منال لاشين تكتب: حاكموا وزير الرى.. جمد صرف 400 مليون جنيه من «تحيا مصر» لمواجهة أخطار السيول فتكررت الكارثة
■ التعويم قرار سياسى خاف رئيس الحكومة إعلانه أو حتى الاقتراب منه
■ مصيلحى يكرر خطأ خالد حنفى فى السكر والأرز
■ نواب: هاجمنا الحكومة بتعليمات.. زعيم الأغلبية عبر عن غضب رجال الأعمال
■ «تحيا مصر» للرى: مش هنصرف جنيه من غير مستندات
■ مسئول بصندوق النقد: الحكومة المصرية هى اللى اقترحت تعويم الجنيه واحنا دعمنا القرار.. التخفيض قد يطيح بالقرض كله
لا يكفى غضب نواب البرلمان على وزير الرى بسبب كارثة السيول، ولا تكفى الكلمات مهما كانت حدتها، ومهما كان الصوت عاليًا أو غاضبًا أو صارخًا، لأن الموت لا يجب أن نواجهه بالكلمات، والذعر والفزع وخراب البيوت لا يمكن أن نواجهه بالكلمات أو البيانات العاجلة، وزير الرى يجب أن يقال ويحاكم، ومعه كل مسئول فى الحكومة تجاهل مواجهة كارثة السيول، فبعض القضايا لا تواجه بالكلمات.
وهناك قضايا أخرى لا يمكن مواجهتها بالصمت و التجاهل، خاصة عندما تتعلق بمعاناة المصريين من ارتفاع سعر الدولار من ناحية، والمغامرة بمستقبلهم مع نار الأسعار من ناحية أخرى، الأسبوع الماضى كان مليئًا بحكايات بعضها أسود وحزين ومعجونًا برائحة الموت والآخر كارثيًا وممزوجًا بطعم الكوارث
وفى مصر وراء كل قصة سر أو حكاية خاصة، فى الغالب لا يظهر من الحكايات إلا الجزء الأقل أهمية وخطورة، وعندما تظهر الصورة كاملة تفوح رائحة الإهمال أو الخطايا أو المصالح.
1- عار الرى
قصة أو بالأحرى فضيحة وزارة الرى مع منحة صندوق «تحيا مصر» تكلم عنها أكثر من زميل فى الفضائيات أو الصحافة، فمع مشاهد الموت والخراب والرعب فى محافظات المواجهة مع السيول، ومشاهد الدمار فى رأس غارب تحديدًا، وسط هذه المشاهد والكوارث تسللت بعض أجزاء من القصة، وزارة الرى لم تستخدم من منحة صندوق «تحيا مصر»، - المنحة قدرها مليار دولار ومخصصة لمواجهة السيول، - سوى مليون جنيه فقط.
تفاصيل الحكومة تكشف عن الكثير من أساليب العمل الحكومى ودون أن أتورط فى اتهام أحد، فإن تفاصيل القصة ترسم علامات استفهام كبيرة ومثيرة حول الشفافية وقواعد الرقابة فى وزارة الرى، وبالمثل تفاصيل القصة والمسافة الشاسعة بين الوزارة والرئيس، وهى مسافة يجب أن يتدخل الرئيس لحل ضبط الإيقاع بين الرئيس وحكومته.
القصة بدأت من نوفمبر الماضى، حيث بدأت بكارثة أخرى وهى كارثة السيول والأمطار فى كل من محافظتى البحيرة والإسكندرية، موت وخراب ودمار وأناس فى العراء وفى مواجهة السيول ملايين الأفدنة الزراعية غرقت، وكلنا شاهدنا التفاصيل الكاملة للمأساة على شاشات التليفزيون، بعد هذا الحادث اجتمع الرئيس مع المسئولين بالحكومة لمنع تكرار الكارثة، وقيل للرئيس إن موارد وزارة الرى المخصصة لها فى الموازنة العامة للدولة لا تكفى لمواجهة السيول والنوات فى كل محافظات مصر المعرضة للسيول والنوات، وحتى لا تتكرر الكارثة تم تخصيص مليار جنيه من «صندوق تحيا مصر» لهذا الملف، المهم بعد عدة أشهر وبعد تعيين وزير الرى الحالى طلبت الوزارة من «صندوق تحيا مصر» 700 مليون جنيه، ورد الصندوق أن الرئيس يطالب بإنهاء المشروعات بـ400 مليون جنيه فقط، اى ترشيد النفقات، المهم الوزارة طلبت الـ400 مليون بعد كام شهر، وجاء رد الصندوق أنهم لن يرسلوا الأموال دفعة واحدة ودون مستندات، وأصر «صندوق تحيا مصر» على أن ترسل الوزارة مستندات الصرف لكل مشروع ويقوم الصندوق بصرف الأموال بناء على المستندات، وبعد ذلك توقف الحوار بين الوزارة والصندوق، ولم يتم استخدام أموال هذه المنحة إلا برقم ضئيل لا يتجاوز الـ22 مليونًا، وظلت الأموال فى الصندوق وحدثت الكارثة فى رأس غارب وأخواتها، والسؤال الآن هل لم تستخدم وزارة الرى هذه الملايين من الجنيهات لأن الصندوق أصر على المستندات الدالة على الصرف فى كل مشروع ؟ أم أنهم لم يستخدموا هذه الأموال وتركوا الناس تموت وتتشرد لأن الرئيس قال لهم كفاية 400 مليون جنيه فقط، هذه الواقعة يجب أن يتم التحقيق فيها لأنها مؤشر خطير على طريقة فكر بعض الوزراء والتى ندفع ثمنها من حياة المصريين وأموالهم وأرواحهم.
