عادل حمودة يكتب: نجوم الإرهاب الجدد فى أمريكا

مقالات الرأي



■ سليمان بن جارسيا ولد فى ليبيا ودرس فى الأزهر وينفق على التفجيرات من أموال الزكاة ويصف المنظمات الإسلامية الأمريكية بالكفر

■ حصل على الماجستير فى الفقه من باكستان والدكتوراه فى الشريعة من صنعاء ويجاهر بتأييد داعش علنا والمباحث الفيدرالية تخشى الاقتراب منه خوفا من أنصاره

■ الأمن يعتقل أمريكيين من أصل مصرى فى القاهرة بتهمة الإرهاب والسفارة الأمريكية ترفض إعادتهما إلى الولايات المتحدة

■ ضابطا أمن مصر للطيران ورطا مصر فى قضية تفجيرات منهاتن ونيوجيرسى بعد أن سال لعابهما على حقيبة من «لو فيتون» دون أن ينتبها لوجود قنبلة فى داخلها


عندما هبطت مطار جون كيندى فى نيويورك كان «رحامى» فى استقبالى.. وعندما غادرته عائدا إلى القاهرة كان «بن جارسيا» فى وداعى.. وبينهما عشت مع «جاستا».

رحامى هو أحمد خان رحامى.. شاب مسلم من أصل أفغانى.. عمره 28 سنة.. جاء إلى نيويورك وعمره 7 سنوات.. وحصل على الجنسية الأمريكية.. وعمل مع والده فى مطعم متخصص فى وجبات الدجاج المقلى.. يحمل لافتة «فيرست أمريكان فرايد تشكن».. واشتهر بالود والهدوء.. وإن لم يكن له أصدقاء.. أو «جيرل فريند».

لكن.. شخصيته تغيرت بعد أن زار أفغانستان وباكستان قبل ثلاثة أعوام.. ولم يتردد والده فى إبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف بى آى» بأن أبنه صار متطرفا.. لكن.. لم يأخذ أحد ما قاله بجدية إلا بعد أن فجر عبوة ناسفة فى منطقة تسلسى الراقية بحى مانهاتن الراقى.. أصابت 31 شخصا.. وفجر عبوة أخرى فى منطقة سى سايد بارك بحى نيوجيرسى المتواضع لم تصب أحدا.

وما إن انتهى رحامى من عملياته حتى ذهب إلى بار فى شارع إليزابيث لينام فيه.. ولكن.. صاحب البار المكسيكى الأصل طلب منه باللغة الإسبانية مغادرة المكان.. وفى تلك اللحظة وصلت سيارات الشرطة.. وما إن أخرج رحامى مسدسه حتى انهال الرصاص عليه.. فأصيب فى بطنه.. ولوثت الدماء دفتر مذكراته الذى كان يخبئه تحت ملابسه.. وإن لم تمنع قراءة ما كتب فيه معبرا عن إعجابه بزعيم القاعدة أسامة بن لادن.. مضيفا: «إن شاء الله سيسمع دوى القنابل فى الشوارع».. «الرصاص لشرطتكم والموت لقمعكم».

ولم يتردد فى أن يعلن أنه «انتقم للمجاهدين فى أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين».. وأنه كان يدعو الله «أن ينفذ ما شاء قبل الوقوع فى يد الأمن».

وعندما سئل جيم واترز رئيس وحدة مكافحة الإرهاب فى شرطة نيويورك عن سبب فشلهم فى التوصل إلى رحامى قبل تنفيذ عملياته أجابوا: «إنه لم يكن تحت المراقبة فهو لا يصلى فى المسجد!».

إن تعليمات «إف بى آى» تجبر أئمة المساجد على تخصيص غرفة خاصة لواحد من مخبريه لسماع خطبة الجمعة التى يجب أن تلقى باللغة الإنجليزية بجانب اللغة العربية.. وتسجل الكاميرات وجوه المصلين لتصبح صورهم أرشيفا يسهل الرجوع إليه عقب كل حادث إرهابى.. فالمسلمون متهمون إلى أن يثبت العكس.

