د. حسام بدر يكتب: محنة ذات النقاب والميزان
إذا المأساة صُوّرت، وإذا الآمال سُوّرت ، وإذا الرجال عُيّرت، أنهم ما زالوا رجال بلا أغلال... فكّوا عني الحصار، صداقي كبير إلا على من آمن بي، ولا سبيل إليّ، إلا بالزود عني، حينئذ سأنزع عني نقابي، سأكشف عني اختبائي واختفائي.
همست، همست إليه بهمسات لا هي حروف أو كلمات، بل وميض من عينين يحدث بعض ذبذبات...نظر إليها الحكيم نظرة المتأمل المتمهل، ولىّ البصر إلى السماء مناجيا : اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ! هبي على هذا الجمال - قدسي هو ذو جلال، فيه علو وعلياء، فهل يكذب بالألاء؟ رَائِحَةُ نسائمها "أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ الأَطْيَابِ".
تردد وتودد ثم قال: صغيرتي ما أروعك "عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ" قد ألفا الطواف في سماك. لقَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي، أسرت عقلي بنظرة عَيْنَيْكِ، تأمل فتسلل، ثم حدثها في قلبه: "فَمُكِ حُلْوٌ" معطر بأنفاس تنادي أنفاسي، "خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ" يناجي وجدي واحساسي، لن "أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ الْمُرِّ " حين أكشف السر، سر جمالك المخفي.
صاحت: قلوب الجبابرة علاها الصدأ وعنيدة، عقول من مارج من نار شديدة. كل المحبين سينال مني إلا من أبى، قيل ومن يأبى! قالت: من دافع من أجلي نالني ، ومن خشي الجبابرة فقد أبى، والحرية للأحرار.
يا معشر المظلومين المعذبين إن استطعتم أن تفكوا الأغلال عني فافعلوا ، لا تفعلون إلا بسلطان، سلطة الميزان، أقيموا العدل بينكم ، قبل أن يقام لكم، حينئذ ســ "يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ".
عيون مترقبة زائغة شريدة، تسأل أيان يوم التحرير وتقرير المصير، متى يكون عُرس ذات النقاب، غرس شجرة تخلب الألباب، بعدما يُكشف عنها الحجاب. الجموع تصمت - الجميع ينصت، الأنظار في انتظار نداء أو خبر، بعدما عز الرجاء أو ضمُر، عله يأتي من خلف الحجب، ما يمنح خلاص مرتقب... صوت متصاعد يجلجل، في طبقات إلى القلوب يتسلل: كما تكونوا يولىّ عليكم، وكل شر " بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا "، "ألا تطغوا في الميزان ... لا تخسروا الميزان"، فلما بآلاء ربكما تكذبان؟
د. حسام بدر استاذ بكلية اللغات والترجمة بجامعة الازهر