منال لاشين تكتب: صندوق النقد يراقب الحكومة بفلوسه
إجراءات معلنة وأخرى سرية
■ الاحتياطى يجب ألا يقل عن 21 مليار دولار
■ المجموعة الاقتصادية تقدم تقارير أداء واجتماعات دورية مع الفريق الفنى للصندوق
■ ديون الأجانب فى البترول والاتصالات تهدد بأزمة دولار جديدة وإحياء السوق السوداء
■ إنهاء دعم الكهرباء لكل المصريين خلال 3 سنوات
■ تقييم رجال الأعمال لأداء الحكومة فى التراخيص وتوفير الأراضى مؤثر فى دفعات القرض
فى خطبة شهيرة للزعيم جمال عبدالناصر قال «إن البنك الدولى عايز يجيب واحد منهم يشتغل وزير مالية وواحد يشتغل وزير اقتصاد وواحد بدلا منه شخصيا».
الخطبة الشهيرة جدا لأنها كانت خطبة تأميم قناة السويس وذلك ردا من مصر على رفض البنك الدولى تمويل بناء السد العالى.
بعد أكثر من نصف قرن تبدل حال البنك الدولى إلى الأحسن مع مصر، ولكن رفيق دربه صندوق النقد لم تتطور علاقاته مع مصر بنفس المستوى، حاول صندوق النقد بعد إسهامه فى سقوط نظم ودول أن يحسن صورته، أن يبدو أكثر رأفة بالفقراء الذين يموتون تحت وطأة شروطه وسياساته.
فى كل اتفاق يجريه صندوق النقد الآن مع أى حكومة يضع الصندوق عبارات من نوع برامج لمساندة الفقراء ومحدوى الدخل، وبالمثل يتحدث عن مكافحة الفساد.
ولكن فى النهاية الصندوق مثل أى دائن يريد أن يطمئن على أمواله وعلى قدرة الدولة التى اقترضت هذا المال على السداد، ولذلك فإن الصندوق يتابع بدقة وبشكل دورى ومن خلال لجان فنية خطة الإصلاح الهيكلى التى تم على أساسها الموافقة على منح القرض. ولذلك من الآن وصاعدا ومثلما حدث من قبل أصبح الصندوق الشريك المراقب لكل تصرفات وإجراءات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية.
وأصبحت الحكومة وراءها كرباج اسمه صندوق النقد والمتابعة الفنية مع كل خطة اقتصادية، فى الغالب ينفى الصندوق عن تواضع ممزوج بالذكاء هذه الصفة الرقابية. رئيس بعثة الصندوق الخاصة بالقرض كريس جارفيس قال وكرر كلاما لطيفا.. كلام من نوع أنهم ينظرون فى النتائج لتحقيق الأهداف الكلية والنهائية ككل وليس للخطوات أو الآليات التى يتم اختيارها لتنفيذ الأهداف، وأضاف جارفيس أن الصندوق يختلف عن مؤسسات أخرى ولا يشترط مشروعات بعينها لتنفذها الحكومات، وأن الصندوق يساعد المركزى والحكومة.
ولكن حقيقة الأمر أن تدخل صندوق النقد أكثر فى السياسات الاقتصادية من البنك الدولى ومن كل المؤسسات المالية، وما بين المعلن والسرى هناك مساحة من التدخل من الصندوق وإدارته ولجنته الفنية.
وقد أضيف لهذه المساحة ملف سداد الديون والمتأخرات لشركات البترول الأجنبية، وهذا الملف يتجاوز فى تأثيراته مجرد الحديث عن قرض الصندوق.
1- الرقابة اللصيقة
فور قرار المجلس التنفيذى لصندوق النقد بالموافقة على قرض مصر، وفى لمسة رومانسية حانية، تم تحويل القسط الأول من القرض بمبلغ 2.7 مليار دولار. وهذا الرقم سيكون أكبر قسط من الأقساط التالية للقرض، ولكن الصندوق رأى أن يساند مصر فزاد من قيمة القسط الأول.
