هل ينقذ السيسي مصر على طريقة "عبدالناصر" و"بوتين" و"أردوغان"؟ (تقرير)
نفذت الحكومة المصرية، كافة شروط صندوق النقد الدولي، بعد قرارها الأخير بـ"تعويم الجنيه"، وباتت على مقربة من أول دفعات قرض الصندوق الذي تحصل عليه خلال نهاية العام الجاري، والبالغ قيمته 4 مليارات دولار من 12 مليار دولار القيمة الإجمالية للقرض، والمقسم على مدار 3 أعوام.
وعانت حكومة شريف إسماعيل، خلال الأشهر الماضية، من عدة أزمات اقتصادية، أبرزها: "ارتفاع عجز الموازنة، وتصاعد الدين، وأزمة الدولار، وارتفاع فائدة الدين الداخلي، وأزمة البطالة المرتفعة في ظل انخفاض الدخل القومي، وتعطل مصادره الرئيسة من ضعف السياحة ودخل قناة السويس"، ولم تجد بديلًا -بحسب الحكومة- إلا الخضوع لصندوق النقد وشروطه.
ورغم نفي الحكومة عدة مرات اشتراط صندوق النقد الدولي تخفيض الدعم وتعويم الجنيه وقانون القيمة المضافة، إلا أن الأيام أثبتت كذبها وخضوعها لشروط الصندوق من أجل القرض، خصوصًا مع تصريحات مسؤولي الصندوق بعدم إعطاء مصر القرض إلا بعد تنفيذ شروطنا.
سر التخوف من صندوق النقد الدولي
ويتعرض صندوق النقد الدولي لانتقادات لاذعة من قبل العديد من الكتاب والمراقبين الاقتصاديين، أبزرها ما قاله الاقتصادي الأمريكي وأحد أهم مساعدي الرئيس الأسبق بيل كلينتون، جوزيف ستيغلتش، بأن القروض التي تقدم من الصندوق إلى الدول تكون ضارة في حالات كثيرة خاصة التي توجه إلى الدول النامية.
وأضاف أن "لوائح الصندوق تنص على عدم تسبب القرض في مشاكل بالنسبة للدول وعدم ممارسة ضغوط على الدول المقترضة لإجبارها على تبني سياسات لا علاقة لها بالمشكلة الاقتصادية ولكن هذه اللوائح يتم اختراقها في كثير من الأوقات ولم يتم الالتزام بها".
وتتمثل الانتقادات الموجهة للصندوق في أنه من بين الدول الأعضاء لا تمتلك حق الفيتو سوى الولايات المتحدة، وهو ما يشير إلى سطوة أمريكا على البنك، حيث قد تمنع واشنطن قرضًا ما، في حين أن الدول الأعضاء كافة ليس لها الحق في رفض أي قرض، وهو ما يؤدي إلى عدم التوازن.
من الانتقادات الأخرى أن صندوق النقد يتبنى سياسات رأس مالية تساعد على السوق الحر، فهو يرفض أية قيود من الدول المقترضة على النقد الأجنبي، وضد الرقابة على الصرف، وضد أي تدخل من الحكومات على السياسات النقدية، ويشجع أيضًا بشكل مباشر القطاع الخاص واقتصاد السوق الحر، إضافة إلى أن الصندوق يعطي نفس التوصيات والنصائح لكل الدول، مما لا يعطي أية مساحات للدول التي قد يكون وضعها الاقتصادي والاجتماعي مختلفا إلى حد كبير مع نظيرتها من الدول المقترضة الأخرى.
ورغم كل تلك الانتقادات، إلا أن الحكومة أصرت على اللجوء، وبات القرض أمرًا واقعًا، لكن السؤال هو: "هل ينجح الرئيس السيسي وحكومته في الخلاص من قرض الصندوق والعبور بمصر من الأزمة الاقتصادية الطاحنة؟"، وهذا ما سنرصده عبر التقرير التالي:
اقتصاد الحرب على طريقة "عبدالناصر"
الحكومة المصرية من جانبها شكلت مجموعة من إجراءات الطوارئ التي تتخذها الحكومات في زمن الحرب بغرض الحفاظ على العملة الأجنبية.