على أن ذلك لم يمنع أحد عملاء «إف بى آى» من أن يقف وسط المصلين بعد انتهاء صلاة الجمعة فى أحد مساجد مدينة أتلانتا «ولاية جورجيا» ليعلن أنه بعد ثلاث سنوات من المراقبة الدقيقة وجد فيما سمع مبادئ دينية راقية جعلته متحمسا لإشهار إسلامه.. وبالفعل.. قرأ الشهادتين.. وصلى ركعتين لله.. بنية الهداية.. واحتضن الإمام وسط دعاء المصلين له بالمغفرة.

وقعت تفجيرات رحامى مساء يوم السبت 17 سبتمبر الماضى قبل وصولى نيويورك بيومين.. وسمعت من سائق سيارة الليموزين التى حملتنى إلى فندق «جى دبليو مريوت» وهو أمريكى من أصل مصرى: «نحمد الله أن الجانى ليس عربيا».. لكن.. لم تمر سوى ساعات قليلة حتى وجدنا أنفسنا طرفا فى القضية».

لقد وضع رحامى إحدى عبواته الناسفة فى حقيبة من «لو فيتون».. الماركة الأكثر شهرة والأغلى ثمنا فى صناعة الحقائب.. وقد تركها على رصيف أحد شوارع مانهاتن.. والتقطت الكاميرات المشهد.. لكنها.. أضافت إليه مشهدا أكثر إثارة.

كان ضابطا الأمن فى مصر للطيران حسن على وأبو بكر رضوان «35 و42 سنة» يمشيان فى نفس الشارع عندما لفتت الحقيبة نظرهما.. ولم يكن من الصعب عليهما معرفة قيمتها.. فسارعا بفتحها.. وإخراج كيس أبيض فى داخها وتركه فى عرض الطريق.. وحملا الحقيبة وغادرا المكان.. بل غادرا نيويورك على متن الرحلة رقم «861» عائدين إلى القاهرة.

دون قصد منهما.. أفسد الرجلان القنبلة التى كانت موضوعة فى آنية طهى «حلة بريستول» كاد أحدهما أن يحملها معه لولا أنها تثير الشبهات عند وضعها على الطائرة.

لم توجه الشرطة اتهاما لهما.. واعتبرتهما شاهدين.. وطلبت من السلطات المصرية أن يعودا إلى نيويورك لسماع أقوالهما.. لكن.. ذلك لا ينفى شعورا بالدهشة من تصرفهما.. فهما بحكم خبرتهما كان يجب عليهما الابتعاد عن الحقيبة مهما بدت مغرية.. فلا أحد يترك حقيبة لو فيتون فى الشارع إلا إذا كان وراءها جريمة.. كما أنهما تعودا على عدم الاكتفاء بإجراءات الأمن فى المطارات ويصران على تفتيش حقائب الركاب قبل دخول الطائرة.

لقد ضاعفا بما فعلا درجة الإثارة فى حوادث رحامى التى كانت فى استقبالى.. قبل أن تتضاعف الإثارة بحادث بن جارسيا الذى كان فى وداعى.

صباح يوم الأحد الماضى.. يوم عودتى إلى القاهرة كنت أتناول إفطارى فى مقهى «ستار باكس» القريب من فندق «وولدورف ستوريا» الذى كنت قد انتقلت إليه عندما وجدت فى الصفحة الأولى من صحيفة «نيويورك تايمز» خبرا رئيسا عن ابن جارسيا تحت عنوان: «إمام متطرف يختبر قوة المباحث الفيدرالية».

لقد خدم سليمان أنور بن جارسيا «59 سنة» أكثر من عشر سنوات فى الدعوة الإسلامية فى ولاية ميرلاند.. ولجأ إليه كثير من السجون المتشددة ليرشد المساجين المسلمين إلى طريق الهداية.. واختير إماما لمساجد فى أنابوليس.. وفى عام 2011 قدم دورة لمدة أسبوعين تحدث فيها عن الزواج وتكريم المرأة فى الإسلام.. وكان واحدا ممن استقبلوا الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى مركز بالتيمور الإسلامى.

وقد ولد ابن جارسيا فى ليبيا ودرس فى الأزهر قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة.. وحصل على الماجستير فى الفقه الإسلامى من الجامعة الإسلامية العالمية فى إسلام أباد وحصل على الدكتوراه من جامعة صنعاء فى نفس التخصص.. وتشتهر الجامعتان بتوزيع منشورات تطالب بالإفراج عن الإرهابيين ومنفذى التفجيرات.. وتعدان ساحة نشطة لتجنيد الانتحاريين الجدد.

