تفسير قوله تعالى: (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم)

أخبار مصر

قرأن كريم
قرأن كريم


الإجابة: فصــل: 

فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 107‏]‏ فقوله‏:‏‏{‏‏يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ‏} مثل قوله فى سورة البقرة‏:‏‏{‏‏عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏187‏]‏، قال ابن قتيبة وطائفة من المفسرين‏:‏ معناه تخونون أنفسكم‏.

‏‏ زاد بعضهم‏:‏ تظلمونها‏.‏

فجعلوا الأنفس مفعول ‏(‏تختانون‏)‏، وجعلوا الإنسان قد خان نفسه، أي ظلمها بالسرقة كما فعل ابن أُبَيْرِق أو بجماع امرأته ليلة الصيام كما فعل بعض الصحابة وهذا القول فيه نظر؛ فإن كل ذنب يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه، سواء فعله سراً أو علانية‏.

‏‏ وإذا كان اختيان النفس هو ظلمها أو ارتكاب ما حرم عليها، كان كل مذنب مختاناً لنفسه، وإن جهر بالذنوب، وكان كفر الكافرين وقتالهم للأنبياء وللمؤمنين اختياناً لأنفسهم، وكذلك قطع الطريق والمحاربة، وكذلك الظلم الظاهر، وكان ما فعله قوم نوح وهود، وصالح وشعيب اختياناً لأنفسهم‏.‏

ومعلوم أن هذا اللفظ لم يستعمل فى هذه المعاني كلها، وإنما استعمل فى خاص من الذنوب مما يفعل سراً، وحتى قال ابن عباس في قوله ‏{‏‏يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ‏‏}::‏ عنى بذلك فعل عمر؛ فإنه روى أنه لمـا جـاء الأنصاري فشكى أنه بـات تلك الليلة ولـم يَتَعَشَّ لمـا نام قبل العشاء، وكان من نام قبل الأكل حرم عليه الأكل، فيستمر صائما ً، فأصبح يتقلب ظهراً لبطن، فلما شكا حاله إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال عمر‏:‏ يا رسول الله، إنى أردت أهلي الليلة، فقالت‏:‏ إنها قد نامت، فظننتها لم تنم فواقعتها، فأخبرتنى أنها كانت قد نامت، قالوا‏:‏ فأنزل الله فى عمر‏:‏ ‏{‏‏أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 187‏]‏‏.

‏‏ وقد قيل‏:‏ إن الجماع ليلة الصيام كانوا منهيين عنه مطلقاً، بخلاف الأكل، فإنه كان مباحاً قبل النوم، وقد روى أن عمر جامع امرأته بعد العشاء قبل النوم، وأنه لما فعل أخذ يلوم نفسه، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال" يا رسول الله، أعتذر إلى الله من نفسي هذه الخائنة، إني رجعت إلى أهلي بعد ما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة، فسولت لي نفسي، فجامعت أهلي، فقال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏ما كنت جديراً بذلك يا عمر"‏‏، وجاء طائفة من الصحابة فذكروا مثل ذلك فأنزل الله هذه الآية ‏.‏

فهذا فيه أن نفسه الخاطئة سولت له ذلك، ودعته إليه، وأنه أخذ يلومها بعد الفعل، فالنفس هنا هي الخائنة الظالمة، والإنسان تدعوه نفسه فى السر إذا لم يره أحد إلى أفعال لا تدعو إليها علانية، وعقله ينهاه عن تلك الأفعال، ونفسه تغلبه عليها‏.‏

ولفظ الخيانة حيث استعمل لا يستعمل إلا فيما خفي عن المخون، كالذي يخون أمانته، فيخون من ائتمنه إذا كان لا يشاهده، ولو شاهده لما خانه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏} ‏[‏ الأنفال‏:‏27‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً}‏‏ ‏[‏المائدة‏:‏13‏]‏، وقـالت امرأة العزيز‏:‏ ‏{‏‏ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}‏‏ ‏[‏يوسف‏:‏52‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 19‏]‏‏.