وكان الرئيس جمال عبدالناصر هو أول رئيس مصري يصدر تعليماته بتطبيق "اقتصاد الحرب" بعد هزيمة 1967 من أجل بناء الجيش المصري وتوفير الموارد المالية لتسليح الجيش والاستعداد.
وإجراءات "اقتصاد الحرب" بحسب شبكة "سي إن بي سي" الاقتصادية، تتمثل في إعادة النظر في خطة الاستيراد والتصدير بعد العجز في الميزات التجاري بقيمة 19.5 مليار دولار خلال النصف الأول من 2016، والاعتماد على المنتج المحلي، وتأجيل تنفيذ المشروعات طويلة الأجل، وتخفيض الإنفاق الحكومي ومعالجة الجهاز الإداري للدولة الذي يضم 5.5 مليون موظف، وتقليص عدد الوزارات التي وصلت إلى 33 وزارة في حكومة شريف إسماعيل.
دول نجحت بعد تعويم عملتها أبرزهم روسيا
وبحسب وكالة "بلومبرج" الأمريكية، فإن هناك عدة دول نجحت في تعويم عملتها، أبرزهم روسيا، والتي أدى انخفاض أسعار النفط، والعقوبات الغربية عليها، إلى إجبار إلفيرا نابيولينا، محافظة البنك المركزي الروسي إلى إعلان التخلي عن التدخلات في سعر صرف العملة في نوفمبر 2014، خلال حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بعد عامين، ما زالت قيمة الروبل الروسي منخفضة بنسبة 32% عن وقت اتخاذ القرار، ولكن التقلب في سعر العملة عاد إلى مستويات ما قبل التعويم الكلي، ومعدّلات التضخم تنخفض، وتوقّف السكان عن المتابعة القلقة لسعر العملة، ويحتفظون بـ60% من مدخراتهم الآن بالروبل الروسي، بحسب التقرير.
ومع تباطؤ تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج، تتلقى نابيولينا مديحًا واسعًا باعتبارها أكثر محافظي البنوك المركزية الأوروبية استقامة.
دول نجحت في الخلاص من قرض الصندوق أبرزهم تركيا
ومن المفارقات أيضا أن تجربة تركيا في الاقتراض من صندوق النقد تعد من التجارب الناجحة أيضا، ففي ٢٠٠٢، حيث كان رجب طيب أردوغان رئيسًا للوزراء وقتها، وتعرضت تركيا إلى أزمة أقتصادية شديدة جدا، حيث سادت مظاهر التقشف والفقر، وكان سبب ذلك انخفاض معدل النمو، مع تدني قيمة الليرة، فى الوقت الذى رفعت فيه السلطات التركية قيمة الضرائب وأسعار الفائدة، وهو ما دفع الحكومة وقتها إلى الاقتراض من صندوق النقد لتنفيذ خطط الإنقاذ.
كان للمشروعات التى تعمل بنظام "بى أو تي" - حيث تعطى فيه الحكومة للمستثمرين عقودا لإنشاء أو تطوير المشروعات الكبيرة مقابل حصولهم على عوائد وأرباح هذه المشروعات لفترة محددة - دور كبير فى النهضة بالاقتصاد التركي، حيث اهتمت الدولة فى ذلك الوقت بالبنية التحتية، وبالتحديد مشروعات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وهو ما أتاح الفرصة أمام جذب الاستثمارات، وتشجيع رجال الأعمال على فتح المزيد من المصانع للنهوض باقتصادها وإيجاد فرص عمل جديدة، وبالفعل، استطاعت تركيا أن تنهض باقتصادها خلال فترة قصيرة، والتزمت بالمواعيد المحددة لإنهاء ديونها في ٢٠١٣.