كانت تلك الشهادات بداية انقلاب فى حياة الداعية الذى وصف بالاعتدال فيما قبل.. خلال العامين أصبحت تصريحاته العلنية أكثر تطرفا.. وهاجم من يرفضون الخلافة قائلا: «إنهم مجرمون لا تقطع أيديهم».. وعلى صفحات الفيسبوك أيد بجرأة تنظيم داعش.. ونشر فيديوهات مؤلمة لمقاتلى التنظيم وهم يذبحون ويحرقون ضحاياهم وهم أحياء.. وأشاد بالهجمات الإرهابية التى وقعت فى باريس وبروكسل ولندن وروما ونيويورك والعريش والشيخ زويد.

أكثر من ذلك أسس فى العام الماضى موقعا على الإنترنت اسماه «مركز الفقه الإسلامى».. بدا فيه مؤمنا بأفكار سيد قطب التكفيرية.. واصفا المساجد فى الولايات المتحدة «2500 مسجد» بأنها مساجد غير شرعية.. ووصف المنظمات الإسلامية المعتدلة بأنها كافرة لقبولها العيش بجزء من الشريعة.. والمؤكد أن كثيراً من الفتاوى التى يصدرها تجد صداها فى سوريا والعراق وباكستان.

وهناك شهادة خطية تقدمت بها المباحث الفيدرالية إلى المحكمة الاتحادية تشير إلى أنه قدم 1300 دولار فى عام 2015 إلى رجل فى مدينة ديترويت «ذات الأغلبية العربية» استخدمها فى شراء أسلحة ومتفجرات.. وفى يوليو الماضى اعتقل الرجل الذى يدعى سباستيان جرجيروسى.. وهو أمريكى اعتنق الإسلام وأطلق على نفسه اسم عبدالرحمن بن ميكائيل.. ووجهت إليه تهمة حيازة مواد متفجرة.

ومنذ نحو العام نشر على موقع المباحث الفيدرالية بطريق الخطأ أن عملاءها يشكون فى أن الرجلين يدبران لعمل إرهابى تحت رعاية «داعش «وسرعان ما حذف التحذير.

لكن.. لا تملك السلطات الأمريكية دليلا على ما تتوقع.. خاصة أن ابن جارسيا سجل فى دفاتره أنه ما دفعه إلى جرجيروسى كان من أموال الزكاة والصدقة.

وكانت المباحث الفيدرالية قد تعرضت لانتقادات عنيفة من الصحف والشبكات الإخبارية ومسئولى البيت الأبيض لفشلها فى مواجهة التحذيرات المسبقة التى تلقتها قبل تنفيذ هجمات أورلاندو «فلوريدا» فى يونيو الماضى.. أو فى نيويورك ونيوجيرسى مؤخرا.

وكانت المباحث الفيدرالية قد ألقت القبض على ضابط بشرطة النقل فى مدينة فيرفاكس «فيرجينيا» بعد مراقبة استمرت ست سنوات بتهمة توفير الدعم المالى لتنظيم داعش.. لكن.. كان السؤال الذى عجزت أجهزة الأمن فى الإجابة عنه: «لم انتظرت كل هذا الوقت ؟ «.

وفى يوم وصولى نيويورك نقلت على الهواء جلسة استماع لمدير المباحث الفيدرالية جيمس كومى إعترف فيها بالحرج الذى يعانى منه قائلا: «إن التحدى الذى يواجه رجالى هو صعوبة تحديد الفرق بين حرية التعبير ودعوات التحريض».. «إن الإعجاب بتنظيم داعش يندرج تحت حرية التعبير وعندما يكون المشتبه فيه إمام مسجد فإن الأمر يزداد تعقيدا».

يقول سيموس هيوز نائب رئيس برنامج مواجهة التطرف فى جامعة جورج تاون «واشنطن»: «إن من الممكن أن يبقى ما يفعل ابن جارسيا فى حدود القانون.. وهو ما يجعلنا أمام حالة محيرة.. ومثيرة للقلق.. فالإمام قد يدفع أنصاره إلى تجاوز الحدود.. خاصة أنه يبدو مالكا لكثير من الأموال.. فقد جمع فى آخر عامين 902710 دولارات من فاعلى الخير لكن هل تذهب الأموال إلى أعمال الخير فعلا».

