منال لاشين تكتب: أزمة الصحافة ومحترفى تفجير الوطن.. يا نهار أسود يا نهار طين حبسوا نقيب قتلوا «مكين»
■ لا يوجد مستثمر عاقل أو سائح مجنون سينجذبان لبلد يحبس نقيب الصحفيين لأن هذا الخبر يوحى بعدم الاستقرار
«يا نهار زفت يا نهار طين حبسوا نقيب الصحفيين.. يا نهار زفت يا نهار طين حبسوا نقيب.. قتلوا مكين»، ومكين هو المواطن مجدى مكين الذى قتل من التعذيب فى قسم شرطة، لا تزال الداخلية تبحث وتحقق مع قسم شرطة الأميرية. مكين واحد من ضحايا التعذيب فى مصر التى تكررت أكثر من مرة، ولكن لأول مرة فى مصر ومنذ نشأة الصحافة منذ 200 عام يتم إصدار حكم حبس نقيب الصحفيين، ولكن ثمة رابط هام بين حبس نقيب الصحفيين وقتل مكين، فالمحرك فى الحالتين أو بالأحرى القضيتين واحد من ناحية، ونوع التأثير واحد من ناحية أخرى.
على أن هناك رابطا آخر مهما دفع شباب الصحفيين لترديد هذا الهتاف، ثمة مغزى مهم، فالصحافة وهى فى قمة أزماتها وأكبر معاركها لا تنسى ولم تنس أنها مهنة الدفاع عن الحريات.حرية المواطن.. أى مواطن وكل مواطن الدفاع عن حقه فى الحياة دون تعذيب..دون إهانة.. حقه فى الكرامة.
1- مانشيت أسود
خبر حبس نقيب الصحفيين تحول إلى العنوان الأكبر أو المانشيت بلغة الصحافة فى أماكن كثيرة حول العالم، وتوالت الإدانات من الاتحاد الأوروبى والاتحاد العالمى للصحافة ومعظم المؤسسات الحقوقية الكبرى فى العالم، ولكن أكبر تأثير جاء من الشقيقة تونس، فقد طالب صحفيو تونس بنقل مقر اتحاد الصحفيين العرب من القاهرة، وكان وجود الاتحاد بمصر تكريما لها ولصحافتها العريقة، ومنطق التوانسة أنه إذا كانت الدولة المصرية لا تحترم الصحافة وتسجن نقيب الصحفيين، فلماذا يبقى الاتحاد على أرض لا تحب الصحافة ولا تطيق حريتها، ولماذا يكرم العرب الصحافة المصرية إذا كانت الدولة المصرية تهينها وتحبس نقيبها.
من العرب إلى الغرب حين احتلت محاكمة قلاش اهتماما دوليا وأوروبيا غير مسبوق، لان الحدث نفسه غير مسبوق، فى كل جلسة يحضر نحو سبعة حقوقيين من الاتحاد الأوروبى لمتابعة الجلسات، وفى كل مرة يمنعون من الحضور ومع ذلك يحضرون لمصر فى الجلسة التالية لمتابعة الحدث الجلل الذى يهدد حرية الصحافة.
وخلال الجلسات سألتنى صحفية أجنبية بتعاطف «هل يستطيعون مواصلة العمل الصحفى فى ظل هذه الظروف؟»
ولكن آثار الحكم بحبس النقيب تتعدى قضية الحريات فقط، فقد لاحظت بعد الحكم أن رجال أعمال كبارا وصغارا استقبلوا الحكم بثمة إحباط، وقد دهشت لرد فعلهم، ففى الغالب يفرح ويشمت رجال الأعمال فى حبس الصحفيين، ولكن اكتشفت أنهم مستاءون من رد الفعل الدولى لخبر حبس نقيب الصحفيين، ومن وجهة نظرهم أن مثل هذا الخبر يؤثر سلبا على صورة مصر، ويلعب دورا طاردا لكل من الاستثمار والسياحة بشكل عام.
