"بوابة الفجر" ترصد الجدل حول قانون الطوارئ .. حقوقيون: "خيبة أمل" .. قانونيون: يحمى الدولة..مثقفون: يقضى على الفلول
حلمى الراوى: قانون الطوارئ يأتي دائما على حساب الأفراد
ناصر أمين: هناك فرق بين تعديل القانون وبين إعاده إنشاؤه
أحمد سيف الإسلام : قوانين الطوارئ تمثل مشاكل ضخمة لحقوق الإنسان
زكريا عبد العزيز: قانون الطوارئ مسكن للأوضاع الحالية
ثروت بدوى: يجب الفصل بين مشروع قانون الطوارئ وإعلان حالات الطوارئ
علاء عبد الهادى: لم تأتي الثوره من أجل أن يعاد قانون الطوارئ
يوسف القعيد: برغم قلقي الشديد على مصر أنا أرفض اللجوء لقانون الطوارئ
تزايد الهجوم مؤخرًا على مشروع قانون الطوارئ الجديد، الذى أعده المستشار أحمد مكى ، وزير العدل لعرضه على رئيس الجمهورية عقب عودته من جولته الخارجية، وقد تركز أغلب الهجوم فى القول بأن الحكومة تريد أن تعيدنا إلى عصر الطوارئ من جديد.
وهذا القول يدل على أن صاحبه منقطع الصلة بعلوم التشريع، ولم يكلف نفسه عناء الرجوع إلى أحد خبراء القانون، ولو فعل لعلم أن قانون الطوارئ هو نوع خاص من التشريعات يسمى القوانين محددة المدة، وهى قوانين يتم سنها وتشريعها على الورق فقط، ولكنها لا تنفذ على أرض الواقع إلا فى الزمن المحدد لنفاذها فقط وتنتهى بإنتهائه.
وأول ما ينبغى أن يعرفه المعارضون عن قانون الطوارئ هو أن هناك فارقا كبيرا بين قانون الطوارئ وبين إعلان حالة الطوارئ، فقانون الطوارئ يشرع ويظل حبيس الأدراج غير نافذ على أرض الواقع حتى يتم إعلان حالة الطوارئ فيبدأ نفاذه، فإذا ألغيت حالة الطوارئ أو إنتهت المدة المقررة لها إنتهى نفاذه وأعيد إلى الأدراج التى خرج منها.
ويقول بعض المعارضين: وما حاجتنا إلى قانون طوارئ أصلا، ولماذا لا يلغى نهائيًا، والحقيقة أن هذا القول يناقض الضرورة التشريعية لأى دولة فى العالم والتى تقتضى وجود تشريع معد سلفًا لمواجهة الظروف الإستثنائية الطارئة كالحروب أو الكوارث الطبيعية، إذ ليس من الحكمة أن ننتظر حتى تقوم الحرب أو تقع الكارثة ثم نفكر فى إنشاء القانون.
ويقول بعض المعارضين: وما الحاجة إلى إنشاء قانون جديد ما دام لدينا قانون طوارئ بالفعل يمكن الرجوع إليه بمجرد إعلان حالة الطوارئ؟ ونحن نرد على هذا السؤال بسؤال مقابل: وهل يعجبكم قانون الطوارئ القائم حاليا، ألم نلعنه جميعًا باتفاق على اختلاف مذاهبنا السياسية لتقييده حريات الناس ولتمكينه السلطة التنفيذية من الافتئات على السلطتين التشريعية والقضائية.
ويكفى أن نعلم أنه بموجب القانون القائم حاليًا تستطيع الشرطة أن تعتقل أى مواطن ثم تعيد اعتقاله لمدد غير محددة بلغت فى بعض الحالات أكثر من خمسة عشر عامًا بالرغم من أحكام القضاء المتعددة التى تقضى بإخلاء سبيله، لقد حاول المشروع الجديد أن يصوب بعض العوار القائم فى القانون الحالى، وذلك بتحديد أقصى مدة لفرض حالة الطوارئ بستة أشهر لا تجدد بعدها إلا بموجب إستفتاء شعبى، كما قصر مواعيد التظلم والفصل فيه والطعن على حكمه رعاية لصالح المواطن.