فى حوار مع جريدة «ديترويت نيوز» أجاب ابن جارسيا عن السؤال قائلا: إنه يساعد المحتاج مثل جرجيروسى ولكنه غير مسئول عما ما يفعل بمال المساعدة.

وأضاف: «إن ما يثير الشفقة أن تفسر السلطات ما يفعل حسب هواها.. ولو كان الوضع قد وصل إلى هذا الحد فإنه يفضل أن يكمل ما تبقى من حياته فى السجن».

وتكشف الوثائق أنه أرسل أموالا ثلاث مرات إلى شخص مجهول فى اليمن.. وأنه على اتصال بعدد من المشتبه فى تورطهم فى أعمال إرهابية مثل يوسف ويلى الذى اعتقل فى فيرجينيا «يوليو الماضى» بتهمة حيازة أسلحة دون سند قانونى وسبق أن أدين فى عملية سطو.

وقد لفت ويلى الانتباه إليه أول مرة عام 2010 عندما اعتقل هو وشقيقه يحيى فى القاهرة رغم أنهما يحملان الجنسية الأمريكية ومنعتهما المباحث الفيدرالية من العودة إلى الولايات المتحدة.. وهو إجراء تلجأ إليه السلطات الأمريكية عندما يشكل شخص خطرا أمنيا.. واحتج الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية على ذلك.. مؤكدا أنه يعد انتهاكا لحقوق المسافرين.

فى جلسة اعتقال يوسف ويلى قالت السلطات: إنه أبلغ أحد العملاء السريين بأنه يؤيد تنظيم داعش وانه إذا لم يتمكن من الانضمام إليه فى الخارج فإنه سوف يشن هجوما على مركز تجنيد عسكرى فى فيرجينيا ربما باستخدام متفجرات.

قالت محاميته نينا جينسبيرج: «إن موكلها فى تسجيلات مع عملاء سابقين للأمن تراجع عن تلك التصريحات.

وفى بالتيمور اعتقل شاب آخر يدعى مالك العليم جونز قبل نهاية العام الماضى ووجهت إليه تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية إفريقية بعد أن تأثر بالدروس الدينية التى سمعها من ابن جارسيا.

فى هذا المناخ المثير لزوابع الإرهاب والتطرف كان من السهل تمرير قانون جاستا وفشل أوباما فى استخدام حق الفيتو ضده.. بل أكثر من ذلك جرى تمرير القانون فى مجلس الشيوخ «100 عضو» بأغلبية 97 ضد ثلاثة فقط.. وفى مجلس النواب «435 عضوا» أيده 348 عضوا واعترض عليه 37 صوتا.. والمذهل أن الديمقراطيين تسابقوا لتأييده خشية أن يؤثر اعتراضهم على مرشحتهم هيلارى للرئاسة هيلارى كلينتون.

وطبقا للقانون يحق لأسر الضحايا فى هجمات سبتمبر طلب تعويض من الدول التى جاء منها منفذو الهجمات ومنها السعودية ومصر التى جاء منها محمد عطا.

وقد بدأ محامون فى رفع دعاوى ضد السعودية بالفعل.. ولكن.. هناك ضغوطاً داخلية وخارجية لمراجعة القانون.. حماية لمصالح الولايات المتحدة مع دول مؤثرة مثل السعودية ومصر.. خاصة أن بعض مواد القانون تسمح للمدعى العام الأمريكى بالتدخل وتعليق قضايا يراها مضرة للصالح العام.. كما يحق للحكومة الأمريكية تجميد قضايا ضد دول أجنبية إذا ما شهد وزير الخارجية أن تلك الدول بريئة من دعم الإرهاب أو أنها ضحية من ضحاياه.. وفى الوقت نفسه.. لا يبيح القانون تجميد أموال الدول المتهمة.

لقد كان السير فى شوارع نيويورك خطرا فى الليل بسبب عصابات السرقة المسلحة لكنه الآن أصبح أشد خطورة فى النهار بسبب مخاطر التفجيرات الإرهابية التى أصبحت قنابلها توضع فى حقائب فاخرة لا يقل سعرها عن خمسة آلاف دولار مثل لو فيتون.. بائع الأحلام الجديد فى العالم.. وساحر الرجال قبل النساء.