ولكن الحال لم يستمر بنفس الطريقة فى الأقساط التالية والتى ستكون بمعدل قسطين كل عام، والاختلاف ليس فى مقدار المبلغ، ولكن الاختلاف الرئيسى فى الدور الذى سيلعبه صندوق النقد من خلال بعثته الفنية لمتابعة الصندوق منح مصر القرض. ثمة إجراءات ورقابة لصيقة وأخرى متابعات لكل خطوات الحكومة خاصة الإجراءات والخطوات الاقتصادية.
من بين الشروط غير المعلنة للصندوق ما يخص الاحتياطى النقدى للبنك المركزى، وهذا الاحتياطى يعبر عن حالة الدولار فى مصر أو بالأحرى مستوى أزمة الدولار فى مصر، ولذلك يطلب الصندوق ألا يقل الاحتياطى النقدى عن مستوى 21 مليار دولار. وهذا الشرط أو الطلب سيمثل ضغوطا على البنك المركزى فى ممارسة دوره لتلبية الطلبات المختلفة من كل مؤسسات الدولة على الدولار.. وهى احتياجات مستمرة من قمح وبترول وغاز وأدوية وغيرها من السلع الاستراتيجية.
بالإضافة لمراقبة الصندوق للتعامل مع الاحتياطى، فإن هناك متابعة ومراقبة لأداء الحكومة تجاه قضية الاستثمار، وإجراءات الحكومة لدفع عجلة الاستثمار بكل التفاصيل. ففى حوارات وتصريحات رئيس بعثة صندوق النقد لمصر كريس جارفيس تحدث بوضوح عن تسهيل إجراءات الترخيص الصناعى، وهى مشكلة كبرى يعانى منها المستثمرون فى مصر منذ سنوات، وبالمثل فإن فى قلب المتابعة إجراءات تسهيل حصول المستثمرين على الأراضى وتسهيل الإجراءات الحكومية والتغلب على البيروقراطية. كل هذه الإجراءات فى ملف واحد، ولكن مستر كريس يرى أن الصندوق لا يتدخل ولا يشترط مشروعات معينة، ولكن الصندوق يشترط سياسات معينة ويتدخل بالمراقبة والمتابعة لضمان تنفيذ هذه السياسات.
ولذلك فعلى الحكومة أن تفكر ألف مرة قبل أن تقدم على إغضاب رجال الأعمال والمستثمرين أو حتى مجرد واحد من أكبر رجال الأعمال. لأن شكاوى رجال الأعمال خاصة الكبار منهم ستجد صدى وآذاناً لدى بعثة صندوق النقد، وستجد طريقا لتقارير الأداء للجنة الفنية، وبناء على هذه التقارير سيتم صرف الدفعات أو الأقساط التالية من قرض الصندوق.
وتتابع اللجنة الفنية تنفيذ الحكومة لقرار إلغاء الدعم كليا عن الكهرباء خلال خمس سنوات، وقد بدأت خطة رفع الدعم عن الكهرباء منذ عامين، ولذلك ستنتهى خطة رفع الدعم مع انتهاء قرض الصندوق.
وترك الصندوق مساحة للحكومة المصرية للتحرك فى ملف دعم المواد البترولية أو المحروقات، ولكن بنفس المدة الزمنية للقرض أى ثلاث سنوات، ويجب على الحكومة أن تبلغ الصندوق أولا بأول بخطواتها فى رفع دعم المواد البترولية.. البنزين والسولار والمازوت والبوتاجاز.
وفى هذا الملف لم يتم تحرير سعر كل المواد البترولية، فالاتفاق مع الصندوق ترك هامشا للحكومة المصرية من أجل إنقاذ طبقة محدودى الدخل والفقراء.
