نقل مقرات الحكومة إلى العاصمة وبيع القديمة لتمويل المعاش المبكر

العدد الأسبوعي

إنشاءات العاصمة الإدارية
إنشاءات العاصمة الإدارية الجديدة - أرشيفية

أحمد فايق يكشف: هيكلة الجهاز الإدارى للدولة تبدأ من العاصمة الإدارية الجديدة


هل جربت أن تذهب إلى المرور مثلا لتستخرج رخصة السيارة؟ 

بالتأكيد خضت هذا المشوار الذى يساوى عبئًا على القلب، ويحتاج إلى كل أدوية الضغط والسكر، والمدخنين يحرقون ٣ علب سجائر، لدرجة أنك تجد بعضهم يقابلك بالأحضان بعد حصولك على الرخصة قائلين بفرحة مبروك وعقبالنا، حينما تدخل إلى المرور فإنك يجب أن تذهب أولا إلى شباك التأمين لتقف طابورًا، ثم طابورًا آخر فى شهادات المخالفات، وطابورًا ثالثًا فى الفحص الفنى، ورابعًا فى النمر، وخامسًا فى التظلمات، وسادسًا فى شراء طفاية الحريق، وسابعًا فى ملفات التقديم، وثامنًا فى المراجعة، وتاسعًا فى استلام الرخصة.

أنت مطالب بـ٩ طوابير وسط آلاف الراغبين حتى تستخرج رخصة، ليس لأن هذا هو الصحيح، بل لأن هناك عشرات من الموظفين يجب أن يعملوا، بل ملايين الموظفين يجب أن يعملوا حتى لو أدى هذا إلى تعطل مصالح بقية المصريين، لقد أصبح الموظف التقليدى عبئًا على الدولة، والتكدس الوظيفى يصادر فرص المواهب الحقيقية فى الانطلاق، مبنى مثل اتحاد الإذاعة والتليفزيون فيه ٤١ ألف موظف وهو أكبر عدد من العاملين الحكوميين فى قطاع الإعلام فى العالم، أقلية منهم فنيون أى معد ومخرج ومذيع وأغلبية منهم موظفون، فى ماسبيرو توجد أكبر مواهب فى الإعلام العربى، لقد ساهموا فى صناعة الفضائيات الخاصة المصرية والعربية، ولكنهم لا يستطيعون عمل ذلك، يتحول معظمهم إلى طاقات عاطلة، هذا المشهد موجود فى كل إدارات ومؤسسات الحكومة، هناك إدارات تم اختراعها خصيصا لاستيعاب العمالة الزائدة من الموظفين، فى مصر فقط يوجد موظف حكومى لكل ١٣ مواطنًا، فى العالم يوجد موظف حكومة لكل ١٥٠ مواطنًا، فى مصر فقط ٩٨ فى المائة من الموظفين يحصلون على تقدير امتياز فى التقرير الشهرى، فى مصر فقط يوجد ٦ ملايين موظف حكومى، أى أن أعدادهم تضاعفت طوال فترة حكم مبارك من ٢ مليون و٥٠٠ ألف إلى ٥ ملايين ونصف المليون ثم وصلت إلى ٦ ملايين موظف.

هذا فى ظرف اقتصادى وسياسى ضاغط على الجميع، تأجيل إجراءات إصلاحية سيدفع مصر فى اتجاه اليونان، وهى دولة وقفت وراءها مليارات ونفوذ الاتحاد الأوروبى وأبقوا عليها حتى الآن، فى مصر الوضع سيختلف، ولن يستطيع أحد إنقاذ 90 مليون مواطن من أزمة اقتصادية كبيرة. 

فى فترة مبارك كانت الأموال تأتى إلى مصر من تحويلات المصريين بالخارج والسياحة وبيع القطاع العام وقناة السويس.

الآن لم تعد هناك سياحة أو تحويلات مصريين بالخارج، فقد تأثرت تحويلات المصريين بالخارج من انهيار سعر الجنيه وتلاعب التنظيم الدولى للإخوان بالعملة المحلية فى الخارج. 

الأرقام تقول إن الوضع تحسن لكننا مازلنا فى كارثة، نسبة النمو فى عام 2010 كانت 4.6 وانهارت فى 2011 وأصبحت 1.8 وفى 2012 بلغت 2.2 وفى 2013 كانت 2.1 وفى 2014 وصلت إلى 2.2 ، وحدثت قفزة فى 2015 ووصلت إلى 4.2 ومن المتوقع أن تصل فى 2016 إلى 4.4. 

