"الفجر" ترافق "التعليم".. مفاجآت داخل مغامرة ضبطية مراكز الدروس الخصوصية بالإسكندرية
صاحب مركز يعمل "محاسب بالكهرباء".. وآخر يتخبئ بالستائر داخل العشوائيات تحت مسمى جمعية خيرية
صاحب مركز يعيش في أمريكا ويمارس المهنة بمصر.. ويؤكد: "الطلاب هما اللي محتاجين ليا".. وتكدس 1500 طالب داخل قاعة واحدة بإحدى المراكز
مدير الشؤون القانونية بالتعليم: نصعد الأمور للنيابة.. ومصدر: المحافظون يتكاسلون في إجراءات الغلق
أعداد هائلة من الطلاب داخل مراكز الدروس الخصوصية عقب الساعة الثانية ظهرًا، ومراكز أخرى تتخفى تحت شعارات الجمعيات الخيرية، ووجود معلمين ليسوا تابعين لوزارة التربية والتعليم من الأساس منهم من حاصل على ليسانس آداب دون مهنة أساسية له في بطاقته الشخصية.
جميع أصحاب تلك المراكز يرفعون كالعادة شعار: "الطلاب هما اللي محتاجني مش أنا اللي محتاجلهم.. طوروا المدارس ونظام التعليم بعدها أغلقوا مراكز الدروس الخصوصية"، عبارات كانت تتردد على ألسنة أصحاب المراكز خلال مغامرة عاشتها "الفجر" مع أعضاء الضبطية القضائية بديوان عام وزارة التعليم، وهم "عصام سمير، وعصام الطوخي، ومسؤول الأمن محمد صقر"، وذلك تحت إشراف الدكتور علاء عيد، مدير عام الشؤون القانونية بديوان وزارة التربية والتعليم.
الجولة الأولى كانت في شارع "لافيزون" بحي الإسكندرية، دخل أعضاء الضبطية مركز يدعى "سنتر حسين عزت"، والذي يعلم اللغة الإنجليزية، ونفذ مأمورا الضبطية محضرًا لمالك السنتر والذي يدعى "حسين عزت"، وقال خلال أقواله بالمحضر، إن المركز يحتوي على قاعة دروس كبيرة تستوعب أكثر من 120 طالبًا يوميًا، إضافة إلى احتواء المركز على جميع التجهيزات من "ريسبشن، وبوفيه، ومخزن ومكان للطعام".
مالك مركز الدروس الخصوصية، حسين عزت أضاف خلال أقواله، أن سعر الحصة 15 جنيهًا، ويأتي إليه 400 طالب سنويًا، وعن بياناته الشخصية، قال المالك، إنه يعيش في أمريكا وجاء إلى مصر منذ وقت قصير، وفتح هذا المركز للدروس الخصوصية، وحاصل على البطاقات الضريبية التي تتيح له فتح المكان.
"حسين" حاصل على ليسانس آداب وتربية، وكانت مهنته الأولى معلم، ولكنه استقال من التربية والتعليم نهائيًا حتى يتفرغ لهذا المركز، وفقًا لأقواله، مضيفًا لمأموري الضبطية، "الوزير عارف إن في سناتر دروس خصوصية كتير.. ليه مش عايز يقنن الموضوع ده"، قائلًا: "قفل السنتر مش هيحل أي حاجة.. الطلاب هما اللي محتاجين ليا مش أنا اللي محتاج ليهم.. الطالب بيعدي الـ99% بفضل سناتر الدروس الخصوصية ومعظم خريجين السناتر أوائل بالثانوية العامة".
حاول مالك المركز الكذب على مأموري الضبط عندما أكد لهم في بداية التحقيق أن ممارسة عمله دورات تدريبية لطلاب الجامعات والمدارس وليست دروس خصوصية، ولكنه لم يستطع إخفاء كذبه للآخر حتى كشف مأمورا الضبطية خلال بحثهم في المكان، كتاب اللغة الإنجليزية لمراحل الثانوية العامة، وعندما سألوا الطلاب أكدوا لهم أنهم في الثاني والثالث الثانوي، ويأتون إلى هذا المركز بغرض الدروس الخصوصية.
وأكد مأمورا الضبط لمالك المركز، أنهم يملكون الشمع الأحمر للغلق الفوري حال إظهار الموقف على غير الحقيقة أو عدم وجود مستندات دالة على ممارسة العمل أو إعطاء الدروس الخصوصية داخل المكان، ولكنهم يعملون المحاضر، والتحقيقات والإجراءات القانونية تأخذ مجراها.
انتقل أعضاء الضبطية القضائية بعد ذلك إلى "سنتر الزهراء" الذي يوجد في 5 شارع ثابت متفرع من شارع وينجت التابع لإدارة شرق التعليمية بالإسكندرية، حيث يوجد في مكان مختبئًا في إحدى العقارات السكنية داخل العشوائيات، كان المركز في شقة صغيرة يجاورها لافتة مكتوب عليها جمعية خيرية يمتلكها 3 شركاء تحتوي على 3 حجرات توجد بهم سرائر لرياض الأطفال وألعاب وحجرة مخبأة بالداخل مغطاة بالستائر، وضبط مأمورا الضبطية بها 3 طلاب بالمرحلة الإعدادية ومعلم، يجلسون بداخلها بعد الساعة الثالثة عصرًا.
