قصة آخر مسيحي نوبي في مصر.. «ترك الإسلام نكاية في أهله»
مسيحيو النوبة.. لم يبق منهم واحد في مصر.
قصة إسلام أهل النوبة (رُماة الحدق).
*الإسلام دخل النوبة قبل المدينة المنورة.
فتح النوبة في عهد عبد الله بن سعد بن أبي السرح.
معاهدة البقط.
التأثير اليهودي والمسيحي في «النوبيين» رغم إسلامهم.
قصة آخر مسيحي نوبي في مصر (ترك الإسلام نكاية في أهله).
جملة
عابرة ألقيت على مسامعي أثناء الحديث عن «النوبة» خلال حفل زفاف «نوبي»، بوسط
القاهرة :«النوبة لا يوجد بها مسيحي واحد»،
مرت على الكثيرين كطلقة رصاص، إلا أنها استوقفتني كثيرًا فبدأت البحث عنها.
في
البداية كان البحث شاقًا تطلب المرور على الجمعيات الممثلة للقرى النوبية في
القاهرة، والحديث إلى كبار الكتاب النوبيين، ومن ثم الإجابة على السؤال الأصعب :«هل
هناك مسيحي نوبي في مصر ؟»، وكانت الإجابة حادة وقاطعة «لا».
أهل
النوبة، قبائل تسكن منطقة تمتد على ضفتي نهر النيل أقصى شمال السودان وأقصى جنوب مصر،
ويقال إن اسم كلمة النوبة أو النوبت جاء نسبة إلى «نباتا»، وهى تسمية توراتية، وأخذ
اسم (أهل النوبة) من كلمة «نوب»، وهى كما يقال أيضا كلمة عربية الأصل بمعنى اللهب الأصفر
وكان يوصف بها الذهب عند قبائل اليمن، وأطلق على بلاد النوبة أسماء أخرى فسماها الإغريق
بإثيوبيا وتعنى (ذوى الوجوه المحروقة) وأطلق في الغالب الفراعنة هذا الاسم، وذلك لأن
النوبت (أو سكان هذه المنطقة) كانوا سود البشرة وهذا هو الدليل على أن (الأسرة السادسة
والعشرون من الأسر الفرعونية من أصول حبشية وسميت بالأسرة الإثيوبية)، كما عرفت بالواوات
وتاسيتى (تعنى أرض السهام) ومن الأسماء الأخرى (دودي- كاتنيوس- وبلاد مازوى- وارتي).
*قصة إسلام أهل
النوبة:_
«رُماة الحدق»، أو
أهل «النوب» النوبيين، ظلوا على ديانتهم «المسيحية» سنواتٍ طويلة رغم دخول الإسلام
إلى مصر، وكانوا مهرةً فى التصويب بالسهام من فوق النخيل والجبال، حتى إنهم كانوا يصيبون
العيونَ مباشرة، ولذلك أطلق المسلمون عليهم اسم: «رُماة الحدق».
أرسل
سيدنا عمرو بن العاص، عُقبة بن نافع الفهرى إلى بلاد النوبة، ليطالب أهلها باعتناق
الإسلام، فنشب قتالٌ شديدٌ، ورمى أهلُ النوبة المسلمون بالنبْل وكانوا فيه ذوي مهارة
عالية فكثرت إصابات المسلمين، وفقد عدد منهم أعينهم، وانتهت المعركة بخسارة المسلمين.
وفشلت
محاولات المسلمين لدخول النوبة، واستعصت على الفتح نحو عشر سنين - وفي فترة العشر سنوات
ثار النوبيين وهاجموا الحدود الجنوبية لمصر- ثم كانت ولاية عبد الله بن سعد بن أبى
سرح لمصر في عهد الخليفة الراشد الثالث، عثمان بن عفان فغزا النوبة وقاتل أهلها، حتى
سألوه الصلح والموادعة، فأجابهم إلى هدنة اتُفِقَ
فيها على أن يدفع أهل النوبة إلى المسلمين، ويدفع المسلمون إلى أهل النوبة، أموالًا
متقابلة في كل سنة، وكان هذا الصلح في رمضان سنة 31 من الهجرة وبه دخل الإسلام النوبة،
فلم يمضِ إلا زمن قليل ليسلم أهل النوبة، وكان صلح عبد الله بن سعد بن أبى سرح مع أهلها
فتحًا حقيقيًا أبقى من كل قتال سبقه بين النوبة وبين المسلمين.
