عادل حمودة يكتب :دبلوماسية محمد بن زايد لإطفاء الحرائق العربية ــ العربية!
زيارة الخمس ساعات الأخيرة لمصر رطبت العلاقات بين القاهرة والرياض وناقشت تأثير وصول ترامب على المنطقة ودعمت سياسة تفكيك الأزمات قبل انفجارها
■ لأول مرة أسرار التوتر بين مصر والسعودية من التصويت فى مجلس الأمن إلى وقف شحنات أرامكو
فى الظروف الانفجارية التى يمر بها العالم العربى لا يجد الشيخ محمد بن زايد مفرا من أن يلعب دور رجل الإطفاء.. سريع التدخل.. فالحرائق التى تشتعل فى دولة عربية هناك ستأتى الرياح الساخنة بشررها لتطول دولة عربية هنا.. فلا أحد ــ مهما تباعدت المسافات ــ بعيد عن النار.
وربما.. لهذا السبب لم يتردد فى زيارة القاهرة يوم الخميس الماضى لترططيب العلاقات التى سخنت بينها وبين الرياض.. وربما.. كانت هناك أسباب موضوعية للخلاف.. لكن.. مؤكد أنها تجاوزت بسوء فهم تصريحات صحفية ما لمسئولين ما حدودها إلى ما هو أصعب وأشد.
وأدرك الشيخ محمد بن زايد بخبرة بلاده فى علاج الأزمات أن تركها يضاعف من خطورتها.. فقطيع الرمال بحكم الزمن يتجمد فى مكانه ليصبح صخرا.. وقطرة مياه الشر بحكم الإهمال تصبح بحرا من الظلمات.
ويبرر ذلك أنه قام بثلاث زيارات للقاهرة خلال ستة شهور.. فى إبريل ومايو ونوفمبر.. فيما يمكن وصفه بـ«دبلوماسية الحالات الحرجة».
ولعلاج مثل هذه الأزمات لم يتردد الرجل الذى يحمل جينات الحكمة من أبيه ومن شقيقه الشيخ خليفة فى التأكيد على الثوابت.. مصر والسعودية والخليج جبهة مشتركة لضمان ما تبقى من ثوب الأمن العربى الذى أصبح مرقعا بألف قطعة وألف لون.. والخلافات بينهما لا يجب أن تصل إلى حد التناقضات.. بشرط أن تجرى مشاورات واتصالات قبل أن يتخذ كل طرف ما يراه من قرارات.
لقد كان على وزير خارجية مصر أن ينسق مع الجانب السعودى قبل التصويت فى مجلس الأمن وكان على "أرامكو" السعودية ألا تلغى اتفاقا تجاريا بإيقاف شحنات النفط المتفق عليها لمصر.. وكان على الإعلام أن يتأكد من صدق ما يسرب إليه ويزيد الموقف تأزما.. فليس صحيحا أن السعودية وقفت ضد ترشح أبو الغيط لمنصب أمين عام الجامعة العربية بل إنها طالبت بتأجيل التصويت حتى تضمن له أغلبية تليق بمكانة مصر.. وسعت السعودية لقطر طالبة منها الموافقة على أبو الغيط.. وجاءت الموافقة من أمير قطر أثناء لقاء المناورات الذى جمعته بقائدى مصر والسعودية.
