نشأة السينما الجزائرية من رحم الكفاح والنضال بعد الإحتلال ودورها الحقيقى على الساحة السياسية


علي الرغم من أن الغالبية العظمي من الدول العربية وقعت أسيرة للاحتلال الأجنبي بعد الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي ، إلا أن السينما فيها لم تواكب أو تتفاعل أو تشارك قوي النضال والكفاح الوطني فيها ، بالشكل المفترض أو الصحيح ، باستثناء الوضع في الجزائر ، بلد المليون شهيد ... التي ولدت السينما فيها من رحم الكفاح المسلح والنضال الوطني ضد الاحتلال الفرنسي, حيث ترسخ مفهوم السينما ورسالتها في كونها أداة مقاومة تفزع العدو وتفضح أساليبه وتكشف عن جرائمه الوحشية ضد الشعب الأعزل المبتلي به .

وعلي صعيد أخر, تبث روح المقاومة وتؤجج حمية النضال في نفوس جيش التحرير الشعبي الذي انخرط فيه كل فئات الشعب الجزائري من مثقفين وعمال وساكني الصحراء من البدو والرعاه ومن كل الأعمار: كهول وشباب وأطفال ونساء ... إذن السينما في الجزائر جاءت كوسيلة للمقاومة والتحرير ، لا وسيلة للتسلية والترفيه كما هو الحال في معظم السينمات العربية.

حول جدلية السينما والثورة في الجزائر جاء فيلم سينمائيو الحرية ليتناول صفحات من تاريخ هذه السينما ، وكيف أن السينما عندهم كانت رسالة تحريضية وأداة نضالية فاعلة ألهبت حماس الثوار ودبت في نفوس المجاهدين الجزائريين روح الشجاعة وقوة التحمل والأمل في تحقيق الحرية والاستقلال ... وهكذا نجد أن الفيلم يفضح رسالة السينما كما أرادها المستعمر الفرنسي الذي ركز في أفلامه الدعائية المغرضة علي نقل صورة للغرب مغايرة وظالمة عن طبيعة المجتمع العربي المتمثل في الجزائر ، كما جاء علي لسان محمد بن صالح -أستاذ السينما في الفيلم ، حيث كشف عن شهادة زور للمستعمر الفرنسي التي يصور فيها الشعب الجزائري بغير ثقافة أو دين وتعصب كما جاء في فيلم العربي المضحك ، ويصور المرأة الجزائرية متخلفة ومنحطة أخلاقيا أمام فحولة الرجل الفرنسي كما جاء في فيلم شعب موكو . وأكد علي ذلك المؤرخ السينمائي أحمد بجاوي بكشفه عن محاولات إقصاء الجزائريين عن هويتهم حتي في عقيدة بعض المستشرقين أمثال فيكتور هوجو وغيره ممن يطلق عليهم أصحاب الفن الاستشراقي الذين يعكسون صورة العرب في الشرق للعالم الغربي من وجهة نظرهم ، علي الرغم مما يبدو علي السطح من سمو رسالة البعض منهم وإنسانيته.

وفي جانب أخر يعرض الفيلم صور من المعارك الوحشية التي يرتكبها جنود الاحتلال ضد أفراد الشعب الأعزل ، ويعلق عليها رضا مالك -رئيس حكومة سابق متحدثا عن المقاومة الشعبية وتاريخها النضالي ، والرأي بتدويل قضية كفاح الجزائر في المحافل الدولية كما جاء في بيان أول نوفمبر ودور محمد بوضياف الوطني وإصداره لجريدة المقاومة الجزائرية السرية الناطقة بلسان جبهة التحرير الوطني ، ومعركة الإعلام التي تحدث عنها في الفيلم تفصيلا الوزير السابق لمين بشيشي وما أطلق عليه سينما الجيش ، وبالتوازي مع دور السينما كوسيلة للمقاومة والتحرر كما جاء بشهادة السينمائيين: لمين مرباح ، و عمار عسكري والناقد السينمائي كريم تزاروت .

