مى سمير تكتب: الفضائح الجنسية للجيش الأمريكى

مقالات الرأي



«البحرية» توقف برنامجاً تدريبياً شهد اعتداءات وتحرشات جنسية وبلطجة وقهراً ومضايقات ضد المتدربين

500 جندية تم تصويرهن عاريات فى حمامات المعسكرات

80 واقعة اغتصاب فى الكليات العسكرية

36 جندية وضابطة تم اكتشاف حملهن بـ«سفينة الحب» أثناء الحرب الأمريكية ضد العراق

300 ضابط تم إيقافهم بعد التحرش بـ83 ضابطة وجندية خلال مؤتمر عسكرى بفندق

25 حالة اعتداء جنسى فى الفترة من 2008 إلى 2009


الجيش الأمريكى، هو أكبر جيوش العالم بلا منازع وأكثرها انتشاراً فى مختلف أنحاء العالم، وتصل ميزانيته السنوية إلى 500 مليار دولار سنوياً، وعلى نفس درجة توسع الانتشار هذه القوات فى مختلف أنحاء العالم، تكشف كثير من التقارير الصحفية الوجه غير الأخلاقى للذراع العسكرية لواشنطن.

آخر هذه الفضائح كشفت عنها الصحافة الأمريكية التى تعرضت لتعليق برنامج تدريبى بإحدي الأكاديميات العسكرية الأمريكية بسبب اتهامات تتعلق بالتحرش الجنسى والبلطجة، ولكن هذه القضية ليست سوى حلقة فى سلسلة لا نهائية من فضائح الجيش الأمريكى.


1- اعتداءات وبلطجة داخل الأكاديمية البحرية

تشهد الأكاديمية البحرية الأمريكية حالة من الاضطراب بسبب مخاوف من اتهامات عن انتشار أعمال بلطجة واعتداءات جنسية يتعرض لها الطلاب أثناء التدريبات العملية ما أدى إلى إيقاف مؤقت لبرنامج التدريب الرئيسى لها، والقائم على إرسال الطلاب للتدريب على السفن العاملة فى البحار لمدة عام، وتأتى هذه الاتهامات لتكشف جزءا من فساد المنظومة العسكرية الأمريكية التى شهد تاريخها كثيرا من الفضائح الأخلاقية والمالية.

تقع الأكاديمية البحرية الأمريكية، المعروفة باسم الأكاديمية البحرية التجارية فى نيويورك، فى مدينة نيويورك، وهى واحدة من 5 أكاديميات عسكرية فى المدينة، وتتولى الأكاديمية تدريب ضباط الولايات المتحدة على فروع الهندسة البحرية، الملاحة، إدارة السفن، القانون البحرى، وغيرها من المهام التى تؤهل هؤلاء الضباط على قيادة السفن العسكرية أو التجارية الأمريكية.

وكانت الصحافة الأمريكية قد تناولت بشكل مفصل تفاصيل هذه الأزمة التى تهدد سمعة واحدة من أهم الأكاديميات العسكرية الأمريكية التى يتخرج فيها ضباط البحرية الأمريكية كما يتخرج فيها ضباط على سفن تجارية، وهى الأكاديمية الوحيدة الخاضعة لإشراف وزارة النقل.

دفع إغلاق البرنامج التدريبى عددا من أولياء الأمور إلى اتهام المسئولين بالتسرع فى اتخاذ مثل هذا القرار دون وجود أدلة قوية تثبت الاتهامات بوقوع حوادث بلطجة واعتداءات جنسية يتعرض لها الطلبة.

ولكن إدارة الأكاديمية التى يصل عدد طلبها إلى 900 طالب، لم تستجب لهذه الانتقادات وأعلنت أنها لا تفكر فى التراجع عن قرار إيقاف برنامج التدريب، وذكرت أن هناك تحقيقا جاريا حول هذه الاتهامات، والأمر قد يستغرق عدة أشهر قبل إعادة برنامج التدريب مرة أخرى.

وأكد الأدميرال جيمس هيليس، مدير الأكاديمية، أن التوازن بين التدريب العملى على سفن تجارية وقيمة وأهمية هذا التدريب من ناحية وخطورة الوضع والتهديدات المتعلقة به من ناحية أخرى جعله يتخذ قرار إيقاف البرنامج.

