الحاجة أم أحمد.. مخبر متطوع لـ"الداخلية" في ميدان التحرير (صور)

تقارير وحوارات

الحاجة أم أحمد
الحاجة أم أحمد


منذ الصباح الباكر استعدت الحاجة أم أحمد للنزول إلى ميدان التحرير، بعدما علمت أن اليوم تظاهرات احتجاجية على تفاقم الأوضاع الاقتصادية في مصر، تحت مسمى "ثورة الغلابة". 

ودعت حركة غير معروفة سمت نفسها "حركة الغلابة" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، خلال الأسابيع الماضية، إلى التظاهر اليوم الجمعة 11/11 تحت مسمى "ثورة الغلابة"، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار وتحرير سعر صرف الجنيه. وأيدتها جماعة الإخوان المسلمين في بيان رسمي أمس الخميس، في حين لم تحظ الدعوة على قبول الأحزاب والنشطاء السياسيين. 




وقبل أن تؤدى الحاجة أم أحمد صاحبة الـ67 سنة صلاة الجمعة، انتهت من إعداد الطعام لزوجها، وأقنعت أولادها بحيلة خادعة أنها لن تنزل هذه التظاهرات، ثم اتجهت إلى الميدان لـ"تحمي البلد من أهل الشر والخراب"، بحسب قولها. 

لم تذهب أم أحمد إلى المدارس ولا تعرف القراءة والكتابة، لكن هذا لم يمنعها من متابعة الأحداث السياسية الهامة في البلد عبر القنوات الفضائية عدا "الإخوانية"، خصوصًا بعد ثورة 25 يناير التي جلبت الخراب إلى مصر، حسبما ترى، وتؤكد أن دورها الوطني في أن تساند النظام وتعمل جنبًا إلى جنب مع الشرطة لمنع أي تظاهرات ضد الدولة، والقضاء على الإخوان والمعارضين الذي يسعون لإسقاط مصر. حسب قولها.  
   
تكبدت الحاجة أم أحمد التي تتكئ على عكاز حديدي، عناء النزول ومدى المسافة من منزلها في باب الشعرية إلى ميدان التحرير لحماية مصر ومساعدة الشرطة: "نزلت علشان أخدم البلد، وأساعد حبايبنا الشرطة ضد الخرفان (الإخوان ومعارضي النظام) اللي نازلين عايزين يخربوا البلد، ومش مقدرين أد إيه السيسي بيعمل للبلد". 




ووسط إجراءات أمنية مشددة، وانتشار مكثف لقوات الشرطة بميدان التحرير، سادت حالة من الهدوء وخلى الميدان من التظاهرات، لتؤكد أن الدعوة المجهولة لـ"ثورة الغلابة" ليس لها مكان سوى مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن بعض المواطنين الذي أثار فضولهم معرفة الأحداث لم يمنعهم من النزول إلى الميدان والجلوس داخله ولو قليلًا لمراقبة الأوضاع.

طوال فترة تواجد أم أحمد بالميدان راحت تتسلل بين المواطنين، وتقطع أرجاء المكان جيئة وذهابًا، فاحصة بأعينها جميع المتواجدين من المواطنين حتى المارة، وما أن تلحظ بعض الأحاديث الجانبية بين الشباب الرافضة للأوضاع السياسية والاقتصادية، حتى تبادرهم وتحجر عليهم التعبير عن آرائهم، وعليهم الانصياع لها والخروج من الميدان، أو أن توشي بهم إلى الشرطة: "باجي هنا الميدان علشان أحميه من الخرفان اللي عايزين يوقعوا البلد، بتمشى في الميدان أسمع كلام اللي موجودين ولو لقيت كلامهم ضد البلد، بروح أبلغ عنهم الشرطة اللي موجودة تيجي تطردهم أو تقبض عليهم"، تصف الحاجة أم أحمد دورها في الميدان.

وتضيف: "دوري نابع من إحساس وطني.. تطوعت ونزلت الميدان أساعد الشرطة، واللي بيقولوا إننا بنقبض من الداخلية هما اللي بيقبضوا لأنهم خونة وعملاء لأمريكا"، وتستطرد: "الأهالي اللي تخلي ولادها تنزل وعارفين إن فيه قلق يستاهلوا اللي يجرالهم، ومش هنسمح لحد يوقع الشرطة ولا السيسي.. ولما بلاقي أي تلاتة ولا أربع شباب أو أي مجموعة بتتكلم ضد البلد بجرسهم واشتمهم أو أبلغ عنهم الشرطة فورا"، وتؤكد: "طبعا دا بيجي بعد ما بتكلم معاهم وأحاول أقنعهم، ولو مقتنعوش يبقى الداخلية تتعامل معاهم". 




تروي أم أحمد تفاصيل مشهد رصده محررا "الفجر"، إذ كانت تجلس على الرصيف المقابل لساحة الميدان وخلفها عدد قليل من الشباب يجلسون متناثرين، قبل أن تأتي سيارة شرطة وتأمرهم بالذهاب الفوري خارج الميدان، وسرعان ما فروا، باستثناء أم أحمد الذي مال عليها أحد الضباط وحادثها، تقول: "لقيت العيال بتتكلم كلام ضد البلد، فقولت للشرطة علشان يمشوهم من الميدان". 
 
أم أحمد التي تعيش مع زوجها -الذي كان يعمل سائق قطارات بمترو الأنفاق- بمعاش شهري ثلاثة آلاف جنيه، لم يهمها غلاء الأسعار الذي يئّن منه بعض المواطنين، وترى أنّ مصر في حال أفضل كثيرًا من حال عام النكسة 1967، وعلى المصريين أن يتحملوا الصعوبات حتى يسلموا مصر لأولادهم آمنة ومستقرة في المستقبل: "لازم كلنا نستحمل.. وإيه يعني الأسعار ارتفعت ولا السكر مش موجود.. مش لازم نعمل حلويات ونشرب الشاي بخمس معالق سكر.. إحنا أيام 67 كنا بناكل العيش حاف.. إحمدوا ربنا إن معانا رئيس مش بيقعد في بيته ولا بينام غير ساعتين بس في اليوم". 

أم أحمد التي تحمي ميدان التحرير من أهل الشر، والشرطة من المتظاهرين المخربين -بحسب اعتقادها- بدأت رحلة تطوعها عقب ثورة 25 يناير، إذ تؤكد أنها ليست المرة الأولى التي تنزل فيها، بل شاركت في الحدث الأبرز خلال الفترة القليلة الماضية، أثناء أزمة نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية التي نشبت في مايو الماضي. تقول: "مش أول مرة أنزل.. نزلت قبل كدا.. ويوم الصحفيين لما كانوا وقفين أدام النقابة ضد السيسي كنت عايزة أقطعهم، خصوصا اللي اسمها حنان.... مش عارفة إيه دي، كنت هضربها لولا الشرطة حاشوني عنها وقتها".