قبل أن تتولى منصبها بسنوات طويلة
■ ننشر تفاصيل التسويات التى أغفلها البيان الصادر عنها
■ موافقة الرئيس على استقبال لاكشمى ميتال أنهت قضية التحكيم معه ووفرت 600 مليون دولار
وزير الصحة
■ تحدى عدم رفع أسعار الأدوية ولحس كلامه وتحدى سد النقص فيها خلال عشرة أيام ولحس كلامه وأحرج الحكومة ولا يزال فى منصبه
■ لا يعرف الوزير أصول اتخاذ القرار ولا يعرف أن جهات متعددة غير وزارته تتفاوض مع الشركات المصرية والأجنبية على الحل خطوة خطوة
«سلوت ماشين».. ماكينة شهيرة للعب القمار.. يحلم كل من يضع فيها دولارا أن يكسب مليونا.. وعادة ما يخسر مئات اللاعبين .. لكن.. فجأة.. يأتى شخص ما ويضع قطعة واحدة من النقود فيجنى كل ما خسروه.. ويخرج فائزا بتلك الثروة الهائلة بضربة حظ جاءت فى توقيت مناسب.
يحدث ذلك فى مصر أيضا.. لكن.. على مستوى آخر.
يخطط وزير إسكان لبناء مساكن جديدة.. ويسهر الليل والنهار لتنفيذها.. لكن.. سوء حظه أنه يقال من منصبه قبل افتتاحها.. فينسب الجهد الذى بذله للوزير الجديد الذى لم يفعل شيئا أكثر من قص شريط أحمر.. لا يزيد ثمنه على جنيه.. دون أن يحظى سلفه ولو بكلمة شكر واحدة على ما بذل رغم أنه صاحب الفضل الأول والأخير فى الإنجاز.
ويتكرر ذلك فى مستشفيات وزارة الصحة.. ومدارس وزارة التعليم.. ومتاحف وزارة الآثار.. وأخيرا فى تسويات قضايا التحكيم فى وزارة الاستثمار.
منذ 18 شهرا لجأ لاكشمى نيفاس ميتال إلى المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولى (الأكسيد) فى واشنطن ليطالب الحكومة المصرية بتعويض يصل إلى 660 مليون دولار عن الأضرار التى لحقت به بعد أن عطلت بناء المصنع المتفق عليه وسدد فى سبيله ثمن الأرض وتكاليف دراسة الجدوى ورسوم التراخيص.
ولاكشمى ميتال.. ملياردير هندى الأصل.. أغنى رجل فى بريطانيا التى يقيم فيها.. يمتلك أكبر مجموعة لصناعة الحديد الصلب على وجه الأرض (أرسيلو ــ ميتال) بعد ضم شركات فرنسية إليها.. لا يكف تليفونه المحمول عن استقبال مكالمات من أصدقائه.. حكام العالم.. ونجح فى امتلاك مصانع لبضاعته فى كثير من الدول الأجنبية.. لكنه.. فشل فى مصر التى وقع فى هواها منذ شاهد موكب جمال عبد الناصر فى شوارع دلهى وهو صبى صغير لا يزيد عمره على عشر سنوات.
شعر المستشار مصطفى البهبيتى (مساعد وزير العدل للتحكيم والمنازعات الدولية) بأن القضية لن تكون فى صالحنا، فسافر هو ووزير الاستثمار السابق أشرف سالمان إلى لندن لمقابلة ميتال ودخلا فى مفاوضات شاقة مع طاقم محاميه استمرت شهورا طويلة قطعا خلالها آلاف الأميال ذهابا وعودة حتى أقنعوا الرجل بأن يتنازل عما يطلب من تعويض على أن تسدد الحكومة المصرية له كل ما دفع من تكاليف (60 مليون دولار) بجانب فائدة (25%) على أقساط سنوية بعد خصم 2.5 مليون دولار ضريبة دمغة.. دون بنود سرية، كما أشيع.
كانت المفاوضات قد انتهت والاتفاقيات قد جهزت ليوقعها أشرف سالمان ليخرج منها فائزا بإنجاز تعب فى الوصول إليه.. لكن.. شاء فرق التوقيت الحكومى أن تحظى خليفته داليا خورشيد بالجائزة.. دون أن تشير فى البيان الذى خرج من وزارتها إلى مجهوداته.. وتوجت الانتصار بصورة لها وهى تقف بجانب ميتال فى لحظة التوقيع.. وإن أشار البيان إلى مجهودات الحكومة مجتمعة فى علاج الموقف.