وقال الأدميرال هيليس، إن مثل هذا القرار تم بعد قراءة لاستفتاءات حكومية حول الاعتداءات الجنسية على السفن البحرية، والمقابلات مع الضباط البحريين العائدين من البحر، كما أنه لا يوجد رقم محدد لمثل هذه الاعتداءات ولكن هناك تراكما لأدلة من مصادر مختلفة أدت جميعها إلى نفس النتيجة وهى أن الطلاب يتعرضون أثناء هذا التدريب العملى ليس فقط لاعتداءات وتحرشات جنسية ولكن لأعمال بلطجة، معاكسات، وقهر ومضايقات تؤثر على نفسيتهم، ورفض هيليس التعليق على التحقيقات الجارية داخل الأكاديمية، لأن قوانين المؤسسة تمنعه من الكشف عن تفاصيل هذه التحقيقات.

وكانت إحدى خريجات الأكاديمية تدعى إريكا لوسن، قد قالت لجريدة واشنطن بوست، إنها تعرضت فى عام 2012 لمحاولة اعتداء من قبل زميل بدرجة أكبر أثناء العام التدريبى الذى تقضيه فى البحار، وأن الأمر استغرق منها عاما كاملا قبل أن تقدم شكوى للسلطات داخل الأكاديمية واصفة التدريب العملى بالتجربة السيئة للغاية، وأكدت أن هناك تحقيقات جارية فى الأكاديمية بشأن تلك المزاعم، لوسن -حسب قولها- شعرت أثناء هذا التدريب العملى أن عليها أن تصمت ولاترفع رأسها حتى تمر هذه التجربة بسلام.

كما كشفت ضابطة صف لوكالة الأنباء أسوشيتيد برس، رفضت الكشف عن هويتها، خوفاً من تعرضها للانتقام، عن حادثة وقعت داخل جدران الأكاديمية، فى العام الماضى، عندما أمرت مدربة اثنتين من الطالبات بصب الماء على قميصيهما، كاختبار لمعرفة ما إذا كانت هذه القمصان من النوع الشفاف، ورغم أن ضابط برتبة أعلى قدم تقريرا عن هذه الواقعة، كما قدمت الطالبات تقريراً إلا أن هذه المدربة لاتزال فى موقعها وتمارس عملها دون أى مشكلات.


2- تاريخ من الفضائح

عرف تاريخ المؤسسة العسكرية الأمريكية كثيرا من الفضائح التى طاردت المسئولين وألقت بظلالها على أخلاقيات الضباط الأمريكان، لعل آخرها ما تعرضت له أكاديمية ويست بوينت، التى تعد واحدة من أقدم وأعرق الأكاديميات فى الولايات المتحدة الأمريكية، فى عام 2013، حيث تم اتهام رقيب من الدرجة الأولى، بالسماح للطلاب بتصوير زميلاتهن من الطالبات بالأكاديمية أثناء الاستحمام بدون علمهن.

يذكر أن 15% من طلاب أكاديمية ويست بوينت من الفتيات ويبلغ عدد الطلاب ما يقرب من 4500 طالب، أى أن هناك ما يقرب من 500 طالبة تعرضن لاختراق خصوصيتهن على هذا النحو الشائن داخل جدران أهم أكاديمية عسكرية فى أمريكا.

وكشفت هذه القضية أنه رغم إدراج المرأة فى المواقع القتالية وتنفيذ سياسات ترفع شعارات المعاملة العادلة والمتساوية بين جميع من يرتدون الزى العسكرى، إلا أن قضايا التحرش والاعتداءات الجنسية ضد الجنديات والضابطات الأمريكيات تعد واحدة من أخطر المعضلات التى تواجه الجيش الأمريكى.

ويبدو أن الوضع لا يختلف كثيرا داخل الأكاديميات العسكرية، فحسب موقع ذاريشست، شهدت أكاديمية ويست بوينت 80 حالة اعتداء جنسى فى الفترة من 2011 إلى 2012 فى مقابل 25 حالة اعتداء فى الفترة من 2008 إلى 2009، وتعكس هذه الأرقام حقيقة تصاعد هذه الظاهرة والعجز الأمريكى عن التصدى لها.

