ملك الأردن يكشف في حوار لقناة أمريكية عن تطورات خطيرة بشأن "معاذ الكساسبة"
بثت قناة سي بي أس الأمريكية، أمس الأحد، مقابلة مع الملك عبدالله الثاني، أجراها الإعلامي المعروف ومقدم برنامج ستون دقيقة الإخباري في المحطة، سكوت بيلي.
وفيما يلي نصها:
سكوت بيلي: جلالتكم. كيف يمكن الانتصار في الحرب ضد الإرهاب، خصوصا ضد عصابة داعش؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: علينا أن ننظر للمشكلة بشمولية. وهذا هو التحدي الذي واجهناه على مدى السنوات القليلة الماضية. فالمعظم، كما تعلمون، يركز على مناطق ساخنة بعينها، حيث يتم النظر إلى العراق هذا العام، أو سوريا العام المقبل؟ لكن، ماذا عن ليبيا؟ وماذا عن تنظيمات بوكو حرام أو حركة الشباب الإرهابية وغيرها في إفريقيا؟ علينا أن ننظر إلى الأمر من منظور عالمي.
سكوت بيلي: كأنك تقول أنه يجب التعامل مع هذه الأمور كلها دفعة واحدة، حيث لا يمكننا التركيز على سوريا في سنة، ومن ثم التعامل مع تنظيم بوكو حرام في سنة أخرى؟
الملك عبدالله الثاني: المثال الأبرز لتوضيح هذا الأمر ما نراه من بعض النجاحات العسكرية في سوريا والعراق ضد عصابة داعش. فحين رأت قياداتهم أنهم يخسرون، بدأوا يقولون لمقاتليهم: لا تأتوا إلى سوريا أو العراق، وشرعوا بنقل قيادة عملياتهم إلى ليبيا. في ضوء ذلك كله، ألا يجدر بنا أن نوحد جهودنا ونركز على ليبيا؟ أم أننا سنجد أنفسنا ننتظر لمدة عام أو اثنين حتى نبدأ بمساعدة الدول الإفريقية في التعامل مع تنظيمات بوكو حرام أو حركة الشباب؟ يتعين علينا أن نكون استباقيين، لأن رد فعل هؤلاء الإرهابيين، وللأسف، أسرع من استجابتنا.
سكوت بيلي: الاستراتيجية الأمريكية في سوريا والعراق، كما تعلمون جلالتكم، تقوم على استخدام القوة الجوية الأمريكية وتدريب القوات على الأرض لخوض المعركة ضد الإرهاب. ولكن هذه الاستراتيجية لم تفلح. فكيف يمكن المضي قدما؟
الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن المعضلة مع الغرب تكمن في أنهم يرون حدودا بين سوريا والعراق، أما عصابة داعش فلا ترى ذلك. وقد شكل هذا مصدر إحباط لعدد منا في علاقتنا مع شركائنا في التحالف الدولي لعدة سنوات. فكما تعلمون، يتدخل خبراء قانونيون في مرحلة ما ويقولون: هناك حدود دولية يجب احترامها. وفي المقابل، نحن نقول: لكن عصابة داعش لا تعمل بهذه الطريقة! لذا، فإذا كنت تريد أن تعمل حسب القواعد الخاصة بك، مع علمك أن العدو لن يفعل ذلك، فإنك لن تنتصر في هذه الحرب.
سكوت بيلي: في غضون ساعات من نشر الفيديو المتعلق بالشهيد الطيار معاذ الكساسبة من قبل داعش، تم إعدام اثنين من الإرهابيين المدانين هنا في الأردن. ما هي الرسالة التي وجهتموها من خلال ذلك؟
الملك عبدالله الثاني: كان عليهم أن يفهموا أننا لن نسمح بالعبث مع الأردن. وكثير من المجرمين الذين ظهروا في الفيديو، ومن المسؤولين عن اعتقال الشهيد معاذ والتحقيق معه في الأسر وقتله تم القصاص منهم.
سكوت بيلي: هل ستلاحقونهم وتقتصون منهم؟
الملك عبدالله الثاني: لقد قتلنا العديد منهم، ومن تبقى ستصل أيدينا إليهم، ولو بعد 50 عاما.
سكوت بيلي: في عام 1990 وفي مقابلة معه في برنامج 60 دقيقة، نصح جلالة والدكم الراحل، رحمه الله، الولايات المتحدة بعدم دخول العراق. وقال: سنكون في وضع أسوأ بكثير مما نحن عليه في تلك اللحظة. لم يأخذ الرئيس جورج بوش الأب في ذلك الوقت بنصيحته، كما لم يأخذ الرئيس بوش الابن بنصيحة مماثلة قدمتها له في عام 2003. يبدو أن الرؤساء الأمريكيين يعتقدون أنهم يعرفون هذه المنطقة بشكل أفضل.
