منال لاشين تكتب: البرلمان يحصل على مساعدات وأموال من الغرف التجارية ووزارتين لدعم احتفاليته

مقالات الرأي



■ ميزانية مجلس النواب مليار جنيه ولا يجب أن تحصل السلطة التشريعية على أى مزايا خاصة أو عامة لأن كل الجهات تخضع لرقابتها

طائرة خاصة بأمر وزير الطيران لضيوف الاحتفالية.. و البرلمان يراقب مصر للطيران.. ورجال الأعمال لديهم أجندة تشريعية


وقف جميع الحضور فى احتفالية 150 عاما على البرلمان المصرى انتظارا لعزف السلام الجمهورى. وساد صمت انتظارا لسلام لم يعزف. البعض أطلق عليها فضيحة الاحتفالية وآخرون رأوا أن إقامة الاحتفالية وصرف أموال بالملايين من الجنيهات هو الفضيحة، ولكن لا هذا ولا ذاك يمثل فضيحة. تأخر عزف السلام مجرد خطأ فنى. وحكاية إغلاق أبواب مصر بحجة ترشيد الإنفاق نكتة بايخة. لأن وجود 58 دولة أو وفودها فى مصر رسالة سياسية مهمة. ولها أثار خارجية إيجابية. مع هذا وذاك لم تخلو الاحتفالية من الفضائح. ثمة فضيحة من العيار الثقيل جدا شابت الاحتفالية. فضيحة اختلط فيها البيزنس مع السياسة والحكومة مع البرلمان وضاعت خلالها كل الخطوط الفاصلة بين السلطات وتسلل المال وأجندته الاقتصادية خلال الاحتفالية إلى عقر دار البرلمان.

كان مجلس النواب يريد أن يوفر «كام» مليون جنيه من تكلفة الاحتفالية. والحجة أن الظرف الاقتصادى صعب والشعب سيثور ويغضب على البرلمان بسبب فاتورة إقامة الاحتفالية. والحل هو أن يمد البرلمان يديه للجميع عام وخاص. حكومة ورجال أعمال لتمويل نسبة مهمة من الاحتفالية التى أقيمت فى شرم الشيخ وامتدت لأربعة أيام.

الاحتفالية تحولت إلى جسر للتواصل بين العرب والأفارقة فقد أقيم فى شرم بعد مراسم الاحتفال اجتماع لكل من البرلمان العربى والبرلمان الإفريقى.

نحن أمام تجمع دولى وعربى وإفريقى مهم وخطير لا يجب أن يقف عند حسابات المال فقط.

خاصة أن مجلس النواب لا ينقصه المال. فقد خصص له موازنة سنوية قدرها مليار جنيه وتحديدا 980 مليون جنيه. وهذه الموازنة تمكنه أن يتحمل تكلفة إقامة الاحتفالية العالمية بسهولة. ودون «الحوجة» لمساعدات خارجية سواء أتت هذه المساعدات من الحكومة أو من رجال الأعمال.


1- هدية البيزنس

كانت المفاجأة الأولى أو بالأحرى الفضيحة الأولى هى قبول البرلمان رعاية اتحاد الغرف التجارية للاحتفالية. وقد تحمل الاتحاد حفل العشاء الرئيسى للاحتفال الذى أقيم مساء الأحد لكل الوفود. وفى المقابل كان شعار الاتحاد على مائدة الاحتفالية. وهو مقابل بسيط ولن يعود بالنفع على أعضاء الاتحاد لأنه لا يتضمن أسماء شركاتهم مثلما يحدث فى رعاية الشركات للأنشطة والمؤتمرات. واتحاد الغرف التجارية هو منظمة أهلية تضم كل التجار ومن بينهم كبار المستوردين فى مصر، بل إن رئيس الاتحاد الحالى أحمد الوكيل هو أكبر مستورد فى مصر. ومجلس إدارة الاتحاد الذى اتخذ قرار الرعاية يمثل أكبر التجار والمستوردين فى مصر. وللاتحاد أجندة تشريعية واقتصادية. وهذه الأجندة تنفذ من خلال البرلمان السلطة التشريعية فى مصر. فالاتحاد له توجهاته فى خفض الجنيه لكى يستفيد المستوردون منهم. أو تقليل القيود الرقابية والرسوم والضرائب أو منح التجار إعفاءات وتسهيلات لتعظيم أرباحهم. ولهم مصالح أخرى فى ضريبة القيمة المضافة الجديدة. وهذه مجرد أمثلة على الأجندة التشريعية والاقتصادية لاتحاد الغرف. وهناك بالطبع أجندات وأهداف ومصالح فردية لأعضائة الكبار. وهذه الأجندة التشريعية أو بالأحرى المصالح تمر وتنفذ من خلال مجلس النواب بوصفه السلطة التشريعية.