كما تعرض الجيش الأمريكى لفضيحة انتشرت تفاصيلها فى مختلف أنحاء العالم ولعب بطولتها واحد من رموز الجيش الأمريكى وأشهر قادته فى السنوات الأخيرة وهو الجنرال ديفيد بتريواس، الذى كان يشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، عندما كشف تحقيق أجرته المباحث الفيدرالية عن وجود علاقة عاطفية غير شرعية تجمعه بالكاتبة الصحفية بولار برودويل، والتى كانت تتولى كتابة مذكراته.

وقدم بتريواس استقالته بعد الكشف عن هذه العلاقة التى بدأت فى أثناء خدمته العسكرية فى أفغانستان، وتسببت هذه الفضيحة فى حرج شديد للجيش الأمريكى وإدارة البيت الأبيض خاصة أن تحقيقات المباحث الفيدرالية تطرقت لإمكانية تسرب بعض معلومات الأمن القومى الأمريكى من جانب بتريواس إلى عشيقته، ولكن لم يتم إثبات صحة هذه المزاعم.

ولاتزال قائمة الفضائح الأخلاقية التى تطارد الجيش الأمريكى، عديدة ومختلفة ومنها فضيحة المدمرة العسكرية يو إس آى أكاديا، أول سفينة أمريكية تضم ضابطات فى زمن الحرب، وأصبح اسم السفينة فى أروقة البنتاجون «سفينة الحب» بعد الكشف عن حمل 36 جندية وضابطة أمريكية على متن السفينة الأمر الذى تطلب نقلهن من الخدمة أثناء الحرب الأمريكية ضد العراق فى عام 1991.

لدى البحرية الأمريكية قواعد صارمة تجاه العلاقات العاطفية بين عناصر الجيش الأمريكى من رجال ونساء خاصة أثناء التواجد فى أرض المعركة، وحاول المتحدث باسم البحرية فى ذلك الوقت القائد جيف سمالوود، التخفيف من أثر هذه الفضيحة حيث أشار إلى أن الحمل حدث أثناء تواجد المدمرة العسكرية فى هاواى والفلبين، بعد إجازة تم منحها لجميع العاملين بالمدمرة وليس أثناء مشاركتهم فى الحرب، كما أنه لم يكن هناك أى مؤشرات عن علاقات غير لائقة بين الرجال والنساء على متن السفينة.

وإذا كانت مدينة لاس فيجاس تشتهر باسم مدينة الخطيئة فى الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الجيش الأمريكى لم يكتف بارتكاب خطيئة واحدة ولكنه ارتكب 83 جريمة تحرش ضد ضابطات وجنديات أمريكيات شاركن فى مؤتمر عسكرى هناك عام 1991 ووقعن ضحايا للتحرش من قبل زملائهم فى فندق الهلتون الذى استضاف المؤتمر لمدة 3 أيام، وكان لهذه الحادثة آثار كبيرة على الجيش الأمريكى حيث تم فتح باب تحقيق موسع من قبل المفتش العام لوزارة الدفاع.

كشف هذا التحقيق عن عقيدة متجذرة من التقاليد الكارهة للنساء فى الجيش الأمريكى والتى أدت لانتشار اعتقاد بأن الضباط والجنود بإمكانهم التحرش بالعاملات فى الجيش الأمريكى دون عقاب، وترتب على هذا التحقيق إيقاف أكثر من 300 ضابط أمريكى.

تتعدد خطايا الجيش الأمريكى وفضائحه الأخلاقية، ولكن تبقى فضيحة سجن أبو غريب العراقى والتى كشفت الممارسات غير الإنسانية من قبل الجنود الأمريكان تجاه السجناء العراقيين، ويبدو أن مسلسل تعذيب الجيش الأمريكى للمحتجزين لديه لا ينتهى، فمنذ عدة شهور كشفت وزارة الدفاع الأمريكية عن مجموعة من الصور من ضمن أكثر من ألفى صورة تتعلق بتحقيقات حول إساءة معاملة المعتقلين من قبل قوات الولايات المتحدة الأمريكية فى العراق وأفغانستان.

كشفت هذه الصور عن لقطات مقربة للمساجين الذين تعرضوا للإساءة كما ترصد الكدمات والإصابات التى تعرضوا لها، ورغم عدم وضوح أغلب هذه الصور إلا أنها تكشف عن الإساءات التى تعرض لها السجناء فى العراق وأفغانستان على يد الجيش الأمريكى فى الفترة من 2003 إلى 2006.