وبحسب مستثمرين من أهل السياحة فإن هذا الخبر يزيد من أزمة السياحة، وأن مصر تسعى الآن جاهدة ليس لاستعادة السياح، بل لتغيير الصورة الذهنية السلبية عن مصر، وبحسب أهل الخبرة السياحية فإن قضية «ريجينى» أدت إلى انهيار السياحة من إيطاليا.خسرنا مليون سائح، ونحو 2 مليار يورو بسبب قضية «ريجينى»، وتأتى قضية حبس نقيب الصحافة فى وقت حرج للسياحة، فمصر أطلقت حملة ترويج ضخمة لتحسين صورة مصر، والتأكيد على الأمان والاستقرار فى مصر، ولاشك أن خبر حبس نقيب الصحفيين لا يؤكد هذه الصفات.
2- تفجير مصر
الانطباع الأول عن حبس نقيب الصحفيين هو أننا أمام قضية قضائية، وأن الحكومة ليست لها علاقة بالقضية من قريب أو بعيد، ولكن إعادة ترتيب أوراق القضية تكشف كذب هذه المقولات، وتثبت أن لدينا جناحا فى الحكومة والسلطة يجيد تفجير الوطن من خلال أزمات كبرى تضغط على مصر محليا ودوليا.
لقد بدأت القضية باقتحام الداخلية لمقر نقابة الصحفيين للقبض على اثنين من الصحفيين الشباب صادر بحقهما ضبط وإحضار، ولجوء الصحفيين للنقابة فى مثل هذه الحالات منطقى وطبيعى، وحدث أكثر من مرة من قبل، لأن بعض الصحفيين يخشون من التعذيب أو تلفيق أدلة لهم، فيدخلون النقابة طرفا لضمان حمايتهم، وبعد اللجوء للنقابة يقوم الصحفيون بتسليم أنفسهم.حدث ذلك أكثر من مرة وانتهت الأزمة قبل أن تبدأ، ولكن فى هذه المرة أصرت الداخلية على اقتحام النقابة، وأحدثت شرخا بين الحكومة والجماعة الصحفية، وبدلا من معالجة الشرخ قابلت الحكومة غضب الصحفيين بالتحدى والتصعيد، وبدأت إجراءات إحالة النقيب للنيابة، وحين يصل الامر للنيابة أو القضاء تغل يد الجميع، ولكن الحكومة ووزارة الداخلية مسئولة مسئولية كاملة عن خلق الأزمة وتطويرها لحافة التفجير، والحقيقة أن لدينا حكومة تبدع فى خلق أزمات لتفجير الوطن، فخلق أزمة كل يوم واستمرار انتهاك حقوق الإنسان وتكرار حالات التعذيب ومعاداة الصحافة والتضييق على الحريات وعلى المجتمع المدنى، كل ذلك لا يوفر مناخا مناسبا لا للاستقرار ولا للعمل الجاد ولا يفجر طاقات الشباب ولا يحفز الاستثمار الأجنبى للمجىء لمصر، ولا يحسن صورة مصر لاستعادة السياحة، واستمرار كل هذه الأزمات كالبخار المكتوم تسمع له صوتا خافتا كالنقر، وتشعر بشىء ما يرج تحت قدميك، فإذا لم تسارع بمواجهة الأزمات المكتومة فستفاجأ بانفجار الأوضاع فى وجهك.
مصر بحاجة إلى عقل سياسى والرئيس بحاجة إلى مستشارين سياسيين، والمهمة الأولى لهؤلاء المستشارين استشراف الأزمات التى يمكن أن تنفجر فى وجه المجتمع والحكومة، وطرح حلول لحل الأزمات ونزع فتيلها، وليس ترحيل كل الأزمات إلى القضاء، والرئيس السيسى بنفسه قال عن أزمة «صحفيى الجزيرة» إنه ما كان يرسلها للمسار القضائى إذا كان فى الحكم، فقد دفعنا ثمناً فادحاً لحبس صحفيى الجزيرة، واستعدوا لدفع أضعاف هذا الثمن، فالحبس الآن وصل إلى نقيب الصحفيين والسكرتير العام للنقابة ووكيلها.. استعدوا الآن للاحتمال المفزع.. احتمال أن تؤيد محكمة الاستئناف الحكم بالحبس، وأن يتم وللمرة الأولى فى تاريخ مصر وبعد ثورتين حبس نقيب الصحفيين والسكرتير والوكيل.