أحمد فايق يكتب : جدع يامرسى.. جدع ياباشا
افعلوا ماشئتم اقتلوا انهبوا أفسدوا فى الأرض، اجعلوا ثمن المواطن أرخص من «البهيمة»، الشعب بالنسبة لكم هو المخطئ فى كل شىء هو الذى قتل الثوار فى 25 يناير، هو الذى دهس نفسه أسفل الدبابات فى ماسبيرو، هو الذى حرق نفسه بالمولوتوف فى محمد محمود، هو الشعب الجاهل الذى لا يعرف قواعد المرور وألقى بنفسه أسفل عجلات قطار أسيوط، هو الذى نهب المليارات وهربها لبنوك سويسرا، هو الذى صدر الغاز لإسرائيل بأبخس الأسعار، هو الذى يعطى مصانع الحديد والأسمنت الكهرباء والغاز والمياه بأسعار مدعمة، هو الذى رفض وضع حد أدنى وأقصى للأجور، هو الذى رفض ضم الصناديق الخاصة لموازنة الدولة، هو الذى قتل شهداء بورسعيد وجنود رفح ومجلس الوزراء، ويتحمل مسئولية الاستعمار الأمريكى والصهيونى لمصر، هذا الكلام أوجهه للإخوان والفلول أيضا، فلا فارق بينهما.
لا تتعجب من هذا الكلام، فهناك من يردده ومؤمن به، ومستعد للدفاع عنه، هؤلاء العبيد الذين يرددون هذا الكلام، هم أنفسهم أصحاب نظرية أن الشعب المصرى غير مؤهل للديمقراطية، وأنه لا يستحق إلا الكرباج، هؤلاء يدعون فى كل مناسبة إلى إلقاء المصريين فى السجون، فهم شعب لا يستحق إلا ظلمتها الموحشة وجدرانها العفنة وأرضيتها الرطبة وحراسها الدمويين، من يرددون هذا الكلام ينتمون إلى طبقة الباشوات الجديدة فى مصر، هذه الطبقة التى صنعها الانفتاح الاقتصادى، فمن ينطبق عليه لقب باشا، يجب أن يكون ضابطًا كبيرًا فى الشرطة أو الجيش أو جهاز سيادى، والباشا أيضا قد يكون وكيلا للوزارة أو موظفًا كبيرًا، وطبعا الوزير هو «معالى الباشا»، ورئيس الوزراء هو «دولة الباشا الكبير»، أما رئيس الجمهورية فهو «البرنس»، وزوجته هى «الهانم»، وكل رجال الأعمال فى مصر بلا استثناء باشوات أيضا، وكل من يمتلك سيارة فخمة يقف لها الناس فى الشارع باشا، القضاة الكبار ورؤساء الأجهزة الرقابية باشوات، أما الشيوخ الكبار فلهم باشوية مختلفة تحمل لقب «مولانا الباشا»، والباشا فى مصر له الكثير من المزايا، فرغم أنهم لا يتخطون الآلاف إلا أنهم يشكلون دولة أخرى غير مصر التى نعرفها، هؤلاء يستطيعون الحصول على كل شىء بمكالمة تليفونية، بالتأكيد لديهم تأمين صحى وراتب كبير وسطوة ونفوذ، جزء غير قليل منهم يكره الثورة، يعتبرها لصا يحاول أن يسرق منه امتيازات انتزعها بقوة الفساد، ينظرون لشبابها باعتبارهم «شوية عيال»، لذا كان من الطبيعى أن تقترب هذه الطبقة من بعضها، تحمى مصالحها، وتتستر على فضائحها، وتؤكد نفوذها.
