لميس جابر تكتب : لا عزاء لكم فى أطفالنا

مقالات الرأي


اكتشفت شيئًا جديدًا فى آلة الدعاية الإعلامية التى صنعت بجدارة فائقة فوضى خلاقة تحولت بعد أيام إلى فوضى هدامة حارقة خرقاء مزقت الدول العربية تمزيقا بينما الشعوب سعيدة تسير مندفعة وتهتف ثورة ثورة وهى عمياء لا ترى.. صماء لا تسمع حتى إذا وصلت عند المنحدر سقط من سقط وتراجع مستيقظا من تراجع وآلة الإعلام هى السلاح الخبيث خبث السرطان والقوى الفعال المدمر مثل الأعاصير والبراكين والإلحاح الإعلامى قادر على عمل «غسيل المخ» للملايين فى وقت قياسى.

وهذه الآلة الجهنمية استعملها الأمريكان والغرب واستعملوا فيها العرب الذين ابتدعوا قناة الجزيرة خصيصا لهذه الأحداث الشهيرة بالثورات الملونة والتى سميت بثوراتها المصنوعة مسبقا والمحقونة بالسموم ونبذور الدمار والتقسيم سميت على أسماء الزهور الرقيقة مثل الياسمين واللوتس والفل حتى نبتلع السم ونحن نحلم بالجنة وزهورها وأريجها الفواح وإذا بنا نكتشف أنها تحمل رائحة الدمار والبارود والمولوتوف والخيانة والعمالة وبيع الأوطان.

وفى المقال السابق حدثتكم عن رئيس تحرير مجلة كومباكت الألمانية الذى كشف زيف الإعلام فى مذبحة الحولة بسوريا والتى صورها الإعلام القطرى والعربى والغربى على أنها من فعل الحكومة والحقيقة أنها كانت من فعل تنظيم القاعدة الذى أطلق على نفسه عدة أسماء منها «الثوار» و«المعارضة» و«المعارضة المسلحة» ثم «الجيش الحر» والتى استعملت فيها صورا للأطفال القتلى ونوه الرجل أن هذه الحواديت استعملت أيام صدام وفى ليبيا وسوريا وسوف تستعمل فى كل الأماكن حيث توجد الشعوب الساذجة أمثالنا التى تهتز عواطفها لأقل حدث، وتغلظ عقولها أمام الدمار والخراب وتعمى أبصارها أمام الحقائق الواضحة التى لا ريب فيها.

ويقول الصحفى الألمانى إن صور الأطفال والرضع القتلى هى التى تهيئ العالم الغربى لخوض الحروب حتى لا يموت مزيدا من الأطفال ضحايا للأنظمة العربية المستبدة.. وإذا لم تقم هذه الأنظمة بقتل الأطفال فلنجعلها تقتلها فى الإعلام.. بسيطة ولكن الاكتشاف الغريب أن صور الأطفال القتلى الحقيقية بواسطة آلة الدمار الإسرائيلية لا تهز فى رأس العالم الغربى شعرة واحدة ولا يخرج علينا نفر واحد يقول لإسرائيل ولو حتى بعتاب رقيق «لا تقتلى مزيدا من الأطفال من فضلك» ولكن العكس هو ما يحدث وما يقال فهذا هو الشاب الأسمر «أوباما» صاحب توكيل الجماعات الجهادية الإخوانية فى المناطق العربية بأسرها يخرج لنا ليقول مهددا حماس أن توقف صواريخ الإرهاب التى تطلقها فى وجه إسرائيل ثم يقول القول المعتاد الشهير لكل الرؤساء الأمريكان: من حق إسرائيل محاربة الإرهاب والدفاع عن أمنها «أمن إسرائيل هو شىء هام جدا للأمريكان» إذن نحن كبشر لنا نوعان: نوع له قيمة ونوع عالة على الإنسانية ولا يساوى شيئا فى أسواق البشر لذلك كان لزاما علينا أن نذوق هذا الربيع العربى ونستنشق من أتربته الغبراء الملوثة حتى نختنق بفعل الجهل والسذاجة وبما أن البشر نوعان فالأطفال القتلى أيضا نوعان نوع يقيم العالم ويقعده إذا مات بيد حكامه ولا يكون له ثمن إذا مات بفعل الآلة المسلحة الإسرائيلية أو الأمريكية أو «الجهادية» وهى العنصر الثالث الذى أنجبته زيجات الأمريكان واليهود بالإخوان والقاعدة.

