د. رشا سمير تكتب: حب فى قلعة «موسى المعمارى»
موسى المعمارى.. العاشق الذى انتصر لحبه فى يوم لم أتبين فيه سماء بيروت من سحب تناثرت لتحتضن الجبل بخضرته المبهجة، وسُحب أخرى تجمعت لتصنع غيمة أبت إلا أن تسقط فوق رأسى وأنا أودع آخر أيامى بين ربوع عروس المنطقة العربية.
بيروت.. وطن الأرز والكرز والعشق، وقفت أرقب السعادة فى كل شىء حولى.. فى نغمات الموسيقى ودلال الحسناوات وأناقة الشوارع، تلك هى بيروت.. ست الدنيا.
الوطن الذى عاش بين ربوعه نزار قبانى فألهمه مئات القصائد، الحُضن الذى وهب فيروز صوتاً من الذهب الخالص، رناته تحكى تاريخاً من الحضارة.
الأرض التى احتضنت كل الديانات وكل الحضارات واحتوت عُمراً من الاختلافات ليعزف شعبها على قيثارة الحياة نغمات من التفاؤل والسحر برغم الألم، فبرغم الحرب..ورغم الدمار.. ورغم الشهداء.. ظلت لبنان هى المنبع الأصيل للأمل والعشق بين كل الدول العربية.
وطن لا يطلب من العصافير تأشيرة دخول.. ولا ترتدى نساؤه سوى أساور الحرية،
فمن شارع الحمراء وأسواق السوليدير وبلدة جبيل، ينبع السحر سحر مدينة استطاعت أن تخطف قلوب زائريها بابتسامتها.
1- صُدفة خلقت الميعاد
كانت زيارتى قصيرة.. ثلاثة أيام من العمل.. يتخللها قليل من التسوق والاستمتاع ببرودة الجو الصافى مع فنجان من القهوة فى منطقة فيردان الفائقة الجمال، حيث المقاهى والموضة فى أبهى صورها.
فى صبيحة يوم السفر..وأنا فى انتظار وصول سائق التاكسى الذى سوف يأخذنى فى جولة تسوق أخيرة قبل أن يصطحبنى إلى المطار، دون مقدمات اقترح علىّ سائق السيارة الذى أصبح صديقا فيما بعد، أن أكف عن التسوق لأننى- بحسب قوله- لم أر بيروت بلد العشاق، وأصر على أن يصطحبنى فى رحلة مختلفة لمكان لم تتح لى فرصة زيارته.
وعلى الرغم من اعتراضى لضيق الوقت..أغرانى فتبعته.. سألته: «إلى أين؟»، فرد: «قلعة موسى المعمارى»، عدت أسأله: «وأين هى تلك القلعة؟ ومن هو موسى المعمارى؟»، فرد مجددا: «فى منطقة بيت الدين؟ موسى شاب عاشق كان له حُلم منذ سنين وتحدى الواقع فحققه، وأنت اليوم سيدتى على وشك أن تصبحين جزءا من هذا الحُلم بزيارتك لقلعته». قلت له وقد أطلقت قرون استشعارى الصحفية: «هل مازال يعيش هناك؟ وهل من الممكن أن أقابله؟»، رد متمنيا: «يعيش فى بيت صغير بجوار القلعة فى قلب الجبل.. وكان منذ سنين طويلة يخرج لزوار القلعة ويقابلهم بنفسه، أما الآن فقد أصبح كهلا ومن زحمة الزائرين وكثرة أسئلتهم، أصبح عازفا عن مقابلة الناس..لا أعتقد أنه سيوافق على مقابلتنا».
2- على أعتاب الحلم
أخذت السيارة تصعد الجبل فى طريق ضيق متعرج، تطالعنا فيه الأشجار والأنهار وكأننا بين ربوع الجنة..المطر يتساقط فى زخات متتالية تعطى للجو عبقاً يتسلل إلى صدورنا فيُحييها.