وكان
إسلام النوب صعبًا كما كان فتح «النوبة» عن طريق القتال مستحيلًا لمهاراتهم العالية
في التصويب، إلا أنهم خالفوا ظن المسلمين ودخلوا الإسلام أفواجا وجماعات بعد أن تصالحوا
على ألا يقاتل المسلمون أهل النوبة ولا يقاتل أهلُ النوبة المسلمين وأن يتبادلوا الهدايا
بقيمة متساوية في كل سنة، حتى اقتنعوا بعد أن تعاملوا مع المسلمين، ولم يبق واحدًا
منهم على المسيحية.
ويرى
محيي الدين صالح، مستشار التراث النوبي بمركز توثيق التراث الحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية،
أن ابن أبي سرح - صحابي وقائد عسكري وهو أخ عثمان بن عفان من الرضاعة ووالي مصر في
عهد خلافته- أراد فتح النوبة لكي يحصل منها على العبيد، بالإضافة إلى اغتنام الإبل
والبقر، حيث كانت تأتي من بلاد إفريقيا، مشيرًا إلى أن هدف المسلمين من ذلك الفتح لم
يكن الدعوة الإسلامية، بحسب قوله.
*الإسلام دخل النوبة
قبل المدينة المنورة:_
وعن
تاريخ دخول الإسلام إلى بلاد النوبة، يقول مستشار التراث النوبي، إن الإسلام دخل النوبة
قبل دخوله المدينة المنورة، حيث أوفد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، الذين هاجروا
الهجرة الأولى في العام الخامس للبعثة، وقابلوا النجاشي ملك الحبشة في عاصمته.
ودلل
صالح على ذلك بأن المسلمين تحركوا في الهجرة الأولى من مكة وعبروا البحر ووصلوا إلى
الجهة المقابلة من «البحر الأحمر»، حيث بلاد النوبة، ولم يتوجهوا إلى إثيوبيا كما زعمت
كتب التاريخ، حيث أنه إذا توجهوا إلى إثيوبيا ما كان لكفار قريش أن يلحقوا بهم،
وأن المسافة بين مكة المكرمة والبحر الأحمر قليلة –يومين بالجمال- بعكس المسافة بين
مكة وإثيوبيا والتي يستغرق الوصول إليها شهورًا، ثم استقلوا السفن التي كانت تسير بالعرض
في ذلك الوقت ووصلوا إلى ميناء عيذاب بحلايب حاليا، ونشروا الإسلام قبل أن يهاجر
الرسول إلى المدينة المنورة لينشر الإسلام ويقيم دولته، ويدلل على ذلك أيضا بما ذكر
في معاهدة «البقط» بين المسلمين والنوبيين، والتي وقّعت بعد الفتح الإسلامي لمصر، حيث
اشترط المسلمون على ملك النوبة أن يرعى المسجد القائم عنده والذي تم بناءه مع هجرة
الصحابة- البند السادس من المعاهدة «المحافظة على المسجد الذي بناه المسلمون بدنقلة»،
متسائلا كيف يوجد مسجد داخل النوبة رغم أنها لم تفتح بعد ؟.
وأوضح
صالح أن الصحابة الذين هاجروا إلى النجاشي، نزلوا ببلاد النوبة، حيث أرادوا أن
يستطلعوا أمر النجاشي وأعدائه، فقرر أحدهم عبور ضفة النهر على «قربة»، مشيرًا إلى
أن معظم أنهار إثيوبيا منحدرات وما كان لهم أن يعبروا في ظل تواجد هذه المنحدرات،
مشيرًا إلى أن مملكة النجاشي كانت بـ«النوبة»، ومن ثم فالإسلام انتشر بها قبل أن
يدخل المدينة المنورة، متهكما على ما قام به الإثيوبيون ببناء «أضرحة» للصحابة رغم
أنهم عادوا سواء إلى مكة في الهجرة الأولى أو المدينة في الهجرة الثانية.
ويقول
المؤرخون أن المهاجرين لم يمكثوا في الحبشة طويلًا، حتى بلغتهم أخبار أن أهل مكة قد
أسلموا، فقرروا العودة إلى مكة في شهر شوال من نفس السنة، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم
أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً.
