د. نصار عبدالله يكتب: عن «أيلول» الأسود
رغم أن شهورنا كلها تقريبا سوداء، إلا أن شهر أيلول «سبتمبر» قد استأثر وحده بالوصف الذى كان جديرا بأن يطلق عليه حين شهد كارثة انفصال سوريا فى 28 سبتمبر 1961 بعد نجاح الانقلاب العسكرى الذى قام به الضابط السورى عبدالكريم النحلاوى المدعوم من بعض القوى المشبوهة فى سوريا والممول من إحدى الدول العربية الخليجية الكبرى التى كان يفزعها أن تقوم دولة عربية كبرى إقليميا ذات توجه مناوئ للفكر الوهابى!..ومع هذا، ورغم أن «الأسود» كان وصفا جديرا بأيلول منذ عام 1961إلا أنه لم يتأكد ويرسخ إلا فى عام 1970.. تحديدا مع المجازر التى ارتكبها الجيش الأردنى ضد المنظمات الفلسطينية التى كانت متمركزة فى الأردن فى ذلك الوقت والتى كانت تبسط سيطرتها فعليا على أجزاء كثيرة من الأردن وتمارس عليها من أعمال السيادة كل ما كان يفترض أن الدولة المضيفة «المملكة الأردنية الهاشمية» تنفرد به، وقد قدر عدد ضحايا تلك المجازر التى لا نستطيع تبرئة المنظمات الراديكالية الفلسطينية ذاتها من مسئولية جر الجيش الأردنى ودفعه دفعا إلى ارتكابها، قدر عدد ضحاياها بأربعة آلاف قتيل من أعضاء تلك المنظمات، أما ضحاياها من الجانب الأردنى فيقدرون طبقا للسجلات الرسمية للجيش الأردنى بـ110 قتلى! وأما القتلى من المدنيين طبقا للمصادر الرسمية الأردنية فقد بلغوا ما يقرب من ألف وثلاثمائة مدنى (من الأردنيين والفلسطينيين الذين يصعب التمييز بينهم نظرا لأن عددا من الأردنيين أنفسهم هم من أصل فلسطينى)...وأما عدد الجرحى فقد تجاوز فى أيلول الأسود عشرة آلاف جريح !! ..وقد بدأ التوتر بين الفلسطينيين الذين كانت الأردن قد سمحت لهم بالانطلاق من أرضها لشن هجمات ضد إسرائيل بالتنسيق معها، بدأ التوتر عندما نقضت بعض الفصائل الراديكالية هذا الاتفاق، وقامت بشن هجمات مفاجئة دون إعداد أو تنسيق مسبق مع السلطات الأردنية مما عرضها لضربات انتقامية لم تتحسب لها، أكثر من ذلك أن إحدى تلك المنظمات قامت فى 6سبتمبر 1970بخطف ثلاث طائرات ركاب مدنية كانت متجهة إلى نيويورك، كانت إحداها قد أقلعت من فرانكفورت (ألمانيا) وأخرى من زيورخ (سويسرا) والثالثة من أمستردام (هولندا) وأجبروا طائرتين منها على التوجه للأردن،والهبوط فى مطار مهجور كائن فى صحراء الأزرق شمال شرق الأردن! فى حين أجبروا الثالثة على الهبوط فى القاهرة، حيث قاموا بتفجيرها فى المطار بعد اخلائها من الركاب، وبعد ثلاثة أيام من تلك الواقعة اختطفت طائرة أخرى وأجبرت على الهبوط فى نفس المطار، وطالب الخاطفون بالإفراج عن عدد من رفاقهم الفلسطينيين المسجونين فى السجون الأوروبية، فى مقابل إخلاء سبيل الطائرات والسماح لها بالإقلاع بمن تقلهم من الركاب! وعندما رفض طلبهم عمدوا إلى تفجير الطائرات الثلاث تحت سمع وبصر وسائل الإعلام العالمية. وفى أعقاب ذلك دعت منظمة التحرير الأردنية إلى إقامة سلطة وطنية فى الأردن، وهو ما يعنى ضمنا أنها تدعو إلى الإطاحة بالملك حسين!، وهو ما يعنى فى الحقيقة أن التصعيد فى المواجهة قد بلغ مداه، وأن أحد الطرفين لا بد أن يطيح بالآخر خاصة أن هذه الدعوة من جانب منظمة التحرير كانت قد سبقتها محاولة فاشلة لاغتيال الملك قام بها قناص فلسطينى كان مختبئا فى مئذنة المسجد الحسينى حيث أطلق النار على السيارة الملكية لكن الرصاص استقر فى ظهر زيد الرفاعى رئيس الديوان الملكى الذى ارتمى على الملك لحمايته وكانت هذه هى بداية النهاية!