كانت المفاجأة أن من يعلم الطلاب حاصلين على ليسانس آداب، ولا ينتمون إلى وزارة التربية والتعليم، بعد اكتشاف الأمر، رفض أصحاب المركز الظهور عبر مرسال قال لأعضاء الضبطية، "هما في المستشفى ويعانون من حالة مرضية شديدة"، أبلغ مأمورا الضبطية المرسال، بأنه لو لم يحصل على التصاريح الخاصة بالمكان، ويأتي مالك المركز سيغلقه بالشمع الأحمر، حتى ظهر أحد المالكين الذي أكد أن مزاولة العمل داخل المكان "حضانة وليست دروس خصوصية"، وذلك على عكس ما وجدته الضبطية القضائية.
المالك أكد أنه استخرج البطاقات الضريبية الخاصة بذلك، ولكنه رفض إعطاء أي تصاريح أو أوراق لمأموري الضبط الخاصة بالمكان، الأمر الذي أجبر المأمورين على تدوين الواقعة في محضر خاص، ورفض مالك المكان الإمضاء عليه، قائلًا: "أنا مريض بالكبد ومش حمل محاضر ومرمطة"، ليسجل مأموري الضبط كافة البيانات الخاصة بالمكان حتى يتم عرضها على النيابة واتخاذ اللازم تجاه الواقعة.
المركز الثالث ذهب إليه مأمورا الضبطية القضائية له في محافظة الإسكندرية بناءً على تعليمات من الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم، هذا المركز الذي يضم أعداد مهولة من الطلاب تصل إلى 1500 طالب في القاعة الواحدة، مكان أثري أسقفه عالية ومكون من 3 أدوار، ويطلق عليه "فيلا أثرية".
المركز مشهور داخل شارع لافيزون بالإسكندرية باسم "سنتر محمد سعد إبراهيم نجم"، وعنوانه داخل التحقيق: "فيلا 21 شارع لافيزون البرج الأول حي شرق قسم رمل أول"، جاءت الضبطية إلى المركز وأغلقت أبوابه وبداخله أكثر من 1500 طالب، وأثبتت التحقيقات أن هذا السنتر يدرس مادة الكيمياء فقط عربي ولغات، وشركاء المركز أخوة وهما محمد وسعيد سعد إبراهيم نجم، أحدهما محاسب في شركة كهرباء والآخر مدرس في مدرسة الإسكندرية لغات التابعة لإدارة شرق التعليمية، ويوجد بالمركز أكثر من 3 قاعات، وتستوعب القاعة الواحدة 180 طالبًا، ومتخصص في الثانوية العامة فقط.
صاحب المركز قال إنه يعامل الطلاب بالشهر أي يدفع الطالب في الشهر الواحد 160 جنيهًا، ولكن التحقيق مع الطلاب أثبت العكس، واكتشف مأمورا الضبط أن الطالب يدفع في الحصة الواحدة 60 جنيهًا، وانتهت الضبطية من إجراء المحضر والحصول على جميع المستندات الخاصة بالمكان، ووقع مالك السنتر على المحضر لاتخاذ الاجراءات القانونية حيال ذلك.
الدكتور علاء عيد، مدير عام الشؤون القانونية والمشرف على مأموريات الضبطية القضائية، قال لـ"الفجر"، إن إجراءات الوزارة هي إبلاغ النيابة العامة المختصة لكون هذه المراكز ومن يدرس بها يعتدون على حقوق الملكية الفكرية لوزارة التعليم، بالمخالفة لأحكام قانون حماية الملكية الفكرية، وتلك جريمة يعاقب عليها القانون.
وأشار مدير عام الشؤون القانونية، إلى أن الإجراءات التي يتم اتخاذها من قبل الوزارة أيضًا هو إخطار مصلحة الضرائب المختصة لتحصيل الضرائب المستحقة من هذه المراكز، حيث إن الضريبة تستحق حتى ولو كان النشاط غير مشروع، وكذلك لاتخاذ اللازم بشأن التهرب الضريبي بما يعد جريمة يعاقب عليها القانون، ويتم إخطار المحافظ المختص لاتخاذ اللازم نحو إصدار قرار بغلق المراكز إداريًا، وقطع المرافق عنها، وتنفذ الشرطة ذلك بالقوة الجبرية.
وتابع "عيد"، أن هناك عددًا من أصحاب مراكز الدروس الخصوصية يتخفون خلف ستار الجمعيات الخيرية، وتم إخطار وزيرة التضامن الاجتماعي بذلك، وحال ادعاء المركز وجود ترخيص، يتم مخاطبة وزارة التضامن لاتخاذ اللازم نحو إلغائه.
في سياق متصل، حصلت "الفجر" على معلومات حول معاناة مأموري الضبطية القضائية بالديوان على لسان مصدر قال لـ"الفجر"، إنهم في حاجة إلى تكاتف التنمية المحلية والمحافظين مع وزارة التربية والتعليم في هذا الأمر، لافتًا إلى أن المختص الأول بالغلق هو المحافظ، وذلك وفقا لقانون اللامركزية.
وأكد المصدر، أن "كثيرًا من المحافظين يرفضون الغلق، ويضيعون جهود مأموري الضبط في التحقيقات، وكأن هؤلاء المحافظين يشجعون أكثر على ظاهرة الدروس الخصوصية التي تسعى الوزارة جاهدة للقضاء عليها، لأنها عبء على كاهل أولياء الأمور والأسر المصرية"، موضحًا أن هناك محافظات تستجيب للغلق وأخرى لا تستجيب، مناشدين المحافظين بالتحرك حيال هذا الأمر، وعدم ضياع جهود الوزارة في التصدي لهذه الظاهرة.