قصر الخديوي توفيق.. أيقونة أثرية تتحول إلى وكر للإجرام وتجارة المخدرات.. (تحقيق)
•أنشأه "الخديوي توفيق" عام 1888 وأهداه لزوجته "أمينة"
•تحول إلى مدرسة بعد عام 1930.. والآن تسكنه "الثعابين والأشباح"
•أحد سكان المنطقة: القتلى يخفون الجثث داخله.. وأخرى: تسكنه أشباح
•خبير آثار: القصر بحاجة إلى اهتمام.. وترميمه سيجعله ثروة قومية
تحفة معمارية عتيقة من التراث العثماني، يقع على أعتابها التاريخ، كما تعكس ملامح من جماليات الفن الإسلامي، محاطة بالكامل بأبنية ضخمة مترابطة فيما بينها، الشكل الخارجي للمبنى يوحي للناظر أنه حصن ضخم إذ أن جدرانه سميكة ومرتفعة وشدت بدعامات واضحة، توازيها أكوام هائلة من القمامة كأنها تخوض سباقًا مع مساحته.
مع أول نظرة تلتقطها العين لذلك المبنى الأثري المُهمل هي نظرة تساؤل يشوبها القليل من الإرتباك، هل ما تراه هو إرثاً تاريخياً أم مجرد ركاماً لمنزل قد تهدم ووقع نتيجة وصوله إلى أرزل أعماره؟ تستطيع أن ترى بوضوح من الخارج أكوامًا لا حصر لها من النفايات الطبية الناتجة من المستشفى العام بحلوان، حيث يقع قصر "الخديوي توفيق"، بالجهة الخلفية للمستشفي.
تاريخ القصر
وعن تاريخ القصر المعماري، أنشأه "الخديوي توفيق" عام 1888، وأهداه إلى زوجته "أمينة" هانم وبعد حريق سراي عابدين كان يعقد فيه اجتماعته حتى توفي به في عام 1892، مساحته 24 فدان، ويتكون من مبنيين، وهما الحرملك والسلاملك، عدا المباني الملحقة لإقامة الخدم والمطابخ والإسطبلات، ويتكون الحرملك من دورين عدا بدروم لهُ سقف جمالوني، وهو مبني على طراز معماري كلاسيكي يتضح فيه التأثر بمباني عصر النهضة في أوروبا، أما السلاملك فهو مبنى مكون من دور واحد وبدروم، وبجانب القصر، بنى الخديو فندقًا آخر لاستيعاب الأعداد الوافدة للاستشفاء في حلوان، كما بنى كازينو للترفيه عن سكان حلوان من الأجانب والمصريين.
وأفل نجم القصر ابتداءً من سنة 1930، في عهد الملك فؤاد حين هدم الفندق الذي يحمل اسم الخديوي توفيق، وتم تحويل أجزاء من سراي أمينة هانم إلى مدرسة ثانوية للبنين، ثُم مدرسة تجارية، أما الحرملك فيُستخدم كمخزن لإحدى المدارس، كما أحاطت بهِ مدارس فتكاد تُخفيه تمامًا عن المارة، أما الجزء المتبقي فهو مهجور تسكنه الثعابين، ومن ثم بات في الوقت الحالي وكرًا للمخدرات والدعارة والخارجين عن القانون وسط تجاهل تام من المسئولين.
مكان لإخفاء جثث القتلي
وبسؤال الأهالي المتواجدين في محيط القصر، قال محمد سويلم، صاحب سوبر ماركت، إن القصر تحول لمعمل تحاليل منذ عشر سنوات، ولكن هجر مرة أخرى، مشيراً إلى حدوث سرقة للقصر من نوافذ وأسقف وأخشاب وكل مايخص الإنجليز منذ أربع سنوات، بالإضافة إلى وجود ثلاث حالات قتل تم الكشف عنها بإلقاء الجثث داخل القصر، دون التعرف على القاتل، قائلاً "اللي بيقتل واحد بيجي هنا يرميه ويمشي.. واللي بيهرب من حكم بيجي هنا ويستخبى " فلاتوجد حراسة.