من ضمن برنامج المتابعة والمراقبة للصندوق وبعثته الفنية ملفات كبرى وحاسمة.. ملفات مثل خفض الدين العام وخفض عجز الموازنة، وهذا الملف يتيح لبعثة الصندوق أن تراقب أداء الحكومة فى خفض النفقات الحكومية وترشيد الإنفاق الحكومى وبشكل تفصيلى، ومع ذلك يرى مستر كريس أن الصندوق لا يتدخل فى التفاصيل، ولكن البعثة الفنية تتدخل فى كل تفاصيل عمل المجموعة الاقتصادية الوزارية.. والبعثة الفنية تجرى لقاءات دورية مع هذه الوزارات. وهذه الوزارات تقدم تقارير أداء خلال هذه الاجتماعات.
2- أزمة دولار الأجانب
بمناسبة موافقة صندوق النقد على القرض أصدرت السفارة البريطانية بالقاهرة بيانا، البيان يؤكد أن بريطانيا كانت داعمة للقرض ولمصر خلال مناقشة مجلس إدارة الصندوق للقرض. وأن الصوت البريطانى لعب دورا فى دعم الفقراء فى مصر من خلال اشتراط التزام مصر بزيادة المخصصات للفقراء بـ1% من الناتج المحلى، وبالمثل إتاحة فرص العمل أمام نساء ورجال مصر.
ولكن البيان البريطانى فجر جدلا واسعا حول شروط الصندوق، فقد أشار البيان إلى خطة تسديد الديون المستحقة للشركات البترولية العالمية فى مصر، واستنتج البعض أن بريطانيا أدخلت سداد الديون ضمن البنود أو الشروط السرية للقرض.
وبريطانيا لديها استثمارات هائلة فى مصر وخاصة فى قطاع البترول والاتصالات، ولذلك فإن قضية ديون أو متأخرات شركات البترول قضية بريطانية حاكمة.
وتنقسم المديونيات أو متأخرات شركات البترول العالمية إلى قسمين: الأول خاص بديون قديمة ومتراكمة وتبلغ 1.6 مليار دولار. والقسم الآخر جديد ويبلغ 2 مليار دولار. وبذلك يبلغ إجمالى ديون هذا القطاع 3.6 مليار دولار. وبالإضافة إلى متأخرات البترول هناك متأخرات لشركات الطيران العالمية فى مصر، وهناك مستحقات دولارية لشركات الاتصالات وشركات الأسمنت، كما أن هناك مستحقات دولارية لشركات قطاع خاص تعد فروعا للشركات الأم فى الخارج، بعيدا عن البيان البريطانى، فإن هذا الملف من أخطر الملفات تأثيرا على أزمة الدولار أو بالأحرى مستقبله فى مصر، فهذه المستحقات والمتأخرات قد تؤدى فى حالة تفاقمها إلى سحب الاستثمارات القائمة أو توقف الاستثمارات الجديدة، هذه المتأخرات أو المستحقات تحتاج إلى مواجهة جادة وحاسمة، فالحكومة يجب أن تقوم بتفاوض عاجل وسريع مع الشركات العالمية وإعادة جدولة المتأخرات على دفعات.
وبالمثل تمثل أزمة أرباح هذه الشركات فى مصر تحديا آخر للدولار، لأن عدم تقديم المركزى حلولا لتحويل الأرباح للخارج، فإن الحل أمام الشركات العودة للسوق السوداء لتوفير دولارات لتحويلها للشركات الأم، وهذا الوضع سيزيد من سعر الدولار فى السوق السوداء ورفع سعر الدولار فيها مرة أخرى. وهذا الوضع يهدد بالضغوط الخرافية والقاسية على سعر الصرف مرة أخرى، ولذلك يجب أن تواجه الحكومة هذه الأزمات فورا وبحسم.
وفى إطار الحلول أو بالأحرى شروط الصندوق، هناك شائعة أن المركزى سدد 500 مليون دولار لشركات البترول من الدفعة الأولى من قرض الصندوق، بينما يرى البعض أن الإشارة إلى ديون شركات البترول فى بيان السفارة البريطانية كان أداة للتذكرة وربما الضغط المعنوى على الحكومة للتحرك فى هذا الملف.