ولذلك ما كان يجب أن يتورط مجلس النواب فى قبول مجاملة أو هدية أو رعاية من الاتحاد ورجال أعماله لاحتفاله. لأن ذلك التصرف يعد مخالفة لعدم تعارض المصالح. وفى كل دول العالم الديمقراطية لا يجب أن يرتبط البرلمان بأى علاقات أو مجاملات حتى لو كان رعاية مع تجمعات رجال الأعمال. وحتى فى أمريكا أكبر دولة رأسمالية فى العالم فإن علاقات البرلمان مع لوبى رجال الأعمال تكاد تكون منعدمة باستثناء وجودهم بالبرلمان أو لجانه لعرض وجهات نظرهم.


2- عطايا طائرة

فى التقاليد البرلمانية العريقة لا يجب أن يحصل البرلمان على أى مزايا إضافية أو تزيد على ما يحصل عليه المواطن. لأن أى مزايا إضافية تضع علامات استفهام فى العلاقة بين البرلمان والجهة التى تقدم المزايا.

وقد تجاهل البرلمان هذه القاعدة السياسية البديهية خلال إعداده للاحتفالية. خاصة فى عملية نقل المدعوين وضيوف الاحتفال. وقد تم النقل من خلال شركة مصر للطيران. وتمنح الشركة تخفيضا للمجموعات ولكنها منحت البرلمان تخفيضا أكبر ومزايا إضافية لنقل الضيوف. وتخصيص طائرة خاصة لنقل بعض الضيوف ذهابا وإيابا. وكانت الطائرة الخاصة للذهاب لشرم الشيخ قد ضمت مستشارى الرئيس ومساعد الرئيس المهندس إبراهيم محلب وشخصيات عامة وبعض النواب ورؤساء الأحزاب. والإعلاميين وخلال رحلة العودة قامت شركة مصر للطيران بتعديل جدول رحلاتها من شرم الشيخ للقاهرة من أجل عيون ضيوف احتفالية البرلمان. فقد كان لمصر للطيران رحلة من شرم للقاهرة فى الساعة السابعة و55 دقيقة مساء. وتم تغيير أو بالأحرى تبكير موعد هذه الرحلة إلى الساعة السادسة والنصف. وخصصت الطائرة إلى رحلة العودة لبعض ضيوف البرلمان. وذلك من أجل نجاح الاحتفالية والحفاظ على جدول أعمال الاحتفالية.

من ناحية أخرى، فإن الشركة لم تقدم هذه المزايا للبرلمان إلا بأوامر من وزير الطيران. ومرة أخرى نحن أمام تعارض مصالح صارخ وقع فيه مجلس النواب.

فالبرلمان يراقب كلاً من وزارة الطيران وشركة مصر للطيران. البرلمان يوافق على موازنة كل من الوزارة والشركة على حد سواء. ومجلس النواب يقوم بمراجعة الحسابات الختامية لكل منهما. وما كان يجب أن يتورط البرلمان بقبول رعاية أو مساندة أو تخفيضات أو مزايا من وزارة النقل أو وزير الطيران.

ومن الطيران للشباب. قام وزير الشباب خالد عبدالعزيز بتقديم تسهيلات لمجلس النواب خلال فترة الإعداد للاحتفالية وخلال أيام الاحتفال. ووفرت وزارة الشباب خدمات الاستقبال والاستعلامات لضيوف الاحتفالية. وذلك من خلال 150 شابا وشابة كانوا موجودين فى الفنادق وفى قاعة المؤتمرات. وقد كان الشباب خير سفراء لمصر. ولكننا للمرة الثالثة أمام نموذج لتعارض المصالح وللتداخل بين الحكومة والبرلمان.. بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. ولا يجب أن يضحى البرلمان باستقلاله واستقلاليته فى مواجهة الحكومة. وأولى خطوات هذا الاستقلال أن يتوقف عن قبول أو طلب خدمات من أى وزارة أو جهة حكومية. وألا يحصل على مزايا من أى نوع لاحتفاله أو أعماله تحت أى ظرف من الظروف. مرة أخرى الاحتفال بـ150 عاما على البرلمان مناسبة مهمة. ومهما تكلفت الاحتفالية فإن العائد السياسى والدبلوماسى أكبر وأهم من أى أموال. ولكن بشرط أن تكون هذه الأموال من موازنة مجلس النواب.