منال لاشين تكتب: البنزين وأخواته بين مصر وصندوق النقد
■ الحكومة تدرس زيادة المواد البترولية من 10% إلى 15% والصندوق يشترط 33.3%
■ التحول للدعم النقدى يوفر نصف أنابيب البوتاجاز
■ معهد التمويل الدولى: سعر الدولار من 10 إلى 11 جنيهاً والتعويم قبل القرض
تاريخ صندوق النقد كالكتاب المفتوح، نصائحه وشروطه. نظرياته فى كتب ودراسات عابرة للقارات والدول والعصور والثورات، طريقة التصويت فيه واللوبى والقوى التى تؤثر فى قراراته.
ولذلك فإن الذهاب للصندوق أو الطريق إليه لا يحمل مفاجآت، لم تفاجأ دولة بطلبات وشروط الصندوق، لأن وصفة الصندوق فى الغالب ثابتة المقادير والنسب. إذا ذهبت لصندوق النقد طالبا المشورة سيمنحك مشورته، أما إذا ذهبت للصندوق طالبا أمواله وقرضا منه فسرعان ما تتحول المشورة إلى قيود وشروط.
هذه الخلطة لم تتغير منذ نشأة صندوق النقد، ربما غير الصندوق طريقته ولكنه لم يبدل لا شروطه ولا طلباته. ببساطة لأن الصندوق لم يغير سياساته ولا توجهاته الاقتصادية أو السياسية.
ولذلك لا أفهم سر تمسك الحكومة بحكاية ألا تخضع لشروط ولا يملى عليها قرارات، وهو الكلام الذى كرره وزير المالية عمرو الجارحى فى حواره الأسبوع الماضى على إحدى الفضائيات، الجارحى أكد وكرر أن الحكومة تنفذ برنامجها الوطنى فى الإصلاح الاقتصادى.
لم يذكر وزير المالية ولا رئيس حكومة ولا محافظ البنك المركزى الخلافات الشديدة بين صندوق النقد والحكومة المصرية حول دعم المواد البترولية، وهو خلاف هدد الاتفاق مع الصندوق، وبالتالى هدد حصول مصر على قرض الصندوق البالغ 12 مليار دولار. بل إن بعثة صندوق النقد كانت واضحة فى شرطها ألا يتم توقيع العقد إلا بعد تحرير أسعار المواد البترولية. ولا يمكن لوم الصندوق أو ادعاء أن الحكومة المصرية فوجئت أو أن هناك تعنتا من الصندوق فى هذا الطلب. لأن تحرير سعر المحروقات أو المواد البترولية هو أحد أهم قناعات صندوق النقد. وتحرير سعر المحروقات يحتل مكانة متقدمة جدا فى كل وصفة للصندوق لكل الدول التى تعامل معها، سواء الدول التى اكتفت بأخذ المشورة الفنية منه، أو الدول التى حصلت على قروض من الصندوق.
هنا يأتى دور المفاوض المصرى خلال الاجتماعات الأولى مع بعثة الصندوق، لأن المفاوض المصرى كان يجب أن يكون واضحا فيما يخص نسب رفع الدعم عن المواد البترولية، خاصة أن المواد البترولية لا تحتمل أى أخطاء فى الحسابات، فالمواد البترولية تشمل أنبوبة البوتاجاز والبنزين والسولار والمازوت. ويمكن لزيادة الأسعار بدون حساب اقتصادى دقيق أن يؤدى إلى كوارث اقتصادية واجتماعية.
الحكومة تدرس الآن رفع سعر البنزين وأخواته بنسبة تتراوح ما بين 10% و15% كخطوة فى طريق تحرير أسعار المحروقات أو المواد البترولية من الدعم نهائيا، وهذا الطريق الحكومى يؤدى إلى رفع الدعم عن المواد البترولية خلال خمس سنوات على الأقل. ولكن بعثة الصندوق وقياداته لديها وجهة نظر أخرى وخطيرة. فالصندوق يتبنى ضرورة رفع الدعم عن المواد البترولية خلال سنوات القرض الثلاث. وبدقة أكثر خلال سنوات حصول مصر على شرائح القرض بمعدل 4 مليارات دولار كل عام، وهذا الشرط أو الاقتراح من الصندوق سيؤدى إلى رفع أسعار المواد البترولية بنسبة الثلث كل عام. وفى هذه الحالة ستبلغ الزيادة 33.3% سنويا، وهذا معدل خطير لا يمكن قبوله. ولا تستطيع حكومة أو نظام عاقل أن يغامر أو بالأحرى يقامر بزيادة بهذه الضخامة مرة واحدة.
صندوق النقد طرح خلال المباحثات ضرورة إيجاد طريقة أو وسيلة لدعم الفقراء. هذه الطريقة تعتمد على الدعم النقدى بدلا من الدعم العينى.
وربما يمثل ملف أنابيب البوتاجاز النموذج الصارخ الذى يردده خبراء الصندوق خلال المباحثات، فمصر تدعم نحو 450 مليون أنبوبة بوتاجاز سنويا، من خلال شراء البوتاجاز بالدولار من الخارج ثم إعادة بيعه بعد التعبئة بأقل من 15% من سعر التكلفة. وهذا يعنى أن موازنة الدولة تتحمل عبئين الأول الفارق بين التكلفة وسعر البيع بالجنيه المصرى. والعبء الثانى هو استيراد الغاز بالدولار. وإذا افترضنا أن عدد الفقراء فى مصر يبلغ 60 مليون مواطن. فإن هذا الرقم يؤدى إلى وجود 12 مليون أسرة تحصل على أنابيب البوتاجاز. وبذلك يكون عدد أنابيب البوتاجاز المدعمة سنويا لا يتجاوز 150 مليون أنبوية (تحديدا 144 مليون أنبوبة). ولذلك فإن التحول إلى الدعم النقدى يبدو ضرورة حتمية لتنفيذ تعهدات مصر للصندوق. وبالمناسبة معهد التمويل النقدى أكد فى آخر تقاريره عن الاقتصاد المصرى أن توقيع القرض لن يتم بدون تعويم الجنيه أو تحرير سعر الصرف وتحديد سعر صرف مرن. ولكن التقرير يتضمن معلومة أخرى مهمة فقد قدر السعر العادل للدولار ما بين (10) جنيهات و (11) جنيها. وهذا الرقم يضرب كلا من أرقام السوق السوداء التى تصل إلى 15 جنيها والتكهنات بأن يصل السعر لعشرين جنيها قبل نهاية العام، وهذا الرقم يوصلنا إلى مافيا كروت الائتمان.