الاقتصاد السعودي يتفادى الأزمة لكن التوقعات غامضة
بعد 6 أشهر من إطلاق “رؤية 2030” التي تضمنت عددا كبيرا من الإصلاحات الهيكلية، في أكبر تغيير جذري للسياسة الاقتصادية منذ عقود، يبدو أن الرياض تمكنت من تحقيق عدد من الانتصارات.
ويبدو أيضا أن الخفض الكبير للإنفاق الحكومي سيقلص عجز موازنة العام الحالي بصورة كبيرة عن التقديرات الأولية المقدرة بنحو 87 مليار دولار، بعد تسجيل عجز قياسي في العام الماضي بقيمة 98 مليار دولار. كما جاء بصحيفة "العرب" اللندنية
وتوقع مازن السديري، رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال، أن يبلغ العجز هذا العام نحو 50 مليار دولار فيما رجح بنك جدوى للاستثمار أن يبلغ نحو 70 مليار دولار. ومن شأن ذلك أن يتيح الفرصة للرياض بأن تعلن عن تحقيق تقدم كبير في جهودها الهادفة للقضاء على عجز الموازنة بحلول العام 2020.
كما ساعد إصدار سندات سيادية بقيمة 17.5 مليار دولار الشهر الماضي على فتح آفاق الاقتراض الخارجي أمام الرياض وهو ما قد يحد من عملية السحب من الاحتياطيات الأجنبية ويساعد في انحسار مخاوف خفض قيمة العملة ويمنح الحكومة المزيد من الوقت كي يتكيف الاقتصاد مع عصر النفط الرخيص.
وتمكنت الحكومة من تحقيق هذه الانتصارات دون رد فعل سياسي كبير، حيث يبدي الكثير من السعوديين تفهما لضرورة قرارات القشف ويثني عليها رجال الأعمال أيضا، رغم استياء البعض من المواطنين من تلك الإجراءات.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة من مواصلة خفض عجز الموازنة بوتيرة سريعة دون الدفع بالاقتصاد إلى الركود؟ ويرى الاقتصادي فضل البوعينين “أن العام المقبل سيكون امتدادا لما قبله في ما يتعلق بخفض الإنفاق الحكومي، لكني أتوقع أن يكون في نهايته بداية للانفراج”.
ويعود جزء كبير من الخفض المتوقع في عجز موازنة العام الحالي إلى تأخر سداد المستحقات التي تدين بها الحكومة لشركات في قطاع المقاولات وقطاع الرعاية الصحية ولبعض شركات الاستشارات التي ساعدت في رسم ملامح الإصلاحات الاقتصادية، وليس لخفض الإنفاق بصورة مستدامة.
وبحسب تقديرات الاستثمار كابيتال تبلغ المستحقات المتأخرة لشركات المقاولات وحدها نحو 21.3 مليار دولار.
وربما يقلل هذا من مصروفات الحكومة في الوقت الراهن لكنه يحيلها إلى التزامات مستقبلية. كما يفاقم ذلك من تأثير خفض الإنفاق الحكومي على الاقتصاد وحدوث مشاكل مالية كبيرة لعدد من شركات المقاولات.
وبحسب الأهلي كابيتال، فقد انكمش القطاع غير النفطي على أساس سنوي خلال ربعين من الأرباع الثلاثة حتى يونيو بينما انكمشت أرباح الشركات السعودية المدرجة 2 بالمئة في الربع الثالث من العام الجاري.
وربما يعقب ذلك أداء أسوأ. فبعدما خفضت الحكومة في سبتمبر علاوات ومخصصات القطاع العام الذي يعمل فيه نحو ثلثي العاملين السعوديين، يقدر محللون أن يؤدي ذلك إلى خفض الدخل القابل للإنفاق بنحو 20 بالمئة.
وأحال البنك المركزي قدرا من هذا الألم للبنوك بعدما أمرها بإعادة جدولة القروض الاستهلاكية والعقارية.
ويقول مسؤول رفيع بإحدى الشركات الكبرى في الرياض، إنه ربما يغادر السعودية خلال العامين المقبلين بين مليون ومليونين من نحو عشرة ملايين وافد، حين يدفع التباطؤ الاقتصادي الشركات للاستغناء عن قدر كبير من العاملين علاوة على سعي الحكومة إلى توفير قدر كبير من الوظائف التي يشغلها الأجانب في القطاع الخاص للمواطنين السعوديين.
وبينما سيؤدي ذلك إلى تراجع تحويلات الأجانب، وهو ما يعزز ميزان المدفوعات السعودي، إلا أنه من ناحية أخرى سيمثل عبئا ثقيلا على النمو.
ويقدر محلل اقتصادي سعودي بأن يرتفع معدل البطالة السعودي إلى 13 بالمئة العام المقبل من 11.6 بالمئة حاليا.
ومن شأن التطبيق المزمع لضريبة القيمة المضافة في دول الخليج في العام 2018 أن يعزز المالية العامة، لكنه سيلقي بظلاله على الاستهلاك.
ويقول البوعينين إن “نسبة الضريبة المحددة عند 5 بالمئة قد تحد من تأثيرها على الطلب خاصة وأن القطاعات التجارية ربما عمدت إلى تقليص هوامش ربحيتها لتقليل انعكاس الضريبة على الأسعار وبالتالي حجم المبيعات”.
لكنه رجح أن يؤثر خروج عدد كبير من العمالة التي تغذي الطلب المحلي بشكل واضح على قطاعات الأعمال.
ويبقى سؤال مهم لم تتضح إجابته بعد: كيف ستتجه السلطات لتنفيذ قدر كبير من الإصلاحات لدعم القطاع الخاص الذي لا يعتمد على إيرادات النفط في وقت تحد فيه إجراءات التقشف من الطلب؟
ويمكن أن ينعكس ذلك على قطاع الإسكان الذي يحظى بأولوية لدى الحكومة. وكان جميل غزنوي، رئيس مكتب جونز لانج لاسال العالمية للاستشارات العقارية في السعودية، قد ذكر أن قرارات التقشف قد تفرض ضغوطا على قدرة المواطنين على شراء المساكن.
وأكد أن نشاط شركات التطوير العقاري الصغيرة والمتوسطة الحجم التي وفرت نحو 85 بالمئة من المعروض في السوق، تباطأ منذ بداية العام الماضي بسبب تراجع المقدرة الشرائية للمواطنين وصعوبة حصول شركات البناء على التمويل.