ولكن.. ذلك لا يبخس الوزيرة حقها فى الاتفاق.. فقد سافرت أكثر من مرة إلى لندن.. كما أنها كانت تعود إلى رئيس الحكومة وهى هناك قبل الموافقة على بنود الاتفاق.. وذات مرة تركت تليفونها لـ ميتال نفسه ليتكلم مباشرة معه.. كما أنها نجحت فى الحصول على موعد لـ ميتال لمقابلة الرئيس.. وحدد الموعد فى منتصف ديسمبر القادم.. وكان ذلك جزءًا من الحل.. أما الهدف فهو ألا تخسر مصر مستثمرا بحجمه وثقله ونفوذه العالمى، خاصة أنه وعد بالتفكير فى مشروع آخر.
على أننى كنت أتمنى أن يتضمن بيان وزارة الاستثمار إشادة بجهد الوزير السابق.. ليس دفاعا عنه وإنما تكريسا لقاعدة حكومية مفقودة.. ألا جهد يبدأ من الصفر.. وأن من وضع أول طوبة فى البنيان لا يقل أهمية عمَّن انتهى منه.. بجانب أنه لا عبقرية تولد من فراغ.. وكأن صاحبها معجزة هبطت علينا من السماء.
وما يزيد من إيماننا بتلك القاعدة المفقودة أن وزيرة الاستثمار لم تفز بدعاية مجانية فى قضية ميتال فقط وإنما فى قضيتين أخريين.
القضية الأولى تعرف بقضية بوابة الكويت وهو اسم شركة قابضة من شركات الخرافى اشترت مصنعا للأسمدة من ناصف ساويرس متضمنا حصة غاز لتشغيله، لكنه فوجئ بقطع الغاز عنه فلجأت الشركة إلى التحكيم مطالبة بمليار ونصف المليار دولار وبدأت مفاوضات التسوية ــ منذ أكثر من ثلاث سنوات ــ واتفق ــ منذ شهر ونصف الشهر ــ على أن تتنازل الشركة عن القضية مقابل ضمان تدفق الغاز للشركة دون انقطاع.. وهنا لعب شريف إسماعيل وهو وزير للبترول دورا فى التفاوض وإن لم يذكر اسمه أو جهده فيما بعد.
والقضية الثانية تعرف بقضية أيسا إنترناسيونال وهى الشركة الإيطالية التى تنفذ عقدا لإزالة القمامة من القاهرة وتراكمت مستحقاتها على المحافظة، لتصل إلى 650 مليون جنيه ولكنها قبلت بمبلغ 180 مليون جنيه لسداد مستحقات متأخرة عليها على أن تكمل ما تبقى من العقد (سنة) وتحصل خلالها على مستحقاتها كاملة.. وهنا لعب جلال السعيد وهو محافظ للقاهرة دورا مهما فى التفاوض وإن لم يذكر اسمه أو جهده هو الآخر فيما بعد.
وسبق أن نجح أشرف سالمان فى تسوية قضية التحكيم التى رفعها مستثمر هندى اشترى مصنعا للغزل والنسيج أعاده القضاء الإدارى إلى الدولة وطالب الرجل باسترداد ما دفع ثمنا للمصنع الأصلى (54 مليون دولار) بجانب ما أنفق عليه لتطويره (12 مليون دولار) وانتهت القضية ــ التى تعرف بقضية أندوراما ــ بحصوله على المبلغ الأصلى فقط وأعيد للدولة مصنع يكسب بعد أن بيع بسبب خسارته.
باختصار.. فازت وزيرة الاستثمار بجوائز تتجاوز كثيرا الجهد الذى بذلته.. وحصلت وحدها على أوسمة عن أعمال بدأها غيرها.. وتعبوا فيها.. لتكشف عن عقدة نفسية حكومية مزمنة.. إنكار جهد من سبقوها وعدم الاعتراف بما قدموا.. وكأن التاريخ يبدأ عندها.. وحدها.. لنحافظ على أسوأ ما ورثنا عن الفراعنة.. إزالة آثار السابقين لصالح القائمين.
لكن.. هذه ليست العقدة النفسية الوحيدة التى تعانى منها الحكومة.. هناك عقدة أشد.. وهى التفرقة بين وزير سيادى ووزير عادى.. وزير قديم ووزير حديث.
لقد كان حلم سامح شكرى أن يرأس هيئة الاستعلامات بعد أن أصبح بلا عمل على إثر تنحى مبارك.. ولكن.. الظروف جاءت به وزيرا للخارجية.. لكنه.. لم يسجد لله شكرا.. وإنما أخرج ما فى صدره من متاعب شخصية ومارسها على وزيرة الهجرة نبيلة مكرم التى كانت نائبا للقنصل فى دبى.. فقد ظل يعاملها وكأنها لا تزال دبلوماسية تحت يديه ورفض أن يخصص مكانا مناسبا لوزارتها فى مبنى وزارته وكأن المبنى ملك خاص له.. بل.. أكثر من ذلك انتقلت العدوى إلى السفارات فى الخارج فمشيت على نهج الوزير وكأن هناك تعليمات خفية بعرقلة جهودها النشطة التى لم تقم بها وزيرة سابقة تولت منصبها من قبل.. وقبلت الوزيرة بمكتب متواضع فى مكان آخر.. وإن وجدت نفسها ــ فى كثير من الأحيان ــ حائرة بين تعليمات الوزير وتعليمات رئيس الحكومة.