وبحسب موقع ذا انترسبيت، فإن الصور التى تم الإفراج عنها هى أقل الصور قسوة من أصل الألفى صورة التى ترصد مثل هذه الانتهاكات، والتى تم الاحتفاظ بها وإدراجها تحت فئة سرى للغاية، وبررت وزارة الدفاع الإبقاء على سرية هذه الصور وعدم الكشف عنها بأنها تشكل تهديدا للأمن القومى الأمريكى حيث قد تتحول إلى أداة للدعاية من قبل تنظيمات مثل القاعدة وداعش.

وكان اتحاد الحريات المدنية الأمريكية، رفع قضية فى عام 2004 بهدف الحصول على صور انتهاكات الجيش الأمريكى فى أعقاب تسرب صور الإساءة والتعذيب التى تعرض لها سجناء سجن أبوغريب العراقى.

وترصد الصور قيام الجنود الأمريكان بالوقوف على جثث المحتجزين، وبضرب وسحل الأحياء منهم وكذلك تجريدهم من ملابسهم، وفى ذلك الوقت أكد القائد العسكرى جارى روس، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية فى بيان، أن الوزارة أجرت محاكم عسكرية لـ26 جندياً وضابطاً من أصل الـ65 شخصا الذين تعرضوا لإجراءات تأديبية بشأن الانتهاكات التى ترصدها هذه الصور.


3- قصة الـ500 مليون دولار

فى بداية هذا الأسبوع ظهرت مجموعة من التقارير الصحفية فى عدد من المواقع الإخبارية عن قيام البنتاجون بإنفاق 500 مليون دولار من أجل إنتاج فيديوهات مزورة عن تنظيم القاعدة، وبحسب موقع انتى وير، السياسى الشهير على الإنترنت فإن البنتاجون أنفق أموالا طائلة من أجل الدعاية لحربه على العراق فى 2003، وتضمنت هذه الدعاية ليس فقط التبرير لهذه الحرب ولكن أيضاً التغطية على فضائح الجيش الأمريكى.

لكن هذه الدعاية لم تكن سوى قمة الجبل الجليدى التى تطفو على السطح وتخفى فى أعماق البحر الجزء الأكبر من الجبل، فقد تم الكشف أن وكالة للعلاقة العامة فى لندن تحت اسم بيل بوتنجير، حصلت على 540 مليون دولار لفبركة فيديوهات لتنظيم القاعدة لمصلحة البنتاجون، واعتمدت الفيديوهات على تسجيلات ومادة موجودة بالفعل لتنظيم القاعدة تمت إعادة استخدمها بما يخدم المصالح الأمريكية.

وكانت وظيفة الوكالة البريطانية قائمة على 3 أهداف أولاً إنتاج فيديوهات سلبية عن تنظيم القاعدة، وتقديم مواد إخبارية مزورة ووهمية باعتبارها من إنتاج القنوات العربية، وأخيرا إنتاج مواد تروج لأنشطة تنظيم القاعدة.

وكان الجيش الأمريكى فى العراق يستخدم هذه الأشرطة المزورة التى تروج لأنشطة القاعدة خلال عمليات التفتيش لبيوت العراقيين، حيث يتم دس مثل هذه المواد المزورة وإلصاف تهمة امتلاكها للعراقيين المشتبه بهم لتبرير عمليات القبض عليهم.

وعمل موظفو الوكالة الدعائية فى العراق من داخل قاعدة معسكر فكتورى وكانوا يتلقون التعليمات المباشرة من قادة الجيش الأمريكى، وبلغ عدد موظفى الشركة فى العراق ما يقرب من 300 موظف، وأكد البنتاجون فى بيان أن تعاونه مع وكالة العلاقات العامة البريطانية استهدف وضع استراتيجيات خاصة بالعمليات الإعلامية والنفسية المتعلقة بعمل الجيش الأمريكى فى العراق، وأن جميع الفيديوهات التى أنتجتها الشركة حقيقية وليست مفبركة.

ولا يقتصر الأمر على هذه الوكالة، حيث فتحت هذه الوكالة الباب لعشرات من شركات العلاقات العامة للعمل فى العراق، وفى الفترة من 2006 إلى 2008 وصل عدد هذه الشركات لـ40 شركة تنتج المواد الإعلامية وأشرطة الفيديو وتجرى استطلاعات للرأى.