والأهم من ذلك, هو أنه ألزم جهة الإدارة بإحترام أحكام القضاء الصادرة بإخلاء السبيل ومنع جهة الإدارة من الإعادة الإعتقال مرة أخرى خلال ذات فترة الطوارئ، فضلا عن ضمانات أخرى.
ومن ضمن ما واجهه واجه إنتقادات عديدة من جميع الأوساط السياسية والقانونية على حد سواء، وقد تعرضنا لبعض هذه الآراء المعارضة من المتخصصين القانونيين.
فقال حلمى الراوى ، المحامي، على القانون قائلًا أن المستشار مكي قبل أن يصبح وزيرًا للعدل كان على رأس حملة ضد قانون الطوارئ، مبديًا إندهاشه من تغير موقف مكي بعد توليه حقيبة العدل, مضيفا أن, قانون الطوارئ يأتي دائمًا على حقوق الأفراد مهما تم تعديله.
ومن جهة أخرى قال ناصر أمين ، رئيس المركز العربي لإستقلال القضاء والمحاماة، أن المشروع الذي تقدم به مكي هو تعديل لقانون الطوارئ القديم، وهناك فارق بين تعديل القانون وإعادة إنشاءه.
بينما أكد أحمد سيف الإسلام ، رئيس مركز هشام مبارك، أن هذا القانون من الممكن أن يكون أفضل من سابقه ولكن قوانين الطوارئ في ذاتها تمثل مشاكل ضخمة في مجال حقوق الإنسان، نظرًا للصلاحيات الكبيرة التي يخولها القانون لرئيس الجمهورية.
ويشير سيف الإسلام إلى أن الوزير أمامه طريقين، أما أن يعدل مشروع القانون الخاص به ويوازي بين صلاحيات الرئيس ووزير الداخلية, إضافة إلى عدم التعدي على حقوق أي مواطن، أو أن يركن هذا القانون برمته على الرف ، مشددًا على أنه ضد هذا القانون وضد أي قانون يسلب حرية الفرد.
فيما وصف المستشار زكريا عبد العزيز , رئيس نادى القضاة سابقا, مشروع قانون الطوارئ الجديد بأنه مُسكِّن للأوضاع الحالية ولا يمثل حلا للأوضاع والأزمات التي تواجه المجتمع حاليا .
وقال عبد العزيز : لا نجد حتى الآن أي حلول جذرية لمواجهة وتحدى المشكلات بوجه عام ومنها على سبيل المثال مشكلة البلطجة بالشارع المصري التي لا تزال قائمة منذ إندلاع ثورة يناير والتى لازالت تتضخم حتى يومنا هذا .
وأكد زكريا على رفضه التام للقوانين الإستثنائية ومن ثمن المحاكم الإستثنائية وإعتبر أننا نتخلص من مشكلنا بإصدار قانون وأن ذلك الأسلوب لا يزال يسيطر علينا في مواجهة المشكلات فضلا عن وجود الكثير من القوانين التي تتحدث عن الجريمة دون التحدث عن مقاومات الجريمة.
وأشار رئيس نادى القضاة السابق, إلى أن رؤيته لما ورد بمشروع هذا القانون من الناحية القانونية تتلخص فى إضافة النصوص الموضوعية إلى قانون العقوبات وفيما يختص بالقواعد والنصوص الإجرائية تضاف إلى قانون الإجراءات الجنائية لافتا إلى أنه فى هذه الحالة لا داعي من إصدار قانون للطوارئ .
مفسرا ذلك بقوله حيث أنه من السهل مقاومة الجريمة بتكاتف الجهود.