2- أزمة الصندوق
ما قاله مدير بصندوق النقد وهو مسعود أحمد عن قرض مصر يستحق الرد من الحكومة والبنك المركزى، لأنه كلام خطير بكل المقاييس، مسعود أحمد قال لشبكة (سى إن إن): إن الحكومة المصرية هى التى عرضت تعويم الجنيه وأن الصندوق دعم الفكرة، وأضاف مسعود: إن الحكومة قالت إنها لا ترغب فى استخدام الموارد المحدودة من الدولار فى دعم الجنيه.
هذا الكلام لو صح فهو خطير جدا، لأن ذلك الكلام يؤدى إلى تعهد الحكومة فى مفاوضات رسمية بتعويم الجنيه، وهذا تعهد خطير وثمنه فادح فى الحالة المصرية، لأن الدولار يرتفع فى السوق الموازية لأسباب لا تتعلق بقيمة الجنيه، وإنما لتحول الدولار لسلعة، ولذلك فإن التعويم الكامل وعدم وجود سعرين للدولار ينزل بالجنيه إلى مكانة وقيمة لا تعبر عن حقيقته، ومن ناحية أخرى فإن بدء الحكومة بالمفاوضات على التعويم هو خطأ فى مراحل التفاوض، ففى التفاوض لا يجب أن تبدأ من أعلى نقطة دون أن تحصل على ثمن للخطوة الكبرى التى تتعهد بها، وربما يفسر كلام مسعود إصرار صندوق النقد على عدم التوقيع إلا بالتعويم، وهذا الشرط يعرقل إتمام الاتفاق على القرض، فمصر ترغب فى توقيع الاتفاق، والحصول على الشريحة الأولى من القرض والبالغة 2، 5 مليار دولار، وبعد ذلك تبدأ فى إجراءات التعويم سواء الكامل أو المدار، وبالمثل تبدأ فى إجراءات خفض دعم الموارد البترولية، ومحافظ البنك المركزى طارق عامر يحاول بهذا الإجراء أو التوجه زيادة الموارد من احتياطى المركزى قبل عاصفة التعويم، وهذا الخلاف أشبه بخلاف البيضة الأول ولا الفرخة، ولكنه يهدد قرض الصندوق رغم تمسك الطرفين حتى الآن بالاتفاق، والمثير أن رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل يرفض الحديث أو حتى مجرد الاقتراب من ملف الدولار، ووجه الدهشة والعجب أن التعويم قرار سياسى يعلنه رئيس الحكومة، ولكن التخفيض قرار فنى يعلنه محافظ البنك المركزى، ولكن شريف إسماعيل يخشى أن يقترب من ملف التعويم، ويترك الملف للمركزى وحده، مرة ثانية وعاشرة، التعويم قرار سياسى يعلنه رئيس الحكومة ومن ثم يتحمل مسئوليته السياسية.
وبمناسبة الدولار فقد توقفت عند كلام الرئيس السيسى فى مؤتمر الشباب عن دور الإعلام فى أزمة الدولار أو سوق الصرف، وأحب أن أذكر الجميع أن أزمة الدولار بدأت بداية حكومية جدا، فقد كان الفارق بين السعر الرسمى والموازى يتراوح ما بين 40 قرشًا و60 قرشًا فقط، وفجأة خرج وزير الاستثمار السابق أشرف سالمان (الله لا يسامحه) بتصريح حول تعويم الجنيه، ولم ينف الوزير ولا حكومته التصريح ولم يخسر الوزير وظيفته، كل ما فعله الوزير سالمان أنه ذهب لزيارة محافظ البنك المركزى السابق هشام رامز فى منزله للاعتذار له عن تدخله فيما لا يعنيه وهى زيارة سرية لم تنقلها وسائل الإعلام، والنتيجة أن السوق السوداء منذ ذلك اليوم ترتفع انتظارا للتعويم، مرة أخرى مع أسباب أخرى تتعلق بتصريحات حكومية وتصريحات لمحافظ البنك المركزى وإجراءات من الجانبين، وكل علاقة الصحافة والإعلام بقضية سعر الصرف والدولار هى نقل الأخبار والإجراءات، وناقل الكفر ليس بكافر، لأن كثيرًا مما حدث فى ملف الدولار هو كفر بين.
