بعد كارثة مركب الموت في رشيد.. نكشف أسباب تلاعب "مافيا الهجرة" بالأطفال
وصلت ظاهرة هجرة الأطفال إلى الخارج بطريقة غير شرعية إلى مرحلة مثيرة للقلق، خاصة بعد الحادث المؤلم وغرق مركب في رشيد بمحافظة البحيرة، ما أدى إلى وفاة ما يقرب من 168 شخصًا، وكان أغلبهم من الأطفال الذين لا تتخطى أعمارهم 17 عامًا، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة حول هذه الظاهرة الكارثية والأسباب التي جعلت هؤلاء الأطفال وأسرهم يرتمون في أحضان الموت بالبحار على أمل أن يصلوا إلى إيطاليا لتحقيق أحلامهم المنشودة.
لماذا إيطاليا؟
ويهاجر آلاف الأطفال المصريين إلى إيطاليا مستفيدين من قانون حماية الطفل فيها، وهو قانون يمنح الأطفال المهاجرين حق الإقامة في البلاد، ولا يسمح بترحيلهم إلا إذا طلبوا هم ذلك.
60% من المهاجرين أطفال
ومنذ أقل من عام كشف سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر، جيمس موران أن 60% من المهاجرين المصريين غير الشرعيين إلى إيطاليا" أطفال وقصّر"، وهناك إحصائيات أخرى تؤكد أنه يصل إلى إيطاليا سنويا حوالي 500 من المصريين من صغيري السن، ومن المهاجرين بشكل غير شرعي تتراوح أعمارهم مابين 14 و18 سنة.
مصر أكبر مُصدر للأطفال المهاجرين غير الشرعيين
وأكدت المنظمة الدولية للهجرة، أن "مصر تعتبر أكبر مصدر للأطفال المهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا"، موضحة في تقرير لها، أن "هجرة الأطفال المصريين إلى أوروبا بشكل غير شرعي، وبدون مرافقة ذويهم، منتظمة وتتضاعف".
ولفتت إلى أنه منذ العام 2011، كانت نسبة الأطفال المصريين غير المصحوبين بذويهم، بين المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبي، "مرتفعة بشكل ملحوظ".
ووفقًا للتقرير، فإن العام 2014، مثلت نسبة القاصرين ما يقرب من نصف عدد المهاجرين المصريين إلى إيطاليا، والبالغ عددهم 4095 شخصا.
ويذكر أن السلطات الإيطالية في فبراير 2016، قدرت وجود 2500 طفل مصري هاجر بطريقة غير شرعية، مشيرة إلى أن عدد المهاجرين أكبر من ذلك بكثير ولكن لا يمكن حصر أعدادهم.
كما كشف المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة" أن مصر تأتي في المركز الأول على مستوى العالم في الهجرة غير الشرعية للأطفال بدون أسرهم خلال عام 2016.
ونقل "بصيرة" عن المنظمة الدولية للهجرة، أن مصر تأتي في المركز العاشر بين الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين لإيطاليا.
لماذا يهرب الأطفال إلى خارج مصر؟
ومع انتشار الظاهرة الهجرة الغير شرعية للأطفال، تستعرض «الفجر» بواسطة خبراء علم الإجتماع أسباب لجوء الأطفال لرحلات الموت.
- غياب ثقافة العمل
قالت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن انتشار ظاهرة هجرة الأطفال الغير شرعية يعود إلى عدم وجود ثقافة عمل داخل مصر، موضحة أن الأطفال تعودوا منذ صغرهم على السهل، لذا فصعوبة الوصول لعمل يجعلهم يفكرون بالهجرة أسهل من التفكير في كيفية الحصول على عمل.
وتابعت: «مصاريف الهجرة الغير شرعية تتكلف من 25 لـ30 ألف جنيه، تلك المصاريف يستطيع أي فرد بها البدء في مشروع أو عمل تجاري خاص، ولكن غياب ثقافة العمل لدى الطفل المصري أو الشاب تجعلهم يفكرون في حل الهجرة بدلاً من البحث عن عمل مناسب».
وحملّت خضر، في تصريحها لـ«الفجر»، الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني مسئولية هجرة الشباب الغير شرعية، من خلال عدم توعيتهم بأخطارها وظروف البلدان الغربية، مؤكدة أن الحكومة ايضاً قصرّت في الاعلان عن الوظائف التي يحتاجها السوق والمشروعات التي يتم تنفيذها في الوقت الحالي.
وتساءلت أستاذة علم الإجتماع، عن دور المشاركة المجتمعية والأحزاب واكتفائهم بسب الحكومة والقضاء على الهوية وإسقاط الدولة والاحتماء بحقوق الإنسان، من توعية الأطفال بثقافة العمل لحماية جيل من موت محقق بسبب الهجرة الغير شرعية.
واستشهدت خضر، باللاجئين السوريين الموجودين في مصر، وأكدت أن ثقافة العمل الموجودة لديهم جعلتهم يهيئون لأنفسهم عمل ومسكن وحياة بديلة لحياتهم التي هدمت بعد هروبهم من حروب بلادهم، قائلة: «لازم الدولة تتعلم من السوريين وتوعي أطفالنا وشبابنا ثقافة العمل، ولازم كل مؤسسات الدولة حتى الأزهر ينوهوا لأهمية العمل ليبتعد أطفالنا عن الهجرة الغير شرعية التي تؤدي بأرواحهم».
- هروب من الجحيم
وعلى النقيض قال الدكتور طه أبو الحسن، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن الأسباب التي قد دفعت "أب" أن يأخذ "زوجته وابنه" في رحلة هجرة غير قانونية، لتصبح الأم والابن في عداد الموتى هو الهروب من الجحيم الذي يعيشون فيه ببلادهم.
وأكد أبو الحسن، أن الظلم والجحيم الموجود بالدولة جعل الآباء يرمون بزوجاتهم وأطفالهم في التهلكة حتى وإن كانت نسبة نجاح هجرتهم 1%، موضحاً أن هجرة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 12 لـ19 عام ظاهرة خطيرة يجب الوقوف عليها كثيراً، حيث أن وصول الأطفال يؤكد أن مصر على اعتاب كارثة إذا لم تجد الدولة حلولًا لها.
وزيرة الهجرة: قضية ليست جديدة
وزيرة شئون الهجرة والمصريين في الخارج نبيلة مكرم، أكدت أن هذه القضية ليست جديدة، ولكنها تحدث منذ سنوات حيث يهرب الأطفال الصغار على السفن التي تحملهم إلى شواطئ إيطاليا، وهناك توفر لهم الحكومة الإيطالية مراكز للإيواء وتمنحهم حق الإقامة وتعلمهم حرفة، وتتراوح أعمار هؤلاء الأطفال مابين 7 سنوات و13 سنة، ومعظمهم من قرى الصعيد.
وقالت الوزيرة: إنها تتابع هذه القضية منذ أن كانت تعمل قنصلا في السفارة المصرية بـ"روما"، حيث كانت السلطات الإيطالية تطلب منها استمارة بيانات عن كل طفل حتى يتم توثيق حالته في مركز الإيواء، ولكي يتعلم حرفة أو يعمل في أي مكان، وأنها كانت دائما تزور مراكز إيواء هؤلاء الأطفال للاطمئنان عليهم.