وتحت السطح كثير من الحقائق التى خفيت عن الإعلام ولم ينجح فى التوصل إليها وإن اجتهد فيما يرى دون أن يصيب فى كثير من الملفات.. وبتصور أن ميديا كل دولة تنحاز إليها تقطعت أوتار وأغلقت جسور وسدت قنوات.. ولو كان هناك من يطلعهم على ما ينقصهم من معلومات لتجنبنا ذلك كله.. خاصة أن البحث فى عمق الأزمة يشير إلى أن كثيرا من أعراضها شكليا والقليل منها موضوعيا.. ولا نريد التورط فى مزيد من التفاصيل حتى لا نزيد الطين بلة.. فنحن فى حاجة إلى التماسك لتكون محصلة جمع القوى المحلية قوة إقليمية يحسب حسابها.. فالتحديات كبيرة ومتعددة.. وشياطين الفتنة يراهنون على التفتيت والتقسيم والتدمير.. على أن من حسن الطالع أن الفتنة يمكن أن تنسف بمكالمة تليفونية عليا أو بزيارة خاطفة كالتى قام بها الشيخ محمد بن زايد مستثمرا العلاقات المتينة بين بلاده ومصر والسعودية فيما يمكن وصفه بإعادة " لم الشمل ".. والمؤكد أن قيامه بهذه الخطوة لم يكن ليحدث لولا تأكده من رغبة القاهرة والرياض فى نجاحها.
وأتصور أن أرامكو تبحث الآن كيفية إعادة شحنات النفط إلى مصر عربونا على التفاهم.. وكانت هناك شحنة أوقفت حتى سددت مصر للشركة 65 مليون دولار ثمنا لها.. وكان إيقاف شحنة أكتوبر بسبب قرار تغيير حصص إنتاج النفط حسب ما قررت منظمة الأوبك.. لكن.. الإيقاف بعد ذلك كان نوعا من رد الفعل على توتر العلاقات بين البلدين.. ولو أعادت السعودية شحنات النفط فإنها فى تقديرنا تحتاج لخطوة إيجابية تقوم بها مصر.. لتزول آثار ما حدث.. وتعود المياه إلى مجاريها.
والمؤكد أن وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية ــ مخالفا لكل المراهنات ــ كان نقطة مهمة فى جدول أعمال السيسى - زايد فى زيارة الخمس ساعات الأخيرة.
ولا شك أن وصول رئيس غير تقليدى إلى البيت الأبيض أسقط غالبية تقديرات خبراء التحليل الاستراتيجى فى المؤسسات الرسمية العربية وهو ما يجبرنا على وضع تقديرات وتصورات لما يمكن أن يحدث فى المنطقة بعد أن عاد الاهتمام إليها من جديد.. لتتغير علاقات.. وتتبدل تحالفات.. يجب أن نضع يدنا عليها ــ بجماعات بحثية مشتركة ــ قبل حدوثها.. لكى لا نصل إلى المطار بعد إقلاع الطائرة كما تعودنا.
وجاءت الزيارة فى وقت نفذت فيه مصر برنامجا صعبا للإصلاح الاقتصادى بما يؤكد مواصلة استمرار دعم الإمارات لها.. وكانت هى والسعودية والصين وألمانيا قد قدموا لمصر ستة مليارات من الدولارات الذى طلب صندوق النقد بتوفيرها قبل الموافقة على القرض الذى نطلبه منه. وبنفى وزير البترول طارق الملا شراء مصر النفط من إيران تراجعت التفسيرات السيئة للصور التى نشرت لمسئولين فى الخارجية المصرية مع مسئولين إيرانيين فى الأمم المتحدة.. فالخلاف بين القاهرة وطهران لا يزال حيا.. ولن تحسمه صورة التقطت من باب الحرج الدبلوماسى.. وإن كانت الدبلوماسية فى حاج لضبط فى الكلمات والتصريحات حتى لا تتفجر حساسيات تنتهى بأزمات ما كان لها أن تحدث.
لكن السؤال المهم لم ننتظر وقوع الأزمات ثم نجرى بحثا عن حلول لها وكان يمكن بقليل من المتابعة أن نمنع وقوعها.
والحقيقة أننا لسنا فى حاجة إلى لقاءات إيجابية ــ مثل اللقاءات التى تحدث بين السيسى وبن زايد فقط ــ وإنما نحن فى حاجة أيضا إلى تكثيف هذه اللقاءات واستمرارها فتقوية جسور التواصل بين هذه الكتلة المتوافقة من الدول العربية أصبح أمرا حتميا قبل أن نفكر فى الحوار مع الآخرين.