الملك عبدالله الثاني: إنهم يتصرفون وكأنهم يعرفوننا أكثر مما نعرف بعضنا البعض في المنطقة. ونتيجة لذلك، تمضي الأمور على الطريق الخاطئ ونحو التأزم. ونصيحتنا دوما هي أنه إذا واصلنا هذا الطريق، فإن العواقب واضحة تماما. وكما تعلم، ليس بيدنا إلا أن نعبِّر عن أرائنا بصراحة.
سكوت بيلي: وهل خاب أملك بسبب ذلك؟
الملك عبدالله الثاني: إنه أمر محبط عندما يجد الكثير منا – ممن يدركون تفاصيل التركيبة العرقية في المنطقة كونهم يعيشون فيها – أن المستشارين والمؤسسات الفكرية في الغرب يتكلمون وكأنهم يعرفوننا أفضل مما يفترض بنا أن نعرف أنفسنا! ودعني أضرب مثالا على ذلك بسوريا؛ فعندما بدأ الأمر هناك، كان الجميع يقولون إن الأزمة ستستمر ستة أشهر، وكنت أقول لهم ست سنوات. وما زلت أقول إن أمامنا شوطا طويلا لمعالجة التحديات، ليس فقط في سوريا والعراق، بل في المنطقة بأكملها والعالم للأسف.
سكوت بيلي: أليس من المطلوب تواجد جيش غربي، بشكل ما، على الأرض من أجل إحكام السيطرة؟
الملك عبدالله الثاني: الدور المطلوب منهم هو المساعدة، لأنه في نهاية المطاف لا تريد أن ترى جنودا غربيين يسيرون في شوارع المدن والقرى السورية. ففي المحصلة، أنت بحاجة إلى أن يكون السوريون قادرين على القيام بذلك بأنفسهم.
سكوت بيلي: لماذا سمحتم لما يقرب من مليون ونصف سوري أن يأتي لبلدكم؟
الملك عبدالله الثاني: في الحقيقة لم يكن لدينا الكثير من الخيارات. أعني أنهم كانوا يتدفقون عبر الحدود هربا من رصاص النظام، وتعلم أن الأردن لطالما فتح ذراعيه للاجئين من العديد من البلدان. ولكن، وصلنا فعلا إلى مرحلة شهدت زيادة في عدد السكان نتيجة اللجوء السوري بنسبة 20 بالمئة، ما شكل عبئا كبيرا على بلدنا. نحن في وضع لا نحسد عليه.
سكوت بيلي: وما هي حدود التحمل القصوى بالنسبة لشعبكم؟
الملك عبدالله الثاني: لقد تجاوزنا تلك النقطة منذ نحو عام أو عامين. أرقام البطالة ترتفع، والضغوط التي يتحملها القطاع الصحي وصلت حدودها القصوى، ومدارسنا تمر بظروف صعبة في الواقع. الأمر في غاية الصعوبة فعلا، وقد نفذ صبر أبناء وبنات شعبي، ولم نعد نستطيع تحمل المزيد.
ما يؤرقني هو تأمين فرص الحياة الكريمة لجيل الشباب. أما الوجه الآخر من التحدي فهو: إذا كان للتطرف أن يرسخ في أي مكان في العالم أو في هذه المنطقة، فإنه سيستهدف الشباب الذين يعانون الحرمان والظروف الصعبة، وبالتالي، فما يزعجني فعلا هو أن يحرم الشباب في الأردن من الفرص بسبب الضغوط الاقتصادية.
أعتقد أن للعالم كله مصلحة في دعم الاقتصاد الأردني لأننا نمثل قصة النجاح في المنطقة وعنوانها الاستقرار، وهذه القصة تتجاوز حدود بلادنا.
سكوت بيلي: في مقابلاتكم، تسمون عصابة داعش بالخوارج. ماذا يعني ذلك؟
الملك عبدالله الثاني: هناك في الإسلام، ونحن منهم، من يتمسك بالتعاليم الصحيحة، ونعلم بأنه ليس من حقنا أن نكفر الناس. فهذا الأمر لله. أما من يزعمون بأنهم جهاديون، من أولئك الذين يخالفون أصول الإسلام الصحيحة ويشوهونها، فقد أعطوا لأنفسهم الحق في تكفيرنا نحن المسلمين. تخيل أنهم ينظرون لنا هكذا ونحن مسلمون، فما بالك بنظرتهم للآخرين، سيصنفونهم ضمن فئة أخرى أسوأ بكثير حسب معاييرهم الباطلة! وفي تاريخنا وبحسب تعاليمنا الصحيحة، فإن الخارجين عن الإسلام، أي الخوارج، ظهروا في العهد الإسلامي الأول.
سكوت بيلي: تقصد أنهم طائفة انشقت عن الإسلام في القرن الأول؟
الملك عبدالله الثاني: لقد ارتكبوا الفظائع الرهيبة، ونتيجة لذلك تصدت لهم المجتمعات الإسلامية وقضت عليهم. وهم يظهرون من وقت لآخر على مر التاريخ ويتم دحرهم. ولكنهم، كما هو حال الأرهابيين في جميع الأديان، وكما تعلم، يظهرون بين الحين والآخر.