حين وصلنا إلى منطقة بيت الدين، ظهرت فى الأفق أطراف قلعة مهيبة تقف فى وجه الزمان، أمام الباب الخشبى العتيق للقلعة، أوقف السائق السيارة..نزلت وأنا أبحث عن سقف أحتمى به، بعد أن اشتدت سرعة المطر، وقفت أرقب القلعة من الخارج وأتعجب، يالها من قلعة عملاقة! تُرى ما قصتها؟
مرت دقائق من الصمت..ثم سمعت وقع خطوات ثقيلة تأتى من مهبط على مرمى البصر..انتبهت للصوت لألمح كهلا فى العقد السابع من عمره يرتدى روب صوف أزرق وطرطوراً رمادى اللون ويتكئ على عصى خشبية..يتقدم إلينا ولكنه لا يرانا، فهو قد صوب نظره إلى القلعة.
نظر إلىّ السائق مبتهجا وقال بحماس يتراقص بين كلماته: «إنه موسى المعمارى بنفسه»، وكأننى وجدت كنزا..جريت إليه وعرفته بنفسى، لمحت فى عينيه إصرارا لم ألمحه فى عين رجل من قبل..ومن بين التجاعيد التى خطت وجهه قرأت حكايته وكأننى اقرأ فنجانه بفضول العرافة.
بمنتهى الحفاوة والفخر، قال لى: «أنت جميلة مثل مصر..فهى عروس جميلة وأنت تشبهينها»، سألته بشغف الصياد الذى يبحث عن فريسة: «إحكى لى عن القلعة.. وعرفنى أكثر بنفسك»
اصطحبنى إلى داخل القلعة مُرحبا:
«دعينى آخذك إلى جولة بالداخل وأسمح لك بدخول أماكن لم يدخلها غيرك، فأنت أول روائية من مصر أفتح لها قلبى ولكن.. عدينى أن تكتبى حكايتى، فهى أقوى قصة حُب فى العالم»، ابتسمت.. وتبعته إلى الداخل.
من داخل القلعة:
دلفت وراءه إلى القلعة.. فهالنى ما رأيت، إنها قلعة كبيرة مقسمة من الداخل إلى طابقين، صالة كبيرة بها مجموعة من التماثيل المصنوعة من الجص (الجبس) تتحرك بالكهرباء، وهى التماثيل التى صنعها موسى بيديه، فهى هوايته منذ نعومة أظافره.
مجموعة تماثيل تمثل حياته الطويلة وكل الشخصيات التى قابلها فى حياته..
ففى هذا الركن تمثال متحرك لجدته وهى تصنع الزبدة..وهنا يقف جده وعمه، أمه وهى تهدهده فى المهد.. حتى الخرفان التى تربت فى مزرعته لم ينسها.
وفى غرفة أخرى جسد موسى فصله فى المدرسة الابتدائى التى تعلم بها والمدرس الذى غير حياته، وابنة الجيران التى أحبها، كل الأسلحة التى جاء بها من مختلف بلدان العالم وعملات كل الدول التى سافر إليها.
فى البهو الأسفل، رجل بطربوش أحمر وربابة يستقبلك بابتسامة ويدعوك لاحتساء القهوة وسط أغانى لفريد الأطرش وفيروز، دعانى لمقابلة زوجته وابنه..فرأيتها سيدة جميلة وعظيمة تفتخر به على الرغم من أنها تعلم أن بناء هذه القلعة كان لأخرى شاركتها قلبه ومازالت تعيش فيه.
الغريب حقا وعلى الرغم من كبر سنهما إلا أننى وبحس الأنثى لمحت فى عينيها نظرة غيرة لم تستطع أن تخفيها وهو يتحدث عن أخرى.. عن حبيبته مريم!
3- طفولة كتبت الحُلم
جلست بجانبه على كليم أحمر قديم وبيننا قدحين من الشاى، وبدأ يروى قصته:
وُلدت يوم 27 يوليو 1931 م فى حارة السرايا بالقرب من أسوار قلعة الحصن..
تميزت طفولتى باللعب فى الطين والجص صانعا منهما أشكالا على غرار كل ما ترينه هنا.
كنت أسترق السمع إلى والدتى وهى تدعو لى فى قلب الليل وأنا على يقين من أن تلك الدعوات كانت هى الطريق إلى نجاحى، كنت أسمعها تقول: «يارب اجعل التراب فى يد موسى ذهبا».
