صحيفة لندنية: هل سيستطيع النظام إقناع الشارع بمبررات تعويم الجنيه؟
لم تكن تغريدة رجل الأعمال المصري الشهير، نجيب ساويرس الخميس، على موقع "تويتر"، اقتصادية فقط، بل كانت سياسية بامتياز، حيث قال "التعويم خطوة ممتازة، تأخرت كثيراً، لكنها الحمد لله، تمّت".
كان ساويرس يعلّق على قرار البنك المركزي المصري الخميس، بتعويم سعر الجنيه أمام العملات الأخرى.
وجاء قرار التعويم ليضرب به النظام المصري العديد من العصافير في وقت واحد في بحر الواقع السياسي الذي تتجاذبه ملامح اضطراب في الوقت الراهن.
ولا يمكن النظر إلى القرار، بمعزل عن الدعوة التي وجهها خصوم النظام، بالتظاهر يوم 11 نوفمبر، تحت شعار"ثورة الغلابة"، وهي الدعوة التي لعبت على وتر تفاقم المصاعب الخانقة، التي بات المواطن منخفض الدخل يعانيها في حياته اليومية، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات قياسية، لم يعرفها المصريون من قبل.
وسيؤدي التعويم وإتاحة الدولار بسهولة وبسعر معقول للمستوردين، في نظر متخذي القرار، إلى خفض الأسعار في الأسواق، ما يقود بالتبعية إلى خفض حدة الاحتقان، وجلب المزيد من الرضا والقبول للنظام في الشارع المصري.
وإذا أضيفت إلى ذلك سلسلة الإجراءات التي أعلنت الحكومة المصرية البدء في اتخاذها، لتسهيل جذب الاستثمارات الأجنبية وطرح قانون الاستثمار الجديد على البرلمان، فإن النظام يكون بذلك استهدف إبلاغ المواطنين رسالة مؤداها، أنه قادر وقابض على زمام الأمور بقوة.
ومن ثم، فإن الرسالة تمثل رداً على متهمي النظام بأن يده مشلولة وعاجزة عن معالجة الأزمات.
وكان قد سبق التعويم، إعلان الاتحاد العام المصري للغرف التجارية، قبل أسبوع، عن إجراءات لترشيد الاستيراد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فضلاً عن دعوته التجار والشركات إلى وقف شراء الدولار من السوق السوداء، سعياً لوقف المضاربة عليه.
ورأى مراقبون، أن في موقف الغرف التجارية هذا، إعلاناً صريحاً من جانب رجال الأعمال المصريين، بأنهم داعمون بالكامل لأيّ إجراءات سيتخذها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في هذه المرحلة، بما فيها تعويم الجنيه، وهو ما أكسب النظام زخماً جديداً.
وجاء تعويم الجنيه، أيضا، تنفيذا لواحد من أهم شروط صندوق النقد الدولي، للموافقة على منح الحكومة المصرية، القرض المنتظر بقيمة 12 مليار دولار، والحصول على الشريحة الأولى منه.
وأرسل النظام رسالة أخرى، موجهة إلى الخارج، بقدرته على اتخاذ القرارات التي تطلبها منه مؤسسات التمويل الدولية، وأنه يحوز على التأييد الشعبي في ذلك.
وكان الهدف من قبضة النظام القوية، والتي تمثلت في نجاحه في وقف نزيف الدولار، وتحجيم المضاربة، إبلاغ الخارج، بأنّ الحكومة استعادت سيطرتها على سوق الصرف، والاقتراب من توحيد سعر الدولار، وهو المطلب الذي طالما طالب به المستثمرون، الذين كانوا يتساءلون: كيف نستثمر في بلد غير قادر على خلق سعر واحد للعملة؟.
يُضاف إلى ذلك، رسالة أخرى، هي أن الحكومة بصدد ضبط سياستها النقدية، التي كانت محل الانتقاد من الاقتصاديين داخلياً وخارجياً، ووصفوها بالتخبط، الأمر الذي سيقود إلى المزيد من الانضباط في تنفيذ السياسات في المجالات الأخرى بالمجتمع.
وما يؤشر على ذلك، اتخاذ البنك المركزي أمس قرارات متعلقة بزيادة الفائدة البنكية على ودائع الأفراد والبنوك، ما يعكس الإصرار على مواجهة التضخم.
وذكر خبراء اقتصاديون لـ"العرب" اللندنية أن قرار التعويم، وما نجم عنه من قرارات بنكية، ربما قصد النظام المصري من ورائه، تمهيد الشارع لسلسلة قادمة من القرارات الاقتصادية، تتعلق بخفض الدعم الحكومي للكثير من السلع والخدمات، وتحديداً دعم المحروقات.
وحذّر هؤلاء، من أن هذه القرارات يمكن أن تعيق كل ما يحاول النظام تحقيقه سياسياً واقتصاديا، ويعيد الاحتقان من جديد، وتساءلوا: "هل سيستطيع النظام عندها، إقناع الشارع أن "التعويم"، جاء لمصلحته، وليس لتحميله المزيد من الأعباء؟".