الإنسحاب من التأسيسية بين مؤيد ومعارض ومستقبل الدستور والتأسيسة في ظل موجة الإنسحابات الأخيرة


حمزاوي:مشاكل التأسيسية في طغيان المكون الحزبي على التشكيل

الفجيري: لا يجب ان يكون هناك نقاش حول علاقة الدين بالدولة أو الدستور وأرفض أرفض وجود مادة عن الشريعة الإسلامية في الدستور

وحيد عبد المجيد : الدستور وثيقة قانونية ويجب أن يحمي يحمي حقوق الضعفاء



تحت عنوان السيناريوهات المستقبلية للجمعية التأسيسية، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمس لقاءً فكريًا في إطار صالون بن رشد، حول مستقبل الدستور والجمعية التأسيسية في ظل موجة الانسحابات الأخيرة وتصاعد الإحتجاجات المطالبة بحل الجمعية التأسيسية اللقاء ضم كل من وحيد عبد المجيد العضو المنسحب مؤخرًا من الجمعية التأسيسية، وعمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية وعضو البرلمان السابق، ومعتز الفجيري الباحث والمحاضر بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. أدار اللقاء مجدي عبد الحميد رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.

إفتتح عبد الحميد اللقاء بالإشارة إلي أتساع الهوة بين قوى المجتمع المدني والقوي الليبرالية من جهة وبين جماعات الإسلام السياسي، والتي وصفها بالدفع بالتأسيسية في اتجاه التأسيس لدولة دينية بل ودولة استبدادية، محذرا من تسويق هذا الخلاف على اعتباره خلاف بين مجموعة من الكفرة العلمانيين وبين حماة الدين. أكد عبد الحميد أن الخلاف أعمق واخطر، وأبعد من كونه خلاف حول الدين وعلاقته بالدولة، وإنما هو خلاف يمتد لنظام الحكم، والحقوق الاجتماعية والسياسية وحقوق الإنسان بشكل عام، هو خلاف على دستور من المفترض أن يعبر عن روح الثورة ويلبي مطالبها، العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

من جانبه إعتبر معتز الفجيري، انه من المفترض ألا يكون هناك نقاش حول علاقة الدين بالدولة أو الدستور، مفتتحا كلمته قائلا أرفض وجود مادة عن الشريعة الإسلامية في الدستور ، معللا ذلك بما تفتحه هذه المادة من أبواب للصراع حول أحكام الفقة والتفاسير والاجتهادات التي هي نتاج تفاعلات اجتماعية طويلة ومحل اختلاف العلماء والفقهاء، ولا تعد بأي حال نص سماوي وإنما نتاج اجتهاد بشري.

أكد الفجيرى أن فكرة الشريعة كقانون للدولة فكرة جديدة على التاريخ الإسلامي، وأن مفهوم السياسة الشرعية ظهر متأخرا في تاريخ الإسلام، فالفقه الإسلامي لم يكن موحدا، وظل لسنوات طويلة محل بحث واختلاف بل وصراعات، مؤكدا أننا ندرس أحكام الفقه ولكننا لا نهتم بدراسة التفاعلات الاجتماعية والخلافات في التفاسير والاجتهادات التي أنتجت هذه الفقه. كما أن الحاكم لا يتدخل في صنع الفقه وإنما ينفذ أحكامه، فإذا أصبح الحاكم هو الفقيه والمفسر لصنع له أحكام تؤسس لاستبداده، واختفت المعارضة وتلاشى الاختلاف، وصار من المستحيل أن يعارض أحد فقه الحاكم أو يختلف معه في التفسير والاجتهاد، مشيرا إلي أن الدولة الدينية لا تعني وجود رجال الدين في الحكم وإنما وجود رجال دين تفسر النص، وتترك الأمر للحاكم.

وعن فكرة وحدة المصدر الدين ، أكد الفجيري أن قانون الأحوال الشخصية وإحكامه والتي من المفترض أنها تتوافق مع الشريعة الإسلامية تختلف تماما بين المغرب والسعودية وتونس ومصر، وجميعها بلاد مسلمة، مؤكدا آن اختلاف القانون هو انعكاس لاختلاف الاجتهاد في فهم وتفسير الشريعة الإسلامية، رغم أن الدين واحد. فمن ثم الشريعة هي اجتهد بشري يمكن أن نختلف في فهمه وتفسيره، ووجود مادة باسم الشريعة سيكون له نتائج سيئة يمكن أن تكرس لدولة شمولية استبدادية باسم الدين.

