توثيق عقود بيع الأعضاء البشرية فى الشهر العقارى

العدد الأسبوعي

مصلحة الشهر العقارى
مصلحة الشهر العقارى - أرشيفية

«الكلية» بـ15 ألفا.. و«عمولة» السمسار 3 آلاف

بين رحى الفقر انحنت مجموعة استسلمت لعجزها، فلم تجد إلى الهرب سبيلا، قرروا بيع أجسادهم كـ«قطع غيار» لمن يدفعون الثمن، فالعلاقة بين تجارة الأعضاء البشرية والأحوال الاقتصادية فى مصر طردية، كلما تردت المعيشة هانت الأجساد.

طفت من جديد تلك التجارة الحرام مع حلول العام الحالى لتنهش أجساد الفقراء، إلا أنها اتخذت شكلا جديدًا سعى من خلاله البائع والمشترى إلى إضفاء صبغة قانونية على الأمر، فأصبح البائع «مُتبرِّعاً» والمشترى «مُتبرَّعاً له»، شريطة أن يتم ذلك بعقد يتم توثيقه فى الشهر العقارى، بحسب ما ذكره لـ«الفجر» مصدر أمنى رفيع المستوى من داخل الإدارة العامة لمباحث القاهرة،

وضبطت مباحث القاهرة منذ بداية 2016 حتى الآن نحو 12 قضية تجارة أعضاء بشرية فى العاصمة وحدها، وتمركزت أغلب تلك القضايا فى المناطق الشعبية والعشوائيات، إذ تشكل تلك المناطق مناخًا خصبًا يمهد لمافيا تجارة الأعضاء طرقاً عدة للإيقاع بضحاياهم، مستغلين فقرهم وجهلهم، وكان شهر أغسطس الماضى شاهد إثبات على كفاءة ويقظة وحدات المباحث فى جميع أقسام الشرطة بالقاهرة.

وأكد ذلك سقوط أكبر تشكيلين عصابيين نشطا بكثافة خلال النصف الأول من العام الحالى، حيث تمكنت وحدتا مباحث المرج والسيدة زينب من ضبط المافيا الرئيسية المتحكمة فى تجارة الأعضاء البشرية بالقاهرة مقابل مبلغ مالى زهيد، يتراوح بين 3 إلى 5 آلاف جنيه على العضو الواحد، معتمدين فى ذلك على المتسولين وأطفال الشوارع بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة لهم داخل إحدى الشقق السكنية التابعة للتشكيل -بحسب المصدر الأمنى-.

الأمر الآن مختلف تمامًا عما قدمه المخرج على عبدالخالق، والممثل نور الشريف فى فيلم «الحقونا»، هانت أجساد المصريين بعدما تلاشت آمالهم، فباع من غلبه اليأس، وسمسر من هزمه الخوف، واشترى من تمسك بالحياة، كل ذلك بحيلة تبدو قانونية رغم عدم إنسانيتها، فما عليك سوى أن تذهب إلى أقرب شهر عقارى بصحبة المشترى، وتوثيق عقد تبرع منك إليه ينتهى بتوقيع كل منكما.

وحذر محمد شرف المحامى بالجنايات، من مثل تلك الخدع، فعقوبة التجارة بالأعضاء البشرية مشددة، وتتراوح مدتها من 7 سنوات إلى 15 سنة، وقد تصل فى أحيان أخرى إلى المؤبد 25 سنة إذا استولى التشكيل العصابى على الأعضاء بالإكراه بعد خطف ضحاياهم، إذا لم يتم الاتفاق المسبق بينهم.

وأكد تقرير دولى صدر مطلع الأسبوع الحالى، عن التحالف الدولى لمكافحة تجارة الأعضاء البشرية «كوفس» الموجود فى سويسرا، أن مصر تحتل المركز الثالث فى مجال تجارة الأعضاء البشرية غير الشرعية بعد الهند والبرازيل، وسط شكوك بالغة فى قدوم الأفارقة للاتجار بأعضائهم فى مصحات بوسط القاهرة، لتصبح مصر هى المركز الرئيسى فى الشرق الأوسط لتجارة الأعضاء البشرية، التى أصبحت أكثر ربحا وأمنا من تجارة المخدرات.

وأطلق التقرير على مصر لقب «برازيل الشرق الأوسط»، نظرًا لأن البرازيل تحتل المركز الأول بين دول أمريكا اللاتينية فى تجارة الأعضاء البشرية بطرق غير مشروعة، وقال: «إن الكلى تأتى فى المركز الأول ضمن الأعضاء البشرية الأكثر طلبًا وتصديرًا للخارج بـ15 ألف دولار، بينما يأتي الكبد فى المركز الثانى بـ30 ألف دولار، ويبلغ سعر «فص الرئة» نحو 20 ألف دولار ليحتل المركز الثالث، بينما جاء البنكرياس فى المركز الرابع بـ25 ألف دولار بالنسبة للمصريين، كما تقل بالنسبة للأفارقة، وتصدرت مصر قائمة الدول المصدرة للأعضاء البشرية، بينما اعتلت المملكة العربية السعودية قائمة الدول المستوردة للأعضاء البشرية».

وعدد العمليات التى تجرى فى مجال الاتجار بالأعضاء البشرية تقارب نحو 7000 عملية سنويا، وطالبت «كوفس» التى تمتلك فروعًا فى 24 دولة على مستوى العالم، السلطات لمصرية بسرعة سن تشريعات وقوانين صارمة تُغلظ من العقوبات المفروضة على المتاجرين بالأعضاء البشرية حتى لا تتحول مصر إلى سلخانة كبيرة -بحسب تقرير التحالف الدولى لمكافحة تجارة الأعضاء البشرية-.

كما أشارت دراسة خرجت من جامعة الإسكندرية فى عام 2013 إلى، أن ظهور مافيا الاتجار فى الأعضاء البشرية فى مصر، يرجع إلى حالة الفقر الشديدة التى يعانى منها الشعب المصرى، ونقص التشريعات التى تجرم هذه التجارة المحرمة، موضحة أن بعض الأطباء وجدوا فى تجارة الأعضاء البشرية فرصة لتحقيق مكاسب مالية سهلة، مؤكدة أن 78% من المانحين المصريين يعانون من تدهور فى حالتهم الصحية بعد العملية الجراحية، فى حين يعانى 73% من ضعف قدراتهم على أداء الوظائف والمهام الصعبة التى تقتضى جهدًا شاقًا.