البطالة فى 2010 كانت 8.9 ٪ ووصلت إلى ذروتها  فى 2013 بـ 13.3 وتناقصت إلى 12.8 هذا العام، مع ملاحظة الزيادة السكانية الرهيبة، الأجور قبل ثورة 25 يناير كانت 85 مليار جنيه الآن أصبحت 212 مليارًا، وانضم 900 ألف موظف إلى الجهاز الإدارى للدولة دون الحاجة لهم، الدعم قبل يناير كان 103 مليارات جنيه، وفى عهد الإخوان وصل إلى 229 مليارًا، وهذا العام بلغ 199 مليارًا. 

لقد واجهت مصر صعوبات كبيرة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، هذه الصعوبات ليست مسئولة عنها ثورة يناير فقط، بل بسبب تلكؤ مبارك فى التوجه نحو الإصلاح الاقتصادى، وارتفاع نسبة الفساد، وما مرت به مصر فى الأربع سنوات الأخيرة كان سيحدث الآن لو كان مبارك حاكما لمصر.

بطالة مرتفعة زيادة كبيرة فى فاتورة الدعم، وفى نفس الوقت لم تشهد الإيرادات الحكومية زيادة مماثلة.

السيسى عمل فى 2014 على عمل تغيير استراتيجى فى توجهات النشاط الاقتصادى، وعمل على ثلاثة محاور الأول تطوير البنية التحتية من قطاعات الكهرباء والبترول والغاز الطبيعى وشبكة الطرق القومية والنقل، والمحور الثانى من خلال المشروعات التنموية من تنمية عقارية ومحور تنمية قناة السويس.

والمحور الثالث فى مجال الحماية الاجتماعية مثل الإسكان الاجتماعى والتوسع فى الإنفاق الحكومى عَلِى المياه والصرف الصحى والصحة والتعليم. 

 ويظل إصلاح وهيكلة الجهاز الحكومى هو الأرضيّة المناسبة لأى إصلاح اقتصادى، هناك ملفات لم يجرؤ أى رئيس جمهورية أو حكومة الاقتراب منها وهى الدعم والموظفين، لكن السيسى اقتحم الملف الأول، ومن المتوقع ألا يصمت كثيرا حتى يقتحم الملف الثانى. 

لقد تم وضع جميع الهيئات الحكومية والوزارات فى تخطيط العاصمة الإدارية الجديدة بما فيها المؤسسات المهمة مثل وزارات الخارجية والبرلمان ومجمع التحرير، وهذا يعنى نقل  ما لا يقل عن ٤ ملايين موظف إلى العاصمة الجديدة، وسط تخطيط ومرور منتظم ووسائل مواصلات عالمية ومنظومة طرق حديثة، هؤلاء سيعملون وفق إجراءات إلكترونية وقاعدة بيانات واضحة للكل، فقد عقد الرئيس اجتماعا مع وزير الاتصالات لدمج قاعدة بيانات ٢٠ جهة حكومية فى ملف واحد، وسيساهم هذا فى كشف الأبواب الخلفية لسرقة الدعم ووصوله إلى طبقات لا تستحقه، سيكشف موظفين متجاوزين الحد الأقصى للأجور ومستفيدين من تعقد شبكة الأجور والرواتب بين الوزارات والهيئات. 

هناك بعض الموظفين الذين سيقبلون بالانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة والبعض الآخر سيرفض، هنا على الدولة أن تفتح المعاش المبكر، ويتمتع الموظفون بمكافأة نهاية خدمة معتبرة، وحتى تتوفر هذه الأموال هناك اتجاه فى الدولة لطرح كل أراضى الهيئات الحكومية حق انتفاع لمدة ٤٩ سنة، وتستخدم هذه الأموال فى الاستثمار المباشر وتمويل المعاش المبكر للموظفين بالقطاع الحكومى، فهناك آلاف الموظفين الذين يرغبون بالفعل فى التقاعد المبكر ويخشون أن يخرجوا على المعاش ويفقدون مجهود سنوات عمرهم.  

سيساهم هذا أيضا فى زيادة رواتب المجتهدين من موظفى الحكومة والحفاظ على الكفاءات بدلا من هدرها خارج مصر أو فى جهات أخرى، ستكون فرصة جيدة حتى يحصل الشباب فى الجهاز الحكومى على فرصهم، والقضاء على الرسوب الوظيفى، وتجديد دم الجهاز بأفكار وقيادات شابة.