شدد الفجيري على أنه وإن كانت الشريعة ليست بالضرورة منافية لحقوق الإنسان، فإن أحكام الفقه وتفسير الفقهاء للشريعة قد ينطوي على الكثير من الانتهاكات، ومقاصد الشريعة تخضع أيضا للتفسير والاختلاف، لافتا الانتباه إلي فكرة الميل للخيارات الفقهية الأكثر تشددا رغم وجود خيارات أخرى أنسب للواقع، بما يكرس لنزعة محافظة، واحتمالية توظيف اختلاف الفقهاء لتحقيق مكاسب سياسية أو سلطوية. واختتم كلمته قائلا أتصور انه طالما وجدت المادة الثانية سيكون هناك إشكاليات في التعامل مع هيبة الدولة والتعامل مع حقوق الإنسان، وتوظيف سياسي للتفاسير الدينية، وصدامات شعبية تفقد مصر مكتسباتها الطفيفة التي أحرزتها قبل الثورة.

أكد وحيد عبد المجيد أن الدستور وثيقة قانونية ينبغي أن يتوافر فيها أمران، الأول هو التوافق العام في المجتمع بمختلف انتماءاته السياسية وطبقاته الاجتماعية والاقتصادية، والأمر الثاني أن يحمي حقوق الضعفاء، ويتضمن ضمانات واضحة لحقوقهم لوضع حد للانتهاكات الأقوياء، سواء كانوا أغلبية سياسية، أغلبية دينية، الأثرياء، أصحاب النفوذ السياسي ..الخ، مشددا على أن الدستور ليس كتاب قانون أو كتاب دين كما يظن البعض ، وإنما هو كتاب لحماية الحقوق الحريات الأساسية وبصفة خاصة حماية حقوق الضعفاء، مؤكدا أن الجمعية التأسيسية الحالية فقدت شرعيتها لأنها لم تعد ممثلة للمجتمع، ودستورها لا يعبر عن المجتمع ولا يحقق أهدافه.

استعرض عبد المجيد مراحل عمل الجمعية التأسيسية الأولى والثانية، مؤكدا أن القوى الإسلامية نقدت تعهداتها بالحرص على الوصول دائما لصيغة توافقية للدستور وعدم التشبث بالرأي والاستئثار بالقرار. مشيرا إلى أن القوى الليبرالية التي شاركت في اللجنة حرصت على القيام بدورها الوطني حتى لا يتهمها الرأي العام بالسلبية أو العزوف عن المشاركة، ومعتزا بالانجازات التي أحرزتها القوى الليبرالية في المسودة المطروحة والتي كانت أسوأ على حد تعبيره. ويضيف عبد المجيد خضنا معارك طاحنة وحصدنا مكاسب كثيرة ووقفنا ضد اقتراحات وصياغات كارثية ومرعبة، وانسحبنا عندما تيقنا من رغبة القوى السلامية في دستور يعود بنا إلي الوراء لعهود بعيدة.

وعن معركة الشريعة في الدستور قال عبد المجيد هي معركة مفتعله لا محل لها في مناقشات تستهدف وضع دستور يمثل وثيقة قانونية بالأساس، كما أن الشريعة حاضرة في القوانين والممارسات حتى من قبل إضافة المادة الثانية للدستور، وقبل وصول الإسلاميين للحكم ويضيف عبد المجيد هذه المعركة تستهدف تزييف الوعي ، وتسويق قضية الدستور على اعتبارها معركة من اجل نصرة الشريعة وهي في الحقيقة معركة سياسية وضيعة، بل هي معركة انتخابية بالأساس ، مؤكدا أن القوى الإسلامية تتعامل مع الدستور على اعتباره حلبة انتخابية تنافسية تكسبهم كتل تصويتية تحت دعوى كونهم حماة الدين.