منذ طفولتى تعلمت من أمى أن الأشياء المادية لا يمكنها منع الرجال الحقيقيين من شق طريقهم فى الحياة وكان شعارى الوحيد هو: المؤمن الحقيقى لا يعرف المُستحيل..وكنت طوال الوقت أتساءل: إن المال من صُنع الإنسان، فكيف يمكن للمصنوع أن يستعبد الصانع؟
4- مدرسة القرية
فى سن السادسة أرسلتنى أمى إلى مدرسة القرية، مرتديا سروالا محليا وقبقابا خشبيا وحاملا حقيبة من القماش على ظهرى، نشأت بينى وبين الرياضيات عداوة مخيفة، وعلى النقيض نشأت تلك العلاقة الحميمية بينى وبين مادتى الرسم والنحت. وعندما بلغت عامى الثالث عشر انتقلنا إلى طرطوس، حيث اضطرنى ضيق حاجة الوالد إلى الالتحاق بمدرسة مجانية وهى مدرسة المتنبى الابتدائية.
5- عشقت جدائل شعرها
لم ولن أنسى يوما جارتى الحسناء، وكلما بحثت عن الحكايا بين جدران الذاكرة، تقفز صورتها على الفور إلى مخيلتى..مريم «ابنة الجيران» التى حركت أحاسيسى بالطموح والتحدى، وكانت كلما حاولت أن أبوح لها بحُبى، تصدنى بقولها، «والدى يمتلك قصرا أما أنت فعارى القدمين».
ظل حبى لها مختبئا بين ضلوعى، فأنا عارى القدمين لا أمتلك ثمن حبها.. ولكننى أقسمت ألا أتركها أبدا إلا وهى زوجتى، لن أنسى يوم جعلنى المعلم فى المدرسة أركع أمامها وأعتذر لها عن حبى الذى تجرأت وأفصحت لها عنه، لن أنسى جدائل شعرها التى كانت تتطاير فى الهواء لتخفف عنى أشعة الشمس التى سقطت على وجهى لتزيد من حرارة الموقف.
لم ولن أنسى أبدا مُعلمى «أنور عرنوق» الذى لمحنى وقد سرحت بخيالى وقلمى لأرسم قلعة كبيرة على الورق، تلك القلعة التى كانت هى حلمى طوال الوقت، سألنى ساخرا: «أهذه هى قلعة أجدادك؟».
أجبته على الفور: «رأيت هذه القلعة فى منامى، وسوف تراها أنت وابنة جيرانى حقيقة، وسوف أثبت لك ولها أننى لست حافى القدمين»، انهالت ضرباته على جسمى فى كل مكان بالعصا.. وانفجر زملائى فى الضحك.
اتخذت فى ذلك اليوم قرارًا بألا أعود إلى المدرسة مجددا.. إما أن أرضى والدتى وإما أحلامى..فقد أقسمت على أن أمضى قُدما لأحقق أحلامى وألا أعود إلى تلك المدرسة من جديد.. قررت أن ابنى قلعة أحلامى..ولكن من أين لى بالنقود؟!
6- فى بيت عمى
اتخذت قرارى قاصدا مدينة صيدا..لقد قررت أن أذهب لأعيش عند عمى عله يتفهمنى، وعند قلعة صيدا بدأت الرحلة.. تعلمت صيد الأسماك بعد استقرارى فى بيت عمى.. تعلمت وضع الطعوم فى الصباح الباكر والعودة قبل أن ترتفع حرارة الشمس..حاملا سلة مملوءة بالسمك..لم أكن أمتلك ميزانا أزن به، بل كان ميزانى: «خذوا كذا مقابل كذا».
امتلأ جيبى بالمال الحلال بعد عامين من صيد الأسماك وبيعها بنفس الطريقة، وفى أحد الأيام وعلى سبيل المكافأة أهدانى عمى أرنبين من سلالة إنجليزية ممتازة.. فوضعتهما فى قفص صنعته بيدى وأخذت أرمى لهما العلف كل يوم حتى تكاثرا..وبعد أشهر قليلة أصبحت الأرانب تملأ الأرض.. تضاعفت الأرانب حتى صارت بالمئات ثم بالألوف، جمعت مبلغا من المال لا بأس به من لاشىء.. فشكرت الله ودعوته إلى المزيد.