سكوت بيلي: يتساءل الكثيرون في الولايات المتحدة: ماذا حل بالإسلام؟
الملك عبدالله الثاني: إذا أخذت بالحسبان أن 90 بالمئة منا مسلمون يؤمنون بالتعاليم الصحيحة، وبينهم وبين المسيحية واليهودية قواسم مشتركة، وأقصد بذلك أننا ننتمي للأديان السماوية الثلاثة، والإسلام خاتمها، وعلمت أيضاً أن ديننا يحثنا على فهم المسيحية واليهودية، فإننا نعلم أين نقف. أما التفسيرات المغلوطة التي يتشدق بها الجهاديون التكفيريون فهي محل النزاع والخلاف، وهؤلاء هم أصل المشكلة ويمثلون 2 بالمئة من الإسلام السني فقط. ومن ناحية أخرى، إذا تم التضييق على المجتمعات الإسلامية بسبب ظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام)، فهنا يكمن الخطر والمتمثل في إساءة فهمنا مع أننا حلفاء.
سكوت بيلي: هل سبب الخوف هنا أن تأخذ ظاهرة الإسلاموفوبيا بعدا أكبر، وتدفع بالمسلمين غير المتطرفين حالياً إلى تلك الزاوية؟
الملك عبدالله الثاني: سوف يشعر المسلمون بالعزلة، وأنهم مهمشون وضحايا، وهو بالضبط ما تريده عصابة داعش وتنظيم القاعدة الإرهابيان. وأعني، ما الغاية مثلا من الهجوم بالطائرات على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك؟ إنها لزرع بذور الكراهية لدى الغرب تجاه الإسلام، بحيث تسبب الذعر لدى غالبية المسلمين وتجعلهم يشعرون بأنهم ضحايا مستهدفون، وبالتالي تدفع بهم إلى معسكر التطرف.
سكوت بيلي: جلالتكم، هل لعبت الولايات المتحدة دورا في زعزعة الاستقرار في العراق؟
الملك عبدالله الثاني: شعر بعضنا أن المشكلة في العراق ستكمن في سيناريو ما بعد الحرب، وأعتقد أن هذا أثار قلق الكثير منا. ما زلت أؤمن أن المشكلة الأبرز في العراق، كما تعلمون، وقد ذكرت ذلك سابقا، أنه يوجد دور للأكراد، وبحكم الواقع دور رئيسي للشيعة، أما ما لم يتم تأطيره بعد فهو دور للسُنة، وهم لا يشعرون بأن لديهم مستقبلا سياسيا وبالتالي فقدوا الأمل. وما بدأنا نراه نتيجة لذلك هو ظهور عصابة داعش.
وهكذا، إذا لم يتغير الوضع السياسي في العراق إلى الأحسن بحيث ينعم السنة بمستقبل، وإذا استمر الحال فيما يتعلق بالصراع الطائفي هناك، ووجود أطراف فاعلة غير حكومية إلى جانب الجهات الحكومية، ناهيك عن الدور الذي تلعبه إيران بعض الأحيان داخل العراق، ودخول بعض القوى أو مزيج من القوات مناطق السنة، فإنك ستجد السنة يتساءلون: هل نريد لمثل هذه القوات أن تحررنا، أم أننا في حال أفضل تحت سلطة داعش؟ وهنا يكمن الخطر. أعتقد بوجود بعض التحديات في الطريقة التي صيغ بها مستقبل العراق. وإذا لم نتمكن من إيجاد حل سياسي يحقق مستقبلا للسنة، فإن مشكلة العراق ستكون أكثر تعقيدا. وللأسف، فالسياسيون لا يريدون الخوض في هذه المسألة لأنها معقدة جدا.
سكوت بيلي: لقد قرأت نصا يتنبأ بظهور قوم من الشرق يتلون القرآن ولكنه لا يجاوز حناجرهم، ويمرقون من الدين كالسهم من فريسته، ولا يعودون إليه مثلما لا يعود السهم إلى القوس. هل هذه الصفات تنطبق على داعش؟
الملك عبدالله الثاني: هم كذلك.
ومن جانب آخر، يزعجني كثيرا ما أجده من سوء فهم في الغرب، والمزاعم هناك من أن المسلمين يكرهون المسيحية واليهودية! في الحقيقة، في ديننا ستة أركان للإيمان، منها الإيمان بالكتب السماوية، أي الإنجيل والتوراة، وأخرى الإيمان بالرسل. نحن نؤمن بسيدنا عيسى المسيح، عليه السلام، وقد ذكر في القرآن، على ما أذكر، 25 مرة، أما مريم العذراء، عليها السلام، فقد ذكرت 34 مرة كما أعتقد. وبناء عليه، فإنه يزعجني، للأسف، ما أشهده في الغرب من سوء فهمهم لنظرة المسلمين للمسيحية واليهودية.