3- روح خالد حنفى
أزمة السكر الحادة الآن وفى الطريق أزمة أرز سببها تمسك وزير التموين الحالى اللواء مصيلحى بنفس طريقة تفكير الوزير السابق الدكتور خالد حنفى، فقد رفض حنفى شراء محصول السكر من الفلاحين بأسعار معقولة ومربحة لهم واشترى السكر المستورد من الخارج بالدولار، ونفس الموقف تكرر من الأرز ترك وزير التموين السابق الأرز المحلى ليحتكره حفنة من رجال الأعمال، ويتحكمون فى السوق كلها وفوق البيعة الحكومة، والحل أننا لجأنا إلى استيراد الأرز، وذلك بالإضافة إلى لعبة السماح بتصدير الأرز بعد بيع الفلاحين الغلابة الأرز للكبار، وفى هذا العام يتكرر الموقف على ورق كربون، الحكومة أو وزارة التموين المعنية لم تسارع فى التعاقد مع الفلاحين لا فى الأرز ولا السكر، الحكومة أو وزارة التموين ترفض شراء الأرز من الفلاحين بـ2400 جنيه وتدفع فى نفس الكمية فى المستورد 420 دولارًا «3729 جنيهًا»، وبفارق 1300 جنيه للطن، وبالإضافة لفارق السعر فإن منهج وزارة التموين يزيد من الضغط على الدولار الذى يعد أكبر مشاكلنا الآن، وبدلا من الاستيراد لمواجهة رجال الأعمال والمحتكرين، فلابد من قيام هيئة السلع التموينية بالمبادرة بل بالهرولة لشراء السكر والأرز من الفلاحين بدلا من تكرار نفس الأخطاء أو بالأحرى الخطايا، وبدلا من أن تضطر الحكومة ممثلة فى وزارة التموين فى الدخول فى مفاوضات مع المحتكرين، فليس أسوأ من أن تقع الحكومة بين مطرقة جشع التجار وأزمة الدولار، لابد من أن نضع نهاية لفنكوش خالد حنفى فى وزارة التموين، وألا نكتفى بأن خالد حنفى رحل عن الوزارة وظلت سياساته وأفكاره تحكم أداء وزارة التموين، فمصر لم تحتمل تكرار حكاية أو مأساة الاستيراد من الخارج للأرز والسكر معا.
4- نواب وحكومة
على الرغم من أن أداء الحكومة فى مواجهة السيول وغيرها يستحق كل الغضب والهجوم واللعنات، وعلى الرغم من أن الحكومة فى أسوأ وأحط حالاتها، رغم هذا وذاك، فإن الهجوم البرلمانى الأخير على شريف إسماعيل وحكومته ووزارته لم يكن كله لوجه الله تعالى والوطن، وهناك أسباب خاصة، هذه الأسباب كشفتها جلسة خاصة بين بعض النواب من الأحزاب والقوى المختلفة، الجلسة كانت فى البهو الفرعونى، نواب من دعم مصر ومستقبل وطن قالوا لزملائهم إنهم تلقوا تعليمات بفتح باب الهجوم على شريف إسماعيل على مصراعيه، وأكد نائب من مستقبل وطن أن قيادات الحزب أعطت تعليمات لنواب الحزب فى البرلمان بمهاجمة شريف إسماعيل حتى من قبل السيول.
أما دعم مصر فقد قاد الهجوم على الحكومة ورئيسها رئيس الائتلاف المهندس محمد السويدى، السويدى الذى يشغل منصب رئيس اتحاد الصناعات عبر عن الغضب الشديد الذى انتاب رجال الأعمال من شريف إسماعيل، السويدى لم يغضب لاختفاء السكر وهو سلعة استراتيجية لملايين المصريين، ولم يغضب لارتفاع أسعار مئات السلع ولكنه غضب لأن الحكومة لم تنفذ وعودها لرجال الأعمال بتشغيل المصانع ورفع الدعم عن المواد البترولية وتعويم الجنيه، فالسويدى يعبر عن رجال الأعمال ومصالحهم.
5- دورى الحوارى
أتمنى أن تستمع الحكومة وكل المسئولين بالبلد إلى حوار الدكتور محمود محيى الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولى، وهو الحوار الذى أجرته لميس الحديدى وعرض الأسبوع الماضى، خاصة ما قاله محيى الدين عن أهمية الاهتمام بالمحليات وبالأحياء أو ما اسماه بدورى الحوارى، وكلامه عن كتاب طرق تدبير موازنة المحليات بعيدا عن موازنة الدولة، محمود قال إن مصر دولة مركزية ولكنه أضاف: إن قوة المركز من قوة أطرافه، وبالمثل أتمنى أن يستمع المسئولون كبار ًاوصغارًا عن أهمية الاستثمار فى التعليم والصحة كشروط أساسية لتحقيق التنمية، وبالنسبة لمحيى الدين الطريق للنجاح والتنمية يمر عبر مثلث المحليات والتعليم والصحة، ولاشك أنك لاحظت مثلى أن هذه الملفات الثلاثة تحديدا لا تحتل أولوية أولى أو ثانية أو ثالثة بالنسبة للحكومة، ولذلك أرجو من كل المسئولين الكبار جدا عن مصر أن يستمعوا مرة وألف مرة لكلام محمود محيى الدين عن محاور التنمية أو مثلث التنمية.