هذه المصالح لا تتحقق إلا بشروط، أولها أن يظل هذا الشعب فى جهل وفقر وجوع، أن تسيل الدماء يوميا حتى تجرى فى عروقهم دماء جديدة، تغيب العدالة الاجتماعية حتى يحظو بكل شىء، هى طبقة إقطاعية رأسمالية تتعامل مع مصر باعتبارها عزبة خاصة، وكل من حولهم لا يتعدون كونهم حيوانات الحظيرة، يأكلون بأوامرهم حتى يسمنوهم تمهيدا للذبح، فلا تنخدع بصراعاتهم السياسية، وحالة الاستقطاب الوهمية، فهؤلاء يعشقون مصر مبارك، ويكنون له التقدير والولاء، والولاء هنا ليس للشخص إنما لمنهجه فى التفكير والإدارة، لماذا يقبل رجل الأعمال بثورة تفرض عليه ضرائب جديدة وتجبره على رفع أجور العمال، لماذا يفقد كل هؤلاء لقب باشا من أجل «شوية عيال».
لكن هناك جزءاً غائباً عنهم، فالقتل المستمر للمصريين يوسع دائرة الثأر، والفقر يزيد من الجوع، والحرمان يؤدى إلى الكبت، وغياب العدل يصل بنا إلى شريعة الغابة، الانفجار حدث بشكل سلمى فى 25 يناير، فمن تنبه لهذا شباب الطبقة الوسطى، حاولوا التغيير بشكل سلمى يحافظ على ماتبقى من مصر، لكن الكبار رفضوا، والنظام ظل يتوحش، وبدلا من الانسحاب حفاظا على أرواح المصريين، بحث عن تحالف مع نظام الإخوان، والأرضية واحدة، فسياساتهم الإقتصادية لا تختلف، ونظرتهم للحريات لا تتناقض، فكانت النتيجة طبيعية، مثلما قتل مبارك المصريين فى العبارة السلام وقطار الصعيد بدأ مرسى فى قتلهم بقطار أسيوط، مثلما خضع مبارك لصندوق النقد الدولى خوفا من رجال الأعمال، استسلم مرسى لشروط الصندوق تجنبا لمصادمات مع الكبار، ذهب أحمد عز وجاء خيرت الشاطر، إذا كان فتحى سرور مات سياسيا فإن سعد الكتاتنى حى لا يموت، فلم يعد يحكمنا محمد حسنى مبارك وحده أو حتى محمد مرسى، بل حدث مزيج بين الاثنين نتج عنه الرئيس محمد مرسى مبارك.
جميعكم تتذكرون الفيديو الشهير لقناص العيون، حينما قال له العسكرى «جدع ياباشا.. جيبتها فى عينه ياباشا»، هذا المشهد كان يعبر عن «جدعنة» المشير والفريق فى إفقاد مصر نور العين، والمرحلة الظلامية التى أداروها، والجدعنة بين طنطاوى ومرسى لا تختلف كثيرا، فقد استخدمت الداخلية نفس القنابل المسيلة للدموع، ونفس رصاصات الخرطوش، والرصاصة التى قتلت «جابر» إكلينيكيا، وهذا أيضا يعبر عن جدعنة «مرسي» مع متظاهرى ذكرى محمد محمود، هذه المرة شباب الثورة غاضبون، الحاجة «سلمية» تقتل يوميا أفضل مافيهم، ينتفضون على طريقة انتفاضة الحجارة، فحجارتهم تواجهها قنابل ورصاص داخلية مرسى، وهتافهم يواجهه مدرعات نظام «الإخوان مبارك»، لكنهم كالعادة هم أفضل من أنجبت مصر، لا يعرفون الانتقام ولا القتل مثل الفلول والإخوان، حتى أقصى درجات غضبهم تأتى فى إطار الدفاع عن النفس.
كل قوى الظلام ستتحالف، والثورة قادمة رغما عنهم، اقتلوا كما تشاءون فسكان العشوائيات لن يتركوا الأخضر واليابس، مارسوا ظلمكم وقهركم للمصريين، فأنتم تعيشون فى أيامكم الأخيرة، وسيأتى اليوم الذى ستصبح فيه كلمة باشا لعنة تصيب من يحملها، ضللوا الناس بإعلامكم لأيام وربما لشهور، لكنه لن يرحمكم من ثورة الفقراء، التى ستتحول لفوضى عارمة، تقتل الجميع بلا تمييز، حذرنا ألف مرة لكن يبدو أن الغباء مرض أصيل عند الفاسدين، وغياب الوعى سمة من سماتهم، والمجد للشهداء والثورة مستمرة.