حذر عبد المجيد من مجموعة من النصوص الواردة في المسودة الأخيرة والتي تمثل نقاط سوداء تفتح الباب للصراعات المجتمعية وتفرغ الدستور من معناه كوثيقة لحماية المجتمع. من هذه المواد ما يفتح الباب لجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفرض سيطرتها على المواطنين بحصانة دستورية تعطي المجتمع حق المشاركة في حماية الآداب والأخلاق العامة ، وكذلك الإصرار على رفض أي نص يشير إلي التنوع الثقافي والاجتماعي في المجتمع المصري والتشبث الشديد بفكرة الوحدة الثقافية لفئات المجتمع في إنكار فج للأخر أيا كان انتمائه الديني أو الثقافي أو الايديولوجي.

ناهيك عن تهميش الفئات الأكثر احتياجا للحصانة الدستورية مثل الفلاحين والعمال، حيث يرفض الإسلاميون وضع ضمانات بسيطة لحقوق الفلاحين الفقراء من تعسف بنك الائتمان الزراعي وسياساته الزراعية الحمقاء، أو فرض أيه مسئوليات على الدولة لحماية المزارعين وقيامها بدورها في توفير السماد أو تسويق المحاصيل وغيرها من المهام. كذلك لم ترد أية إشارة للعمال إلا في مادة واحدة من خمسه اسطر، بها أربعة إحالات للقانون، ولا علاقة لها بقانون العمل ولا بمسألة الجور أو تحديد ساعات العمل أو حماية العامل من تعسف أصحاب رأس المال.

أضاف عمرو حمزاوي لتلك المواد، ما أطلق عليه باب الاستبداد الرئاسي وهندسة النظام السياسي الباب السادس ، حيث يعطي الدستور لرئيس الجمهورية حق تجاوز السلطات الثلاثة في الدولة، كما يعطي له حق حل البرلمان، وكذلك تمرير ما يروق له من اتفاقيات دولية سيادية بأغلبية برلمانية 50% +1 متجاهلا رفض نصف البرلمان تقريبا. كما يؤسس هذا الباب، لاستمرارية الوضع الاستثنائي لمؤسسة الرئاسة ومنظومة القوات المسلحة، ويقلص من صلاحية البرلمان في هذا الصدد. هذا بالإضافة إلي إعطاء رئيس الجمهورية حق تعيين رؤساء كافة الجهات الرقابية في الدولة والمفترض أن تراقب الرئيس.

أكد حمزاوي أيضا على خطورة اللغة الأخلاقية المقحمة في الدستور، قائلا لا اعلم كيف اطلب من الدولة بكيانها الاعتباري واجبات أخلاقية مثل صيانة الأخلاق أو احترام الآداب، وأصنع من أصحاب النفوذ الاجتماعي والسياسي أوصياء على المواطنين، بينما في الوقت نفسه اطرح مواد دستورية تضفي شرعية على عمالة الأطفال وتتعدى على حقوق النساء وتنكر حقوق العمال والفلاحين.

إختصر حمزاوي مشاكل التأسيسية في طغيان المكون الحزبي على التشكيل، بما يحول المسألة إلي معركة انتخابية معيارها الرضا والولاء الحزبي وأهدافها حصد الكتل التصويتية. هذا بالإضافة إلي ما أطلق عليه سياسية التأميم والاحتكار ، حيث تم حصر تمثيل المواطنين في النقابات، والمسيحيين في الكنائس، والنساء والأطفال في الاتحادات القومية، وغيرها من مظاهر الإقصاء والاحتكار. أما المشكلة الثالثة حسب حمزاوي كانت غياب صيغة واضحة لإجراءات إدارة جلسات التأسيسية بما يفتح المجال لإدارة العمل عبر قنوات داخل الجمعية، والإجراءات غير الشفافة وغير الديمقراطية.

وعن السيناريوهات المستقبلية اتفق المتحدثين على إنه في حالة إنتهاء اللجنة من الصياغة النهائية في الموعد المحدد، وتم طرح الدستور للاستفتاء، وإن نجحت قوى الإسلام السياسي في حشد الأصوات وخداع الرأي العام باسم الدين لقبول هذا الدستور، فسريعا ما سوف تتكشف مساوئ هذا الدستور ومشكلاته، في إعادة إنتاج لدستور 1930 الإستبدادي الذي أسقطه الشعب المصري الواعي بعد فترة قليلة من إقراراه. وأضاف المتحدثون ربما يكون عمر هذا الدستور أقصر بكثير مما تتخيل القوى الإسلامية.