د. رشا سمير تكتب: السكر والتوكتوك والدولار وأنا وأنت!
مما لاشك فيه أن صوت مواقع التواصل الاجتماعى أصبح أعلى من صوت قطار التوربيني..ولاشك أن الموضوع الذى تتداوله تلك المواقع يصبح هو حديث الساعة حتى تتركه فيموت، ليظهر آخر وهلم جرة..
ولا شك أيضا أن مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت هى المؤشر الحقيقى المحرك والمؤثر لكل شىء، من أول الهجوم على شخص ما، وحتى التغيير الوزارى!.
من بين كل الأزمات دائما ما تطفو أزمة على السطح، تظهر وتشتعل وتتعقد ثم فجأة وبدون أسباب واضحة تختفى لتظهر أخرى..
هكذا ظهرت أزمة سائق التوكتوك التى فاقت كل التوقعات.. مجرد ضيف عادى فى برنامج، وبموجب مواقع التواصل تحولت الفقرة إلى الأكثر مشاهدة وتهافتت عليها مواقع الإخوان لنشرها فى فرصة ذهبية لزعزعة صورة الدولة.
اتُهم السائق بالتآمر وتهافت البعض فورا على منحه لقب إخوانى مع سبق الإصرار والترصد، قيل أن كلماته مُنمقة، وأخيرا وليس آخرا تسربت أخبار عن كونه ابن أخت الإخوانية عزة الجرف!.
أنا أيضا لدى تشككات حول الشخص وحول أدائه التمثيلى الاحترافى..ولكن..
أليس هذا هو رأى أى مواطن بسيط يُعانى اليوم من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والتعليم المتردى والصحة المتدهورة؟
نعم.. نعلم إن الوضع اليوم هو تداعيات ثلاثين عاما من التراخى والفساد والإهمال..حمم بركانية تُركت لتغلى دون أن يحتويها أحد حتى انفجر البركان فى وجوهنا جميعا.
أليس من الأحرى أن نبحث عن الأزمة ونعالجها بدلا من أن نفبرك الصور ونلقى بالاتهامات؟!
من المؤكد أن هناك أزمة..ولكن، كيف يتم التعامل معها؟
أعتقد أن فن إدارة الأزمات فى مصر هو الأزمة الحقيقية..فالأزمات تنهال على رأسنا كل يوم.. ونحن نكتب عنها فى الجرائد بشكل يومى ويحللها المحللون على كل الفضائيات، ولا نصل لحل حقيقي..لأن الواقع يؤكد أنه لا يوجد نظام محدد أو خطة موضوعة للإصلاح.
تحدث رئيس الحكومة عن الثلاث سنين العجاف وأكد أن الآتى أصعب وأن الانفراجة ستأتى بعد ثلاث سنوات، وهذا تصريح يُحترم، فقد كان من الضرورى أن يكون هناك تصريحات حقيقية ورسمية حتى لو كانت محبطة فى ظل تصريحات مضللة تتبناها مواقع التواصل الاجتماعى.
صرح رئيس الحكومة نصا بالآتى: «حل المشاكل المزمنة يتطلب حلولا سريعة وعاجلة والحكومة ستتصدى لها»..وهنا يجب أن يقفز سؤال اعتراضى..
ما المشروعات التنموية التى تنوى الحكومة تبنيها؟ كيف ستسدد الدولة القرض لصندوق النقد؟ إن ما تقوم به الدولة تجاه أزمة الدولار حلول مهترئة.. فالدولار يقفز وقرار تعويم الجنيه لازال قرارا غائما، إغلاق الصرافات خلق ألف سوق سوداء للدولار.. والتعامل المتخبط بتنزيل حدود الكروت الائتمانية جعل للتحايل ألف وجه وأخذ العاطل بالباطل..فهناك من يخزنون الدولار ولا يأبهون.. وهناك من يتجرعون المرار لتوفير مصاريف العلاج بالخارج أو من يلملمون من هنا وهناك لتعليم أبنائهم.. وبالله عليكم لا تقذفوهم بالحجارة فلو وجد هؤلاء تعليما محترما أو علاجا متطورا بالدولة لما بحثوا عنه بالخارج!.
نعم صرح رئيس الوزراء بأن هناك مشكلة حقيقية بالتعليم منذ ثلاثين عاما، ويحتاج إلى قرابة الـ30 مليار جنيه لإصلاحها.. أوافق سيادته، ولكن إلى متى ستظل كل حكومة تأتى تصرح نفس التصريحات دون خطوة واحدة للأمام.. هناك أوجه صرف عديدة لأشياء أقل أهمية فى نظرى من مأساة التعليم..فبدلا من أن نعطى الشعب سمكة دعنا نعلمه الصيد يا سيادة الوزير!.
أزمة السكر ستتبعها ألف أزمة أخرى لو لم تتم محاسبة المتسببين فيها بكل حزم، وأتمنى ألا تتم المقارنة بينها وبين سقوط شهداء القوات المسلحة لأن المقارنة غير مُنصفة، فالمواطن الذى يشعر بالأسى لسقوط جنود الجيش المصرى هو نفس المواطن الذى من حقه أن يتضرر لعدم توافر سكر.. فالسكر من أولويات العيش بالنسبة لأسر كثيرة، أسر لازالت الكيكة أو الأرز بلبن لديهم هي أسباب المتعة الحقيقية لأطفالهم، وكوب الشاى هو الترفيه الوحيد لعائلها!.
لازالت أحلام البسطاء هى لقمة العيش والسكر يا سادة..فلا تهاجموهم ولا تسخروا منهم.. إن التضامن مع الشهداء لا يتنافى مع المطالبة بكيلو سُكر!.
لا تنافقوا الدولة حتى لا تقع فى المزيد من العثرات ولا تهاجموها بشكل مطلق حتى لا يعشش الإحباط بين ضلوعنا..دعونا ننتقد لإحداث فرق ونصفق للإنجاز فقط لو كان حقيقيا.