7- طريقى إلى النجاح
فى بداية عام 1947 انتقلت إلى المتحف الوطنى للمشاركة فى ترميم آثاره لما عُرف عنى فى ذلك الوقت من دقة فى التعامل مع الآثار والعناية بها، انتقلت إلى المتحف مع اثنين من المهندسين، ريشارد ليان وهاروتين غاليان، كانت القطع المشوهة من الآثار ترد إلينا كل يوم فأقوم بدقة الفنان بجمعها ولحمها وإعادتها إلى شكلها الأول بكل حرفية.
وفى صبيحة أحد الأيام دخل المهندس ريشارد ليان علّى وقال مهللا: « هيا بنا إلى منطقة بيت الدين، لأن الحكومة عازمة على ترميم المتحف هناك»، وتذكرت ساعتها أبيات شعر حُفرت فى ذاكرتى:
«نحنا الصغار، بعيون الأعادى كبار انتو الخشب حور، نحنا للخشب منشار
وحق طيبة وزمزم والنبى المختار ما بعمر الدير إلا من حجر عكار
فى أثناء العمل بالمتحف الوطنى تعرفت على الشابة الجميلة ندى البستانى، والتى قدمتنى لعمها مدير عام شركة الكهرباء بالوكالة، فعينى فى الشركة على الرغم من عدم خبرتى بالكهرباء، وفى تلك المرحلة قررت العودة إلى أمى، طلبت منها السماح ورجوتها أن تدعو لى.
بعد مثابرة طويلة وعمل لا ينقطع استطعت بفضل الله أن أدخر ما يكفى لأبدأ حياة مختلفة..وبعد أن توفرت لى خبرة كبيرة فى مجال البناء والعمران، لمع اسمى فى عالم البناء حتى طال البنيان الشامخة.
فى أحد الأيام وفى زيارة لمنطقة بيت الدين، أعجبنى منظر تلة قريبة من معمل المفروشات المعدنية يفصل بينها وبين بيت الدين أعلى الجبل، واد على خط مستقيم على امتداد ثلثمائة متر.. وكان لشجر السنديان الفضل الكبير فى جعلها بقعة رائعة الجمال.. عرفت اسم مالكها وقررت شراءها.. وبالفعل أصبحت ملكا لى، قررت أن ابنى قلعتى فوق تلك البقعة الساحرة من الأرض.. فأرسيت حجر الأساس بحضور والدتى ورفيق لى، كنت أغفو إلى النوم فيزورنى فى أحلامى معلمى أنور عرنوق وتطاردنى لسعاته الموجعة التى دفعتنى إلى التحدى الأكبر فى حياتى.
8- شريكة الحُلم
لن أنسى دور البطولة التى قمت به فى مسرحيتين متتاليتين فى ساحة سيدة التلة، دير القمر، الأولى عن يوسف الصديق والثانية عن حياة المسيح..ليضع القدر فى طريقى الممثلة التى شاركتنى بطولة المسرحية وهى فتاة شابة رائعة الجمال، اقتربت منها وقررت زواجها من النظرة الأولى.. لم أنل فقط تصفيق المشاهدين بل نلت أيضا قلب الفتاة التى شاركتنى البطولة، عقدنا قراننا بعد أن أخبرتها بأننى لا أمتلك المال والمجوهرات ولكننى أمتلك حلما أتمنى لو وقفت بجانبى حتى يتحقق، مازلت أقدر لزوجتى حتى اليوم حق إخلاصها لى بلا حدود وتضحيتها من أجل بناء الحُلم.. كانت تواكبنى كل يوم إلى القلعة على دراجتى النارية، تنظف الألواح الخشبية وتقلع المسامير وتقطع الأسلاك وتحضر لى وجبات الطعام وتدفع فواتير البناء.. كانت فتاة فى السادسة عشرة من عمرها ولكنها تؤمن بى على الرغم من فارق السن بيننا «12 عاماً».. وطوال تلك الفترة لم يحدث أى تغيير على علاقتنا ولم يعكر صفوها الهادئ أى شىء.. عشنا ثلاث سنوات على ضوء الشموع فى الليل دون أى إمدادات للمياه ولا الكهرباء حتى بعد أن أنجبنا ابننا الأول عبد الله، ثم تبعه الثلاثة الآخرون.