وفى الأيام القليلة السابقة بدأت خطة «الترانسفير» وهى خطة إزاحة شعب غزة الحبيب إلى أراضى مصر الشقيقة وهو مشروع قديم سبق قرأنا عنه من سنوات ولا هو سر ولا هو إشاعة مفرطة من فلول نظام المخلوع ولا الملبوس والحقيقة أنا شخصيًا لم أكن أتوقع أن يبدأ المشروع بمثل هذه السرعة.. ولكن بدأ وهو سهل جدًا.. حماس تطلق من طرفها صاروخين ثلاثة من صواريخ العيد إلى صحراء النقب الخالية من الإنسان والحيوان فتغضب إسرائيل وتضرب ضربة صغيرة وتحذر فتلبس حماس ثوب الجبابرة وتطلق صاروخين فشنك فى صحراء النقب برضه وهنا تقف إسرائيل وقفة الأسد الهثور وتصرخ للعالم وتدعوا الاحتياطى وهوب يبدأ قصف غزة عدة أيام ثم الاجتياح البرى.. حصلت قبل كدة ميت مرة ولكن هذه المرة عندنا «مرسى» و«قنديل» و«حمد» يكونون جوقة متنقلة لتمثيل الدور الساذج الذى يفهمه طفل صغير ويعرف أن ما يحدث هو شىء متفق عليه مسبقا وقبل أن تكتبه صحيفة هاآرتس بكل صراحة ووضوح. وتحت ضغط الشهداء والضحايا والحصار تفتح المعابر ويدخل شعب غزة الشقيق لأخته التى تصرخ منادية عليه تعالى لى يا أهلى وعشيرتى.. الأرض تكفى مية وألف واللقمة الهنية تكفى مية وحصيرة الصيف واسعة وهو ما يقوله باقى أفراد الجوقة كل يوم وساعة من حجازى لسلطان لبدر البدور للعريان والمكس وهنية ومشعل وقنديل نسيب دول ودول.

وباقى الضفة أظن أن لأهلها مشروعا قادما بسيطا بالإزاحة إلى الأردن الشقيق وبعد التقسيم الذى تدور رحاه الآن فى الوطن العربى سوف تكون إسرائيل هى الدولة الكبرى الوحيدة وسط أقزام سذج تسير شعوبهم خلف عملائهم بالسمع والطاعة ليذوقوا الذل بعد ذلك وهذا جزاء الغباء السياسى والعقلية القبلية البدائية حتى وإن أكلت الكنتاكى وشربت «الكولا زيرو» وركبت الرانج روفر.