ولاينكر الفيلم دور الأجانب ممن قاوموا الاحتلال الفرنسي ووقفوا انتصارا لقضية التحرر العادلة مع المناضلين الجزائريين ، سواء كانوا فرنسيين انخرطوا عن طواعية واقتناع في جانب الحق في الحرية والاستقلال ، أو السينمائيين العرب من تونس أو السينمائيين من دول الغرب. وهنا يؤكد الفيلم علي الدور العظيم الذي لعبه روني فوتيه من خلال أفلامه الشجاعة مثل: أمة العرب و كفاح الجزائر الذي عرض خارج الجزائر ، وفضحه للممارسات الاحتلال الفرنسي في الجزائر واتهامه ببيع فيلم لروسيا يدين هذا الاحتلال ومن ثم الحكم عليه بالسجن ، كذلك دوره في تشجيع السينمائيين الجزائريين لإنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام ... شهادات للتاريخ عن دور هذا الرجل وغيره من أصدقاء السينما الجزائرية ، جاءت في الفيلم علي لسان المخرج السينمائي أحمد راشدي.

أشاد الفيلم أيضا بدور بيار كليمون المخرج التونسي الرائد في سينما الحرية الجزائرية وفيلم ساقية سيدي يوسف الذي يصور الكفاح الوطني ، مما تسبب في سجنه من قبل قوات الاحتلال ، إلا أنه لم يتردد في نقل خبراته السينمائية التقنية للسينمائيين الجزائريين الشبان ، وبشكل خاص في مجال التصوير بالكاميرا المحمولة التي تتفق مع التصوير في الأماكن الممنوعة والجبلية حيث الثوار ومشاهد الإعدامات والقتل والتخريب التي ترتكبها قوات الاحتلال الحمقاء ضد شعب أعزل.

إلي جانب هؤلاء من أصدقاء السينما الجزائرية برزت أسماء العديد منهم ممن كان لهم تأثيرا ايجابيا نحو دفع ثوار الجزائر ومجاهديها للكفاح الوطني ضد قوي الاحتلال الفرنسي أمثال: المخرجة الفرنسية دي سيسيه وفيلمها اللاجئين الجزائريين حيث تصور فيه خروج الأسر والعائلات الجزائرية من سكناهم هربا للحدود التونسية وفرارهم من بطش ووحشية تتربص بهم ، وبعد أن ترملت النساء وقتل الرجال والشباب ودمرت كل مقومات الحياة وسبلها أمامهم.

وبالطبع تطرق الفيلم لدور سينمائيي الحرية في الجزائر وتعاون أصدقائهم من الأجانب ممن ذكرنا نماذج منهم لإنتاج سينما وطنية تعبر عن قضية الكفاح الوطني بعيدا عن الأفلام الدعائية التي يصنعها المحتل الأجنبي ، مثل فيلم جمال شنديرلي الذي يفضح أساليب المحتلين وممارساتهم الوحشية ضد الشعب الجزائري. ومع إنشاء مصلحة السينما لجيش التحرير علي يد محمد ياسين ورفاقه تحقق العديد من الأفلام الوطنية علي يد سينمائيي الحرية أمثال: علي الجناوي صاحب فيلم هيا أبناء الجزائر والذي استشهد في الجبل أثناء التصوير ، كذلك دور موسوي وشرائطه الوثائقية التي تفضح جرائم المحتل الفرنسي ..وغيرهما ، إلي أن تكون مايطلق عليه لجنة الصورة والصوت بوزارة الإعلام علي يد: محمد لاخضر حمينه ، حسن بلحاج ، و مصطفي كاتب ، وكان أول إنتاج لهذه اللجنة فيلم جزائرنا من إخراج الثنائي: حمينه / شولي شندرلي ، ثم فيلم صورة ياسمينا إخراج شندرلي / حمينه ، وفيلم بنادق الحرية إخراج شندرلي / حمينه أيضا... محمد لاخضر حامينا المخرج العربي الوحيد الذي نال جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الفرنسي.

وفي النهاية يؤكد أحمد راشدي علي دور السينمائيين في مسيرة الكفاح الوطني في الجزائر ، وأن تبقي السينما ضرورة ، ويشير راشدي إلي أنه رغم هذا الدور الوطني الذي لعبته السينما في الجزائر إلا أنها لم تصل لمستوي ماحدث حول حرب التحرير الجزائرية ، ويقول أحمد راشدي : سنساهم في إعادة بناء هذه الدولة ، وإعادة صورتنا الحقيقية ... السينما عي الحقيقة ، ومع كلمات راشدي ينتهي الفيلم علي خلفية أغنية وطنية يقول مطلعها: جزائرنا يابلاد الجدود ... سلاما سلاما . ونقول معها سلاما سلاما ، بل تعظيم سلام لسينما عرفت كيف تكون فاعلة في قضية وطنية ، سينما اتخذت من الكاميرا سلاحا يؤجج قوي الشر والطغيان ... فهل نتعلم منها؟ ربما