كان إصرارى على أن أنحت التماثيل بيدى دون الاستعانة بأحد..تماثيل تجسد رحلة حياتى، مع الوقت استطعت أن أقنع السياح القادمين لزيارة بيت الدين بالمرور إلى قلعتى فى مقابل نصف ليرة، ولأن زوجتى كانت تتقن المشغولات اليدوية فقد خصصت لها غرفة صغيرة تحيك فيها الشالات والمفارش التى كانت تعجب السائحين.
ولأننى أصبحت خبيرا فى الكهرباء، فقد صممت نواعير تدفعها المياه واتخذت غرفة كبيرة فى الطابق الأول من القلعة وبنيت فيها مغارة كبيرة تحكى قصة الدهور والأجيال والأنبياء والرسل وكلها تتحرك بواسطة المياه.
9- القدر الذى لم يمهلنى
تم بناء القلعة بعد معاناة طويلة فى الحصول على تراخيص لها، وتفاصيل كثيرة أودت بى إلى السجن فى فترة ما، ولم أخرج منه إلا وقد ازددت إصرارا على الانتهاء من بناء الحلم.
كان همى الأول عقب الانتهاء من بناء القلعة أن آتى بمعلمى الأستاذ أنور ليشهد إنجازى المعمارى، ولأخبره بأننى استطعت استكمال الحلم ونجحت على الرغم من إصراره على كونى فاشلا، هكذا يتحول التحدى بين أحضاننا إلى رغبة تدفعنا للنجاح أحيانا وإلى الفشل فى الأحيان الأخرى.
حين وصلت إلى بيت معلمى رأيت الناس يتدفقون صعودا ونزولا وعلى وجوههم ملامح الحزن..صمت ووجوم مطبق..لم أشعر بنفسى إلا وأنا بين الناس لتقديم واجب العزاء فى أستاذى..فما كان منى إلا أننى أجهشت بالبكاء على فقدانه، هل كنت أبكى فقدانه أم كنت أبكى فقدان شعورى بنشوة الانتصار؟!
عدت إلى بلدتى لأسأل هذه المرة عن مصير حبيبتى ابنة الجيران، فأخبرونى أنها باعت كل ما تملك وسافرت إلى أمريكا بعد موت والدها الغنى، بعد مساع دءوبة، وصلت إليها بمساعدة ابن عمى الذى كان يعمل فى الأمن، وافقت على الحضور..وفى اليوم الموعود، جاءت جميلة مثلما كانت..تسابق الريح وشعرها يعانق الهواء فى سيمفونية عشق لا تنتهى. نظرت إليها بعين يلمع فيها نبض الشوق والفوز معا، وقلت لها:
«قبل أن تدخلى من باب القلعة اركعى أمامى مثلما ركعت أمامك يوما لتنهرينى»
واستجابت لرغبتى فركعت أمامى، ثم نهضت وألقت بنفسها بين أحضانى وقالت:
«أنا سعيدة لأننا لم نتزوج، لأن بزواجنا كانت أحلامك ستنتهى عند أعتابه ولما تمكنت من تحقيق حلمك». تعانقنا بشوق وحنين نعيد به ذكريات الماضى البعيد..انهالت الدموع من عيوننا شلالا أمام زوجتى التى كانت تقف هناك لترقبنا فى صمت وشموخ، قال لى بكبرياء شديد:
«إنها سيدتى أعظم قصة حب فى تاريخ البشرية.. أظننى أدين لحبيبتى بالولاء، فإن الحُب الأول فى حياتنا علامة فارقة لا يمحوها الزمان».
التقط من فوق الرف كتابا عنوانه (حُلم حياتى)..راقبت أصابعه وهى تبحث عن قلم ليسطر كلمات أظنه فكر فيها طويلا أثناء جولتنا، سطر بعفوية شديدة وبيد ترتعش، كلمات مثل الندى سقطت فوق الصفحة الأخيرة من كتابه: «البيت السعيد من صنع المرأة والمستحيل لا يعرف طريقه إلى العقول العظيمة، ولا أنسى المرأة التى أحلامها هى بيت ولآلئ وجواهر».انتهت رحلتى بين جدران قلعة موسى المعمارى ببيروت، وفى رأسى ألف صورة له وفى قلبى لوحة لعشق تحدى الزمان، قال لى بعفوية وهو يودعنى: «لا تنسى أنك وعدتينى أن تكتبى قصتى» ابتسمت له ومضيت لألحق بالطائرة، وها أنا يا سيدى اليوم أفى بوعدى.