أما الشىء المثير أنه منذ أيام قليلة بعد قصف غزة المتوقع والمدبر شاهدنا أول صورة لطفل صغير «محروق» «منتفخ» يرفعه رجل فى وجه الكاميرات ليصرخ الصرخة إياها التى سأمناها من كثرة ما سمعناها «وينكم يا عرب» وهذا الطفل لابد قد مات منذ ساعات قبل أن تؤخذ له هذه الصورة التى لابد أن نراها جميعا حتى نتألم ونشعر بالغثيان والغضب وأكيد أن آلة الإعلام هذه تقصد من بثها هذه الصورة أن ينهض العرب للحرب.. ومن الدول العربية الغراء لديها الآن مؤسسة عسكرية وجيش بمعنى الكلمة غير «مصر» لثانى.. أو على الأصح لخامس مرة.. مطلوب من مصر أن تحارب من، أليس هناك اتفاق، بعدها بيوم واحد تداولت على الفيس بوك صورة لأربعة أكفان بيضاء داخلها أربعة أطفال شهداء يبدو أنهم أشقاء وكتب عليها «اعمل لايك وشير واقرأ الفاتحة» بهذا الاستعمال وهذه الفجاجة وبعدها عدة صور قديمة لأطفال موتى ومصابين لزوم الغناء واللطم على ما يحدث فى غزة وأيضا تحت شعار «اعمل لايك» و«اعمل شير».. والحقيقة أنه رغم كل هذه الصور التى لا يمكن أن نتأكد من حقيقة ميعاد حدوثها وهل كانت فى صابرا وشاتيلا أم فى جنين أم فى رام الله أم فى العراق حتى فإن كثرة روائح الموت تجعلنا نعتاد العفونة والفناء وكثرة صور الأطفال الملائكة الضحايا بلا ذنب، غير ذنب الخونة من شعوبهم والسفاحين من محتليهم سوف تجعلنا نعتاد اغتيال البراءة وكثرة مشاهدة الدماء تجعلنا لا نجزع ولا نحزن ولا نغضب وهذا هو ما يحدث من أهل غزة الآن وفى نفس الوقت يدخل قطار فى أسيوط محطما أوتوبيس أطفال من الصعايدة ذاهبين إلى المدرسة فيقتل فوق الأربعة وخمسين طفلاً وفى نفس الوقت الذى نرى فيه «قنديل» رئيس وزراء الطابونة الشهيرة «بمصر» سابقا يزور غزة وخلفه عربات محملة بالأدوية والمعونة ليأخذ صورة مخصوصة وهو يقبل طفلاً شهيداً غزاوياً فلسطينى ولا أعرف هل انتظر والد هذا الطفل وصول قنديل لتكون الصورة معبرة ومؤثرة أم أنها صدفة ورئيس وزراء الطابونة حظه فى رجليه ليجد هذا الطفل التعيس ليلعب به ألعاب السياسة المكررة المقززة التى جعلت جلود العرب أشد غلظة من جلود إبلهم وبينما اعتاد أهل فلسطين للأسف الشديد المتاجرة بضحاياهم اعتادوا قبول الوطن البديل وكانت التجارب كثيرة فى الأردن بدأت وانتهت بأيلول الأسود ثم فى جنوب لبنان وتسببت فى حرب أهلية فى لبنان مزقت أواصر لبنان حتى اليوم ثم فى تونس ثم المحاولة التى كانت فى الكويت يوم أن خرج الفلسطينيون يهتفون لصدام محرر العرب وقاهر إسرائيل «الله يرحم موتانا أجمعين» ثم أخيرا غزة التى يبدو أن الشعب الفلسطينى نفسه لا يمانع فى التنازل عن وطنه لإسرائيل ليغتصب أرض مصرية لا يحكمها الآن أهلها للأسف بل مستثمرون يبيعون أرضا لم يذرفوا عليها دماً أما الاكتشاف المذهب الرائع بعد كل هذه الكآبة والسواد هو أهلنا نحن وعشيرتنا نحن الصعايدة رجال مصر الذين يشعون حضارة وأخلاقاً وأصالة.. لم نر صورة واحدة لطفل من أطفالهم مسجى فى كفن الصغير ولم نر دماء يتم التفاخر بها ونشرها للجميع ولم نر استغلالا ورقصا على جسد أطفالهم الأبرياء.. فإن لهم فى حرمة الموت كرامة وتراثًا وقيمًا ولهم فى طرق الغضب وسائل شرعية متحضرة واعية.. لذلك فقلوبنا تدمى حزنا لحزنهم وحزنا على ضحايانا من الأطفال الذين يأتون فى سلسلة ضحايانا الشرفاء الوطنيين من رجال وشباب قواتنا المسلحة وقت إفطار رمضان وشباب ضباط الشرطة الصغار ضحايا الإرهاب والخونة.. ثم أطفال أهلنا فى الصعيد ضحايا الإهمال والفوضى التى تضربنا منذ ما يقرب من عامين فى قلوبنا وحتى اليوم والأنكى والأخطر أن يحمل قنديل معه عربات الأدوية لضحايا غزة الذين يعدون على أصابع اليدين بينما يموت أبناء الصعايدة من الملائكة الصغار لعدم وجود أدوية ونرى المستشفيات فى أسيوط تستنجد بالصيدليات الخاصة للتبرع بالأدوية..

ولم يكن طرد رئيس وزراء الطابونة من محافظة أسيوط بهتاف مدوى «اطلع بره» إلا تعبيرا حقيقيا عن قدر الاختلاف بين انتماء الشهداء وانتماء الحكام فهم ليسوا منا ونحن لسنا منهم.. لاعزاء لهم فى أطفالنا وكل العزاء والصبر والسلوان لأبناء مصر.. نساؤنا ورجالنا وأهلنا فى أسيوط.