بينما خالف عبد العزيز , فى الرأى فتحي تميم وكيل نقابة المحامين وعضو اللجنة القانونية بحزب الحرية والعدالة لكون قانون الطوارئ موجود بكل دول العالم وذلك بالنسبة للقانون فى مصر أما فيما يختص بإعلان حالة الطوارئ أو فرض حالة الطوارئ فذلك أمر أخر ولا يصدر إلا بقرار من رئيس الجمهورية وهذا في ظل ظروف معين مثل حالات الحروب وغيرها من الأمور الكبرى حال حدوث أي من هذه الظروف الإستثنائية التي تمر بها البلاد .
حيث أكد تميم على أن مشروع القانون الجديد جاء لتعديل مساوئ القانون القديم بتضمنه الكثير من الضمانات والحريات التي لا يعترف بها قانون الطوارئ القديم وذلك مثل مدة قرض القانون لا تزيد عن ستة أشهر وفي حال تجديده يكون عن طريق استفتاء الناس فضلا عن تضمن القانون الجديد إلى نص يختص بالمعتقلين حيث أنه في حالة المعتقل وخروجه لا يمكن إعتقاله مرة أخرى في نفس ذات المدة وله الحق في التظلم بعد أسبوع من حبسه وخلال خمسة عشر يوما على الأكثر يتم إحالته وعرضه على محكمة الجنايات العادية وعند الإفراج عنه يطلق صراحة ولا يتم إعادته للحبس مره أخرى ومثل هذه الأمور لم تكن متواجدة في القانون القديم .
ومن جانبه أشار الدكتور ثروت بدوى الفقيه الدستوري أنه يجب الفصل بين مشروع قانون الطوارئ و إعلان حالات الطوارئ , موضحا أن مشروع القانون الجديد ليس من شأنه إلغاء إعلان حالات الطوارئ وإنما يعد مشروع القانون تغيير لسلطات الطوارئ.
وأكد ثروت , أنه أيضا يعد إعادة صياغة لمشروع قانون الطوارئ لازالت الإجراءات الإستثنائية الخطيرة والسلطات الإستثنائية التي كانت تستغلها الشرطة وتتمتع بها الإدارة حيال إعلان حالة الطوارئ وفى الوقت نفسه لا يعتبر القانون الجديد إعلان لحالة الطوارئ.
ولم يكون الجدل لدى القانونيين فقط بل أثيرت حالة من الجدل التي يعيشها المثقفون بين مؤيد لقرار مجلس رئاسة الوزراء، ونص على تفعيل كافة بنود قانون الطوارئ حفاظًا على هيبة الدولة فى ضوء إلتزام مصر بالقوانين الدولية، خاصةً فى الحفاظ على السفارات والبعثات الدولية والدبلوماسية داخل الأراضى المصرية، وبين الرافضين له؛ لما يمثله من وجهات نظرهم التفاف على الثورة وعودة إلى الصفر.
كما يرى الدكتور صلاح فضل ، رئيس الجمعية المصرية للنقد الأدبى، أن هذا القرار ضرورى لضبط الشارع المصرى قليلاً ويكفى أن الشباب أظهروا مشاعرهم العدائية تجاه العدو الصهيونى، وأن هجماتهم على السفارة تعد ردًا على عربدة المستوطنين الذين ينتهكون كل الحرمات للشعب الفلسطينى وللشعب المصرى .
وأوضح فضل , أنه بعد هذا التعبير الحاشد فإن إمتداد أيدى هؤلاء الشباب إلى سيارات الشرطة ومحاولة إقتحام مديرية أمن الجيزة إخلال واضح بالأمن وإسقاط لهيبة الدولة ونشر لحالة الفوضى وإتاحة الفرصة للبلطجية لقطع الطرق فى مصر، ولا بد من وقفة حازمة لإستعادة أمن الشارع المصرى والمضى قدمًا فى تأمين المواطنين والشروع فى خطوات المرحلة الإنتقالية للتحول الديمقراطى من إنتخابات وتدوين لجنة الدستور وإختيار رئيس الجمهورية حتى تحقق الثورة أهدافها بعيدة المدى بهذا التحول الديمقراطى.