وقد كنت أتمنى أن يتفرغ الوزير لمسئولياته القومية ومنها الضغط على الحكومة البريطانية لإعادة السياحة والطيران إلى شرم الشيخ بعد أن أعلن مندوب وزارة النقل البريطانى أن الحكومة المصرية نفذت كل ما وعدت به فى تأمين مطاراتها.. لكن.. الوزير استسلم فى يأس قائلا لنواب فى البرلمان : الكرة الآن فى ملعب الجمعيات الأهلية.
والأخطر.. أن بعض تصريحات الوزير كانت أحد أسباب الأزمة بين القاهرة والرياض.. ولو راجعت رئاسة الحكومة تلك التصريحات لأدركت صدق ذلك.
كما أنه لم يوجه لوما لسفيره فى لندن على تقصيره خلال زيارة الرئيس لها وهو تقصير يصعب إنكاره.. أو تجاوزه.. كما حدث.
وكل ذلك على ما يبدو أمر طبيعى فى ظل عقدة الوزير القديم والوزير الجديد.. لكنها.. هى الأخرى ليست كل ما تعانى منه الحكومة من عقد نفسية.
هناك عقدة ثالثة.. أصعب وأشد.. جنون الوزراء بالتصريحات الوردية فى أزمات تشتعل وتهدد بمزيد من الحرائق.
لقد تسرع وزير الصحة أحمد عماد بالإعلان عن عدم زيادة أسعار الأدوية بعد تعويم الجنيه ومضاعفة سعر الدولار دون أن يدرس ما يقول ودون أن يبدأ المفاوضات مع شركات الأدوية المصرية والأجنبية.. وعندما بدأ النقص فى الأدوية لم يتوقف للمرة الثانية لدراسة الموقف، وإنما صرح بأنه سيعالج النقص خلال عشرة ايام وكأنه قادر على ذلك.
وكان الوزير آخر من يعلم بغالبية الاجتماعات التى تعقدها جهات متعددة (منها الرقابة الإدارية) مع المنتجين والمستوردين.. فى لقاءات اتسمت أحياناً برغبة مشتركة من جميع الأطراف فى تجاوز الأزمة.. واقتسام حال تحمل تكلفتها بصدر رحب، حتى لا تتهم الحكومة بقتل المرضى بحرمانهم من العلاج.
وحسب معلوماتى فإن هناك اقتراحات بحل الأزمة تدريجيا فى منتصف يناير المقبل بعد أن وافقت الشركات على تحمل الخسائر شهرين ولكن جرى الرجوع عنها من قبل الجهات الحكومية التى طالبت بأن تتحمل الشركات للخسائر 6 شهور وهو ما رفضته الشركات خاصة الأجنبية التى أعلنت أنها ستغلق أبوابها قريبا.. ولن أفرط فى تفاصيل الاقتراحات حتى لا أفسدها.. كما أنها ليست نهائية.
الوزير أول من يتكلم وآخر من يعلم.. أول من يثرثر وآخر من بيده الحل.
إن علم مواجهة الأزمات يجبرنا على أن نستوعب حقيقة غائبة عن الوزير وحكومته.. أن قرار العلاج له أربعة أبعاد تجب مناقشتها قبل اتخاذه.. بعد فنى يحدد هل رفع أسعار الدواء ضرورة آنية أم هناك فرصة لتأجيله؟.. فلو جزمنا بأنه لا مفر من رفع الأسعار دون تأخير نكون قد انتهينا من الشق الفنى.. ليبدأ الشق السياسى: هل تتحمل الحكومة تأجيل مثل هذه الأزمة؟.. هل تقبل باتهام رفع الأسعار أم تجبر على اتهام قتل المرضى؟.. فإذا وجدت الحكومة أن تحمل الغضب من رفع الأسعار أهون من تحمل الغضب من وفيات المرضى تكون قد استقرت على الشق السياسى، ليبدأ الشق الإعلامى: كيف تشرح الحكومة للرأى العام ظروف رفع الأسعار وتبرره بكلام عاقل يوقف المزايدات عليها.. ولكن.. وزير الصحة غير المؤهل لمواجهة الأزمات بدأ بالشق الأخير.. شق الإعلام.. ووضع الحكومة فى حرج.. فهى ستجبر على رفع الأسعار، لكن هل ستعاقب الوزير على ما فعل بها؟