"نيويورك تايمز" تخصص مقالاُ بالعربية عن الأمير السعودي "محمد بن سلمان: صعود نجم

عربي ودولي

الأمبر السعودي محمد
الأمبر السعودي محمد بن سلمان

أفردت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اليوم  مقالاً باللغة العربية عن ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، للكاتب "مارك مازيتي"، وجاء المقال بعنوان "نهاية عقود من تقاليد العائلة المالكة إثر صعود نجم أمير سعودي".

  

واستهل الكاتب الأمريكي مقاله، قائلاً " لجأ إلى تخفيض ميزانية الدولة، وتجميد العقود الحكومية، وتقليل رواتب موظفي الدولة، في إطار سلسلة من إجراءات التقشف الصارمة استجابةً للأزمة التي تمر بها المملكة العربية السعودية إثر انخفاض أسعار النفط".

 

إلّا أنه وفي العام الماضي، وقعت عينا وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على يختٍ لم يملِك مقاومته.

 

فبينما كان الأمير بن سلمان يقضي عطلته في جنوب فرنسا، رأى يختًا طوله 440 قدمًا يطفو على الماء قبالة الساحل. وعلى الفور أرسل أحد مساعديه ليشتري له اليخت المعروف باسم “سيرين” والمملوك لملياردير الفودكا الروسي يوري شيفلر. لم تستغرق الصفقة سوى ساعات بيعَ خلالها اليخت بمبلغ 500 مليون يورو تقريبًا (نحو 550 مليون دولار اليوم)، حسبما ورد عن أحد شركاء السيد شيفلر وأحد الأشخاص المقربين من العائلة المالكة. وفي نفس اليوم، أخلى الروسي اليخت.

 

تلك إذن مفارقة الأمير بن سلمان الذي يبلغ من العمر 31 عامًا: رجلٌ يسعى إلى تغيير التقاليد القديمة، وإعادة هيكلة الاقتصاد، وترسيخ سلطة المملكة – لكنه في الوقت نفسه يتشبث بكلّ ما أوتِيَ من امتيازات ملكية. وفي أقل من عامين، صعد نجم بن سلمان كأكثر أفراد العائلة المالكة حضورًا في واحدة من أكثر دول العالم العربي ثراءً، وهو ما جعله منافسًا محتملًا على عرش المملكة.

 

للأمير بن سلمان يدٌ في كافة جوانب السياسة السعودية – بدءًا من الحرب في اليمن التي كلّفت المملكة مليارات الدولارات وأسفرت عن انتقادات دولية جرّاء وقوع القتلى من المدنيين، ووصولًا إلى الجهود المبذولة على الصعيد الداخلي بهدف الحدّ من عادات البذخ في الإنفاق بالمملكة العربية السعودية ووضع نهاية لحالة “إدمان النفط” بالمملكة. علاوةً على ذلك، بدأ بن سلمان في تخفيف وطأة القيود الاجتماعية المفروضة على الشباب.

 

وهكذا وضع صعود نجم الأمير بن سلمان نهايةً لعقود من التقاليد التي طالما تمسّكت بها العائلة المالكة، والتي تَعتبر احترام الأقدمية ومشاركة السلطة بين فروع العائلة المالكة قيمًا راسخة. فلم يحدث من قبل في تاريخ المملكة أن استأثر وليّ وليّ العهد، الذي يحتل المرتبة الثانية على قائمة انتظار العرش، بكلّ هذا القدر من النفوذ. وهذه المركزية في السلطة كانت سببًا في إثارة غضب الكثيرين من أقاربه.

 

وبسبب طموحات الأمير الشاب التي لا حدّ لها على ما يبدو، ظن كثيرٌ من المسؤولين داخل المملكة وخارجها أن وليّ وليّ العهد لا يسعى فحسب إلى تنفيذ خطة التحول الوطني بالمملكة، بل يضع نصب عينيه أيضًا إزاحة وليّ العهد الحالي – ابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي يبلغ من العمر 57 عامًا – من المشهد السياسي، ومن ثمّ يمهّد لنفسه الطريق ليكون الملك القادم للسعودية. خطوةٌ كهذه قد تؤدي إلى تفاقم غضب أقاربه، وإذا قُدّر لها النجاح، فستكون سابقةً في تاريخ البلاد التي ستشهد للمرة الأولى ملكًا شابًّا قد يبقى على سُدة الحكم عقودًا طويلة.

 

لطالما احتفظ وليّ العهد بن نايف، وزير الداخلية والمعروف بأنه قيصر الحرب على الإرهاب، بعلاقات وطيدة مع واشنطن وبدعم الكثيرين من كبار أفراد العائلة المالكة. ورغم أن قراءة الخيوط المتشابكة للعائلة المالكة أشبه بمحاولة الدوران داخل غرفةٍ مليئةٍ بالمرايا، يرى كثيرٌ من المسؤولين الأمريكيين والسعوديين أن الأمير بن سلمان قد اتّخذ خطوات استهدفت الوصول إلى ملفات الأمير بن نايف وتقويض موقفه.

 

في ظلّ ظروف كهذه، لم يجد المسؤولون في واشنطن بُدًّا من توخّي الحذر من خلال توطيد علاقاتهم مع الرجلين في آنٍ واحد، لأنهم ليسوا على يقين من سينتهي به المطاف على سُدة الحكم. تلقّى البيت الأبيض إشارة مبكرة تفيد بصعود نجم الأمير الشاب في أواخر عام 2015، عندما تحدّث الأمير بن سلمان – خلافًا للبروتوكولات المتّبعة – عن إخفاق السياسة الخارجية الأمريكية وذلك في لقاء جمع والده الملك سلمان والرئيس أوباما.

 

يحظى الأمير بن سلمان بإعجاب قطاع كبير من الشباب السعودي، إذ يعتبرونه نموذجًا أعلى لجيلهم بعد نجاحه في التصدّي لعدد من المشكلات داخل المملكة بجرأة غير معهودة. أما القنوات الإعلامية التابعة للملك، فقد روّجت للأمير باعتباره قائدًا مثابرًا وعمليًّا وأنه أقل اهتمامًا من أسلافه بزخرف الملك والسلطان.

 

على الجانب الآخر، هناك من ينظر إلى الأمير بن سلمان على أنه شخصٌ حديثُ عهدٍ بالسلطة متعطّشٌ لها، وأنه يخاطر بزعزعة استقرار البلاد من خلال إحداث تغييرات جذرية في وقت قياسي.

 

كشفت سلسلة لقاءات استمرت شهورًا مع مسؤولين سعوديين وأمريكيين، وأفراد من العائلة المالكة والمقربين منهم ودبلوماسيين مهتمين بالشأن السعودي، عن أن الأمير الشاب في عجلة شديدة من أمره ليثبت أن بوسعه تنفيذ التحوّل المنشود في المملكة العربية السعودية. أما الأمير بن سلمان، فقد رفض عدّة طلبات لإجراء مقابلة لهذا المقال.

 

لكنّ السؤال الذي يطرحه كثيرون – دون إجابة حتى الآن – هو هل سينجح هذا القائد المتحمّس في شق طريق جديد تسير فيه المملكة مستقبلًا، أم أن اندفاعه وانعدام خبرته سيُفضيان إلى زعزعة أكبر اقتصادات العالم العربي في وقت تجتاح فيه الاضطرابات منطقة الشرق الأوسط.