وطالب فضل الشباب بأن يكبحوا جماح تصرفاتهم، ولا بد من وضع حد للتوتر بينهم وبين الشرطة لعودة الشارع إلى إيقاعه الطبيعى.
وفى نفس السياق، قال الشاعر الدكتور علاء عبد الهادى , إن قرار رئاسة الوزراء باللجوء إلى قانون الطوارئ يثبت على نحو قاطع أن الذهاب إلى ميدان التحرير غير كافٍ لتطهير فلول النظام، وأن اللجوء لـ الطوارئ يعد أكبر التفاف على الثورة المصرية.
وأضاف عبد الهادى : أظن أن حالة الإعلام المصرى الآن فاقت صفة الكارثة ولم تكن على هذه الدرجة فى عهد الرئيس المخلوع، وأن ما قاله أسامة هيكل وخطط الإعلام التى شهدناها فى فترته القصيرة تقول إن أنس الفقى وفاروق حسنى وبطرس غالى وأحمد نظيف , وغيرهم مازالوا يتحكمون فى مقدرات هذا الشعب.
وأكد عبد الهادى : أنه لم تأت الثورة من أجل أن يعاد قانون الطوارئ من جديد، وأن يحكم أعضاء من لجنة السياسات وأن تتم الرقابة فى أسوأ أشكالها على المحطات والصحف وأن نرى كل أبواق النظام السابق على صفحات الجرائد، ووصف عبد الهادى الوزارة الحالية بأنها تمثل برمتها وحلاً استطاعت أن تمتص فى الشهور الأخيرة قبضة الثورة ولوثتها فى آنٍ.
وعبر الروائى يوسف القعيد , عن قلقه وحيرته على مصر، وما هى مقبلة عليه وما شعر به حينما تابع الأحداث التى تبعت مليونية تصحيح المسار , وما مثلته له من خوف على الدولة المصرية، وبداية تفكيكها، إلا أنه فى نفس الوقت شدد على رفض التام للجوء إلى القانون الطوارئ بدعوى الحفاظ على السفارات والبعثات الدولية والدبلوماسية داخل الأراضى المصرية.
وقال القعيد : إن هناك ثلاثة ملفات يجب على الحكومة أن تهتم بهم فى وقتٍ واحد، الأول وهو أمن الوطن، حيث رأى أن رجال الشرطة لا يرغبون فى النزول إلى الشارع، والثانى وهو الملف القانونى والسياسى، أما الثالث فهو الملف الإجتماعى وأن مصر فى القريب العاجل معرضة للوقوف على أبواب ثورة الجياع.
ووصف القعيد , اللجوء إلى قانون الطوارئ بأنه إنتقال من إهمال وغياب مطلق إلى إهتمام مطلق كان مبارك ونظامه يعتمدون على نفس هذه الآليات، مضيفًا كنت أتمنى وأنا أسمع وزير الإعلام وهو يحدث عن حماية السفارات أن يشدد على حماية المصريين، فحماية المصرى أهم بكثير من حماية سفارة إسرائيلية.
وأوضح القعيد أن مصر لا يجب أن تدار من خلال منطق الفعل ورد الفعل ليكون قانون الطوارئ هو الحل ولكن الرؤية الإستراتيجية هى التى يجب أن تعتمدها مصر فى سياستها، لما تمثله من ثقل فى العالم، متمنيًا أن نشهد الأيام القادمة هدوءا لنتمكن من إلتقاط الأنفاس.
وهذه هي آراء السياسيين القانونيين والمثقفين حول مشروع قانون الطوارئ.