بيت أشباح ووكر لأصحاب الكيف
وحينما حاولنا الدخول إلى القصر صرخت إيمان لطفي، أحد قاطني المنطقة، لتنبهنا: " القصر به أشباح، وصعب صعوده، بالإضافة إلى أنه مليىء من الداخل بالبلطجية، ومتعاطي المخدرات، وهو ما تبين بالفعل من انتشار زجاجات الكحوليات داخله، الأمر الذي يشير إلى أن القصر بالفعل بات وكرًا لأصحاب الكيف.
تدهور يؤدي للإندثار
يقول الدكتور عمرو ذكي، خبير الآثار، إن قصر الخديوي توفيق من الآثار الإسلامية العريقة التي بحاجة إلى اهتمام كبير من الدولة بتعاون الوزارات المختصة مع المحليات، لإخلاء القصر وإزالة الإشغالات وتسليمه لوزارتي الأوقاف والآثار معًا، وتسجيل هذه القصور طبقاً للقانون رقم 144 لسنة 2006 والخاص بتنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعمارى، ومنع أي أعمال هدم لها، محذرًا من اندثارها في حالة بقاء الوضع على ما هو عليه واستثمار هذه القصور بعد ترميمها وتطويرها.
ثروة قومية
وأضاف "ذكي"، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن هذا القصر إذ تم ترميمه وفتح من جديد سوف يعد ثروة اقتصادية هائلة لمصر بل ثروة قومية، وانتعاش السياحة الإسلامية في الوقت الذي تمر به البلاد من تدهور السياحة، لافتًا إلى أن قطاع المشروعات بوزارة الآثار أهمل الآثار باعتماده على تسليم المناطق الأثرية التي تحتاج لإحلال للمقاولين دون المتابعة الدورية لها، فضلاً عن عدم الرقابة الأمنية.
وأشار" ذكي"، إلى أن الأزمة الحالية تكمن في ترميم هذا القصر وغيره من الآثار هو ضعف ميزانية وزارة الأثار، نظرًا لأنها تستمد أموالها من الحكومة حاليًا عكس ما كانت عليه في الماضي باعتمادها على التمويل الذاتي، لذلك هي تعجز عن تطوير الأثار في الوقت الراهن.
لا يوجد موارد للترميم
في سياق متصل أكد الطيب عبدالله، مرشد سياحي، أن مسلسل إهمال الآثار تغلغل في جميع مناطق مصر وليس في قصر الخديو توفيق فقط، بل حال الآثار بشكل عام، وذلك بسبب تفكير "التكنوقراط"، موضحًا أن جميع العاملين بوزارتي الآثار والسياحة يعملون بالفكر الوظيفي فقط، بالإضافة إلى عدم وعي القائمين على وزارة الأثار بقيمة الأثار، لذا صعب تقديرها والعمل على ترميمها.
ويستطرد "عبدالله" قائلاً، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن وزارة الآثار ليس لها ميزانية محددة كباقي الوزارات، والعائد الأساسي لها من السياحة التي تراجعت منذ أكثر من أربع سنوات، لذلك لا يوجد موارد للترميم، إلا تنشيط السياحة، فضلاً عن تبعية الكثير من هذه الآثار لوزارة الأوقاف، والأوقاف لا تتعامل مع الأثر بصفته أثرًا.
وأشار"عبد الله"، إلى أن الترميم لا يقوم على أسس سليمة، بل يغير من طبيعة الأثر، ما يندرج تحت بند التجديد وليس الترميم، وهو ماحدث في الآونة الأخيرة مثلما حدث مع "ذقن توت عنخ أمون"، متابعًا أن الحل في تفعيل دور الشباب، وإعطائهم الفرصة على الإبداع، وإنهاء عصر الشلالية في التفكير، والإطلاع على الابتكارات الحديثة في فن الترميم.
غير مسجل بوزارة الآثار
وسبق أن شكَلت وزارة الآثار لجنة في الثاني من إبريل الماضي، قالت إن هذا المبنى غير مسجل ضمن الآثار الإسلامية والقبطية، ولا يخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته بالقانون رقم 3 لسنة 2010، وإنما مسجل ضمن المباني ذات الطراز المعماري المتميز.