الطفلة دعاء.. تبيع القهر لتقتل الفقر (صور)

تقارير وحوارات

الطفلة دعاء
الطفلة دعاء


ارتجفت دعاء ربما من البرد ولسعته خصوصًا أنّ القاهرة بدأت تلتحف بجو الشتاء، أو خوفًا من تصويرها وفضح أمرها، بعدما رأت عدسة الكاميرا صوبها، سرعان ما أخفت وجهها بأنامل يدها وخبأته عن بقعة الضوء، خشية أن يراها زملائها ومعلمتها في المدرسة، فيعايرونها ويحتقرونها، رددت أكثر من مرة ببراءة الأطفال "مينفعش" بشأن تصوريها أو حديثها إلى الكاميرا، تقول: "مينفعش.. مش عايزة أتصور علشان الأبلة متشوفش صوري وتزعقلي.. مش عايزة أعرّف زمايلي في المدرسة أني ببيع مناديل". 

تعدّدت مشاهد وحكايات الأطفال مفترشي قارعات الطرق من أجل "الحاجة".. اختلفت الصور والملامح، لكنّ الوسيلة نفسها تكررت بطرق مشابهة.. من بين تلك الوجوه، الطفلة دعاء التي وجدت ضالتها في الرصيف من أجل سداد مصاريف "المجموعة المدرسية"؛ فبين أرجل المارة في شارع التحرير بحي الدقي وسط محافظة الجيزة، تفترش الطفلة دعاء صاحبة التسع سنوات، مكانها في لوحة طرقيّة قاسية. حالتها بطبيعة الأمر رثة، ملابسها قديمة ومتسخة، أمامها علب مناديل تبيعها، وعلى أرجلها كتاب مدرسي، وبجوارها الأيمن علبة كشري سدت رمقها بها، وعلى يسارها حقيبة مدرسية تحمل كتب مدرستها وعلب المناديل التي تبيعها. 




حرصت دعاء مع عرض بضاعتها للمارة على كتابة واجبها المدرسي، وبيد أنها تأقلمت سريعًا مع الوضع الجديد، بعدما فرمت ظروفها القاسية، خصوصية الفئة العمرية التي تعيشها؛ فشوهت ودمجت عالمي الرشد والطفولة. 
 
دعاء ليست الطفلة الوحيدة التي اضطرتها ظروفها إلى الخروج للشارع في وقت مبكر جدًا، إذ تصل نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر ولا يستطيعون توفير احتياجاتهم اليومية إلى 27.8%، أي نحو 25.36 مليون نسمة، وفقًا لعدد السكان البالغ 91.2 مليون، بحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يوليو الماضي. 
 



ضيق ذات يد أسرة دعاء حال دون أن تعيش طفولتها كاملة؛ فأرسلوها إلى الشارع لكسب بعض النقود "الفكة"، ورغم مخاطر الشارع، إلا أن شراسته وقوانين الأرصفة لم تنل -حتى الآن- من براءة طفولتها وصدق قولها وروح الطفولة، "أنا منزلتش الشارع أبيع المناديل كل يوم، لما بجيب تمن المجموعة مش بنزل"، تقول دعاء التي يعجز والدها عن العمل بعدما أصيب في عينيه وأجرى عدة عمليات جراحية، بينما ترافقها أمها في رحلة البحث عن "جنيه"، إذ تفترش الرصيف على الناحية الثانية من مكان طفلتها تبيع هي الأخرى مناديلًا لسد احتياجات المعيشة، بحسب قول الطفلة. 

وفي إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، صدرت في نوفمبر العام الماضي، فإن إجمالي الأطفال 32.5 مليون طفل من عدد سكان مصر، بينهم حوالي مليون و594 ألف في الفئة العمرية بين 5 و17 عامًا، يتسولون ويعملون. وتُعرف منظمة اليونيسيف أطفال الشوارع، بأنهم إما أطفال قاطنون في الشارع بصفة دائمة، أو عاملون فيه يقضون ساعات طويلة يوميًا في أعمال مختلفة مثل التسول، أو أسر الشوارع، وهم يعيشون مع أسرهم الأصلية في الشارع.




ترسم دعاء صورة لحياتها: "عايشين في شقة صغيرة أنا وبابا وماما وأخواتي في المنيب بس عايزة تتبيض"، واصفة حالتها: "أنا مش بحب أبيع بالشكل دا.. بس أنا قاعدة ببيع مناديل من سنة تانية ابتدائي علشان أدفع مصاريف المجموعة في المدرسة، وأنا دلوقتي الحمد لله في تالتة ابتدائي"، موضحة: "المجموعة بـ25 جنيه، وباخد 3 مجموعات في مواد العربي والتاريخ والحساب، وبكسب من بيع المناديل بتاع 20 جنيه، بس بشتغل كام ساعة وبعدين أروح أنا وماما في شقتنا بالمنيب، قبل ما يقفل المترو"، مؤكدة "بعمل الواجب بتاع المدرسة وقت البيع، علشان الأبلة مش تضربي"، راسمة لنفسها حلمًا: "نفسي أطلع مُعلمة وأبقى شاطرة وأعلّم الأطفال".