*فتح النوبة في عهد
عبد الله بن سعد بن أبي السرح:_
توالت
محاولات المسلمين لدخول النوبة، لكنها استعصت على الفتح، ثم كانت ولاية عبد الله بن
سعد بن أبى سرح لمصر فى عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان سنة 25هـ، فنقض النوبيون
الصلح وهاجموا صعيد مصر, فما كان من ابن أبى سرح إلا أن خرج في جيش تعداده عشرين ألف
مقاتل وسار إلى دنقلة عاصمة النوبيين وحاصرها وضربها بالمنجنيق، وبحسب المؤرخين استطاع«بن
أبي سرح» أن يدوخ مملكة المقرة المسيحية - مملكة نوبية اتخذت من المسيحية ديانة لها
و شملت حدودها في أقصى اتساع لها كل منطقة النوبة جنوب مصر وكل شمال السودان- دون أن
يقضي على سلطانها تماما.
*التأثير اليهودي والمسيحي في «النوبيين» رغم إسلامهم:_
وقال محيي الدين إن النوبيين تأثروا بالديانة اليهودية والمسيحية، وظلوا على عادتهم القديمة، رغم دخولهم في الإسلام، وتحدثهم اللغة العربية، حيث أنهم يقدسون يوم الأربعاء، آخر أيام الأسبوع النوبي، ويعطوه مكانة خاصة، وحرّموا فيه الغسيل وتقليم الأظافر، على أن تقام فيه الاحتفالات والمناسبات الطيبة، وكانوا يرددون فيه الأناشيد الدينية، بينما كان يوم الخميس «أور»، هو أول أيام الأسبوع النوبي، وجعلوا له أيضًا مكانة خاصة حتى يقال في المثل الشعبي النوبي:«الجمعة الطيبة تعرف من يوم الخميس».
وتابع
محيي الدين، أن تأثر النوبيين باليهودية تمثل في الطقوس التي كانت تجرى للمولود قبل
الهجرة من على ضفاف النيل، حيث كان يضع الطفل داخل «قفص» من السعف ويلقي في النيل كما
حدث مع سيدنا موسي عليه السلام، فإن انقلب يسود معتقدًا أن الطفل عمره قصير وسيكون
«شقي».
وعن
تأثير المسيحية في النوبيين رغم اعتناقهم الإسلام، أوضح محيي، أن عدد كبير من كبار
السيدات النوبيات يعمدن الأطفال فور ولادتهم، ويغسلن أيدهم ووجوههم كما يفعل المسيحيون،
بينما لا يزال انتشار عدد كبير من القرى تحمل أسماء مسيحية، فرغم دخول النوبيون جميعا
في الإسلام إلا أن مظاهر التأثير المسيحي واليهودي واضحة.
قصة
آخر مسيحي نوبي في مصر (ترك الإسلام نكاية في أهله).
انتهت
علاقة النوبيين بالديانة المسيحية، منذ ما يقرب من 500 عام، حيث أسلم ملكهم،
فدخلوا في الإسلام أفواجا، ومنذ ذلك الحين لم يعرف أن هناك مسيحيا نوبيا في مصر،
إلا أنه في القرن الـ19 ميلاديا، قرر أحد النوبيين بقرية «أبوهور» ترك الإسلام
واعتناق المسيحية نكاية في أهله.
النوبي
الذي كتب أهله على قبره «صمويل علي حسين» ووضعوا عليه الصليب بعد وفاته وظل علامة
في التاريخ النوبي، هاجر من مصر وعاش في الغرب وظل يعمل لسنواتٍ عدة، إلى أن قرر
العودة إلى بلاده والاكتفاء بما كان يرسله إلى أهله من أموال، حيث ظن أن أمواله في
مأمن وأن أهله سيحتفظون بها إلى أن يعود، إلا أن الصدمة كانت شديدة، واكتشف أن
أهله صرفوا جل الأموال ولم يبق له شيء، وفي لحظات فارقة تملكه فيها الغضب، سأل
عشيرته :«هل هكذا أمركم الإسلام.. فوالله إني لتاركه»، ومنذ ذلك الحين اعتنق هذا
النوبي المسيحية وعاد من حيث أتي، إلى أن توفاه الله في 8 مارس 1927وتم إعادة
جثمانه إلى النوبة ودفن بها.
والواضح
من الاسم المذكور بالصورة «صمويل علي حسين»، أن والده وجده مسلمين، وأنه تنصر؛ لأنه
مكتوب «باكورة الراجعين» إلى المسيحية.