حسين معوض يكتب: قبضة المحافظ

مقالات الرأي



فى أيام الحديث المتواصل عن تعويم الجنيه أمام الدولار يشغلنا جميعا سؤال جوهرى «هل محافظ البنك المركزى يملك السيطرة على سوق العملة؟».. نجتهد فى محاولة الوصول لإجابة مقنعة.. ولكن قبل تصور الإجابات ورسم السيناريوهات يجب أن نعرف الآتى:

1 - المحافظ أو البنك المركزى يدير مخزون أو ثروة البلاد من الدولارات والعملات وليس مسئولا عن جلبها.. الدولارات أو العملات الصعبة تأتى من الصادرات وقناة السويس وتحويلات المغتربين والسياحة والاستثمار الأجنبى.

2 - يملك المحافظ أو البنك المركزى معلومات تفصيلية عن كل دولار ووحدة عملة تدخل البنوك أو تخرج منها.. لكن دوران العملة خارج البنوك يصبح مسئولية الأجهزة الرقابية مثل مباحث الأموال العامة.. ويبقى تقديرات حجم العملة المتداولة فى السوق السوداء اجتهادا يشبه الاجتهاد فى معرفة كميات الحشيش التى يتعاطاها المدمنون.

3 – جلب الدولار الأسود إلى السوق البيضاء مهمة مستحيلة إلا عن طريق قبضة الحكومة وهجمات المباحث على أوكار التجارة المحرمة.. فليس معقولا أن يشترى المستورد أو التاجر أو المضارب من السوق السوداء بسعر مرتفع ويتطوع ويتبرع ببيع ما يتحصل عليه من عمله إلى البنوك بسعر أقل.

4 – عندما تستمع إلى تفسير تآمرى أو يروى لك أحدهم مشاهد تشبه الخيال العلمى من داخل سوق «الأخضر» فلا تتعجب فالحكم للعصابات المنظمة والمجرمين المتخصصين فى التهريب عبر الحدود والتلاعب فى فواتير وبعض جنودهم هاكرز يحلل ويحرم إلكترونيا ويعبر ببضاعته رقميا قبل أن يهربها كأوراق نقد.

الآن نعيد طرح السؤال.. هل يملك المحافظ والبنك المركزى السيطرة على سوق العملة؟.

الإجابة نعم.. يحكم المحافظ قبضته على السوق الرسمية ودولاراته وعملاته رهن بسياسات وقرارات المحافظ.. لكن المعاملات خارج حدود البنوك والمؤسسات الرسمية يحكمها المنحرف أو زعيم العصابة وليس المحافظ الوقور صاحب المنصب الرفيع والصلاحيات الواسعة والهموم القومية.

قبضة المحافظ على سوق العملات الرسمية تدخل تحت باب المعاملات الاقتصادية.. أما قبضة المنحرف على السوق السوداء فتلك قضية أمنية.

ولا يجوز هنا أن نحاسب المحافظ على أطماع وتلاعبات المنحرف أو على التقصير الأمنى، يكفى أنه يدفع ثمن صناعة سوق وهمية أصبحت أشبه بالثقب الأسود الذى يمتص العملات البيضاء ويحولها إلى سلعة فى السوق السوداء.

ولكن ما هى أدوات السيطرة على السوق؟.. الأداة الأولى والأخيرة والأهم هى كمية الدولارات التى يملك المحافظ تحريكها أو إتاحتها، نسميها الاحتياطى النقدى.. ولأنه احتياطى فالمفترض أن اللجوء له حالة استثنائية، المفترض أن الدولارات التى تدخل وتخرج من وإلى البنوك من المصادر الطبيعية هى التى تحكم حركة العملة وقيمتها لأنها تعبر عن قيمة الناتج القومى.

دخلت المعادلة أطراف أخرى تجعل الحديث عن دور المحافظ وصلاحياته وقدرته على إدارة السوق مهمة معقدة.. تحولت سوق العملة إلى لعبة شد وجذب سياسية، يلعب الخصوم على إضعاف النظام وتركيعه ولو بتجويع البلاد، وهؤلاء الخصوم لديهم القدرة على دفع ثمن لعبتهم، يدفعون الفارق من جيوبهم ليدفعوا العملات إلى حافة الجنون.. وللأسف الخصوم ليسوا فقط من الداخل بعض الخصوم دول ومنظمات دولية.

هنا تتداخل المهام السياسية والاقتصادية والأمنية.. محافظ البنك المركزى فى مصر دائما يكون سوبر مان حلال العقد..

تنتهى المهام الرسمية للمحافظ فى رسم وتنفيذ السياسات النقدية تليها مهام أمنية مكلف بها آخرون لملاحقة المتلاعبين فى سوق العملة.. وهناك مهمات وعمليات سرية لجهات غير معلومة فى تلك السوق.. وربما يفسر ذلك ما نشرته الصحف حول قيام جهات حكومية بجمع الدولارات السوداء من السوق لإعادة ضخها لحظة التعويم لإتاحة العملة ومنع المضاربة وعودة السيولة الطبيعية لسوق تم تشويهها.