مأساة "خلف" في ليبيا: لم أر الشمس 15 شهرا.. وضابط أنقذني من الموت (صور)

محافظات

خلف وسط أسرته
خلف وسط أسرته


"الفقر مُر.. وأكل العيش صعب.. والموت أسهل من العيشة في الفقر".. بهذه الكلمات بدأ خلف محمد، (18 عامًا)، ابن قرية الشيخ خطاب التابعة لمركز سمسطا ببني سويف، العائد من جحيم الإرهاب والفوضى في ليبيا، حديثه لـ"الفجر" عن دوافع هجرته غير الشرعية مع مجموعة من شباب قريته.

وبدأ خلف يسرد قصته، قائلًا: "هاجرت إلى ليبيا مع مجموعة من الشباب عن طريق أحد السماسرة الموجودين في مركز سمسطا، واتخذنا بعض المدقات الصغيرة والطرق الوعرة داخل الجبال، لأننا مجموعة من الأطفال لم يتعدى عمرنا وقتها 16 عامًا".

وأضاف: "وصلنا إلى ليبيا، وعثرت على عمل جيد داخل إحدى الجامعات فى مجال الزراعة وتشجير حدائق الجامعة، وكنت اتقاضى راتب جيد، واعيش وقتها مع أقاربي من الإعمام داخل أحد المنازل فى العاصمة طرابلس".

وواصل: "خرجت فى أحد الأيام عقب الانتهاء من العمل، إلى الشارع لشراء مسحوق غسيل لتنظيف ملابسي، واستوقفتني إحدى السيارات، وتم جذبى إلى الداخل، وإغماء عيناي من خلال قطعة قماش إلى أن وصلنا مركز شرطة بعيد فى الصحراء وتم إدخالى إلى غرفة ضيقة يتعدى عرضها الثلاث أمتار".

واستطرد "خلف": "سألوني عن جواز سفري فأخبرتهم إننى خرجت لشراء مسحوق غسيل والجواز موجود داخل شقتي وحددت لهم العنوان، إلا أنهم لم يستجيبوا لكلامي وتعرضت لضرب شديد وتم تحويلي إلى المستشفى وعودت مرة أخرى إلى السجن".

وأضاف: "حجزوني مع خمسين آخرين داخل تلك الغرفة الضيقة طوال 15 شهرًا، مع مجموعة من المصريين والجنسيات الإفريقية، بعضهم دون سبب والبعض الآخر مسجون على ذمة قضايا"، مشيرا إلى أنهم كانوا يتناولون قطعة خبز واحدة فقط كل يوم، وكان الخمسون شخصًا يتبادلون النوم داخل الغرفة.

وأردف "خلف": "لم أر الشمس طوال تلل الفترة، ولم نغير ملابسنا أو نستحم، وكنا نقضي حاجاتنا داخل إناء من الصفيح ويتم تغييره كل أسبوع"، لافتًا إلى أن "أحد الضباط طلب رؤية المحجوزين داخل تلك الغرفة، واستمع إلى قصتي، وقام بترحيلي إلى الحدود المصرية".

وأضاف: "قبل خروجنا فى سيارة الترحيلات، طلب أحد المصريين الموجودين خارج السجن أن يصطحبني خمسة دقائق إلى منزله، وغيرت ملابسي التى ظلت على جسدى 15 شهرًا، وعند وصولنا إلى الحدود المصرية، أعطاني أحد الضباط المصريين 300 جنيه، كمصاريف مواصلات إلى أن وصلت إلى قريتي".

واختتم خلف، قائلًا: "لن أعود مرة أخرى إلى ليبيا، ولن أخرج من مصر، حتى لو هموت من الجوع، وياريت كل الشباب ميفكروش في السفر مرة أخرى، ربنا هو الوحيد اللي كتبلي إنى أخرج للحياة مرة أخرى".

والتقت "الفجر" مع والدي "خلف"، وأكدت والدته أنها ظلت طوال 15 شهرًا بالتمام والكمال، وهى تجلس منذ شروق الشمس على حجر قديم موضوع أمام منزلها، منذ أن تركها ابنها الوحيد وهو طفل لم يتجازو الخمسة عشر عامًا، هاربًا بهجرة غير شرعية عبر مدقات جبال الصحراء الغربية، بحثًا عن مصدر رزق ليساعد أسرته البسيط ووالده الفلاح، بعدما ضاقت به الدنيا داخل قريته.

وأكدت "الأم" أنه "فى ليلة الخميس قبل الماضي، كنت أجلس على الحجر، وفوجئت به مهرولا إلي، ليرتمي فى أحضاني باكيًا"، قائلة: "استيقظت على حالة من الفرح الشديد والبكاء المستمر، رجالا وسيدات وشباب واطفال، يتجمعون داخل المنزل، ويهنئون زوجي بعودة نجلنا بعدما اختفى داخل الأراضي الليبية منذ سنة وثلاثة أشهر".

واختتم الوالدان، مؤكدين أن سعادتهما لا توصف برجوع ابنهما إلى منزله مرة أخرى، مطالبين شباب مصر بعدم المجازفة والذهاب إلى أي دولة بطريقة غير شرعية.