د.رشا سمير تكتب : غراميات شارع الأعشى

مقالات الرأي




"غراميات شارع الأعشى" أحداث أعمال الروائية "بدرية البشر
عزيزة.. نموذج المرأة السعودية التي يجهض الواقع أحلامها كلما حاولت كسر تابوهات المجتمع المُغلق
الأنثى تخطئ حين تظن أن طعام الجسد هو رغبة الرجل الأولى والأخيرة من المرأة
الغبار ليس وحده ما يحول المدن إلى مقابر، هناك أشياء كثيره تجعل الأوطان مقابر             
الشوارع مثل البشر.. لكل شارع حكاية ولكل وجه فيها ألف قصة..
ولو أمعنا النظر قليلا لاكتشفنا أن لكل قصة أحيانا ألف وجه..
دائما ما تسقط الأقنعة عن تلك الوجوه في الروايات التي تكتبها أقلام الأدباء.
حين يختبئ الروائي هناك خلف تلك الناصية أو ينزوى بجوار هذا المبني..
يرقب..ويحلل..ويخزن..ثم يجتر كل تلك الأحداث التى تمر أمام عينيه في رواية..
رواية تأخذنا إلى هذه البقعة البعيدة فنراها بعين القاص ونعيشها من خلال نبضات قلمه..
إذا أحببت المكان.. نجح الكاتب..
وإذا كرهته..نجح أيضا!.. فالنجاح وجه واحد لمجموعة مشاعر عادة ما تسكننا حين نغوص بين صفحات أي رواية..

هكذا نجح أديبنا العظيم نجيب محفوظ في أن يكتب عن الحارة.. الحارة التي سكنها فسكنته، حيث الصخب الإنسانى في منطقة الجمالية، يأخذنا الكاتب إلى رحلة ممتعة بين السطور بعد معايشة حقيقية لتلك الشخوص التى أستطاع بقلمه أن يمنحها الحياة على الورق..

سي السيد الرجل الشرقى القاسي بعقائده وقوانينه الخاصة، أمينة الزوجة المستسلمة، زنوبة العالمة التي أجبرتها الحياة علي أن تفرط في شرفها لأنها لا تمتلك سواه، ياسين الشاب المناضل الذي يبحث عن حرية وطنه وسط أنقاض مجتمع هوت أخلاقه..

هكذا رسم المُبدع نجيب محفوظ شخصيات من لحم ودم إمتدت أيدينا بين صفحات الثلاثية لنلمس دفئ مشاعرها ونسمع نبض قلوبها وكأننا نعيش بينهم..

وحين قدم محمد شكري الكاتب المغربي صورة بذيئة عن شوارع طنجة الخلفية في روايته الخبز الحافي، قامت الدنيا ضد أدب رخيص وصف معارك أبناء الشوارع بقسوتها..ولكنها فى الحقيقة كانت الصورة الخالصة التي عاشها الأديب الأُمي لفترة طويلة عن حياة عركها فعركته وأخرجت تجربته الصادمة على الورق..
 
إنها تلك الشوارع التى إحتضنته طفلا فقابل العاهرات وتجار المخدرات والشواذ..وعاش بينهم كواحدا منهم فانحاز لقضاياهم وانهزم فى معاركهم..
 
نحن هنا في (غراميات شارع الأعشى) بصدد الدخول إلى عالم مختلف لروائية تحمل الجنسية السعودية في جواز سفرها وتحمل تابوهات المجتمع السعودي وأحلامه في طلقات حبرها..
 
في رواية منمقة تقع في 287 صفحة صادرة عن دار الساقي اللبنانية، دار النشر التي تعودت أن تنتقي أعمالها بدقة وأن تحترم كتابها بدرجة تسمح لهم بالتعبير الصادق عن مكنون أنفسهم..
 
تقدم لنا بدرية البشر روايتها الجديدة (غراميات شارع الأعشى) وهي العمل الأدبي العاشر لها بعد مجموعات قصص قصيرة وروايات كان أخرها (الأرجوحة) التي نالت إستحسان القراء..
 
وحيث أن الكاتبة حاصلة علي الدكتوراة في فلسفة الأداب، فقد استطاعت أن ترقب عن كثب شخصيات أعتقد أنها تعاملت معها في الواقع واستطاعت أن تطوعها على الورق لتصنع منها أبطالا لشارع الأعشى..
 
هذا الشارع الموجود بالفعل في مدينة الرياض والذي سمي على إسم الشاعر الجاهلي القديم الاعشى..
 
بحس الأنثى حين تروى..تأخذنا بدرية البشر فى مغامرة أبطالها يتقابلون وتتقاطع أقدارهم من فوق سطوح شارع الأعشى إلى أزقته..

وتغوص بجرأة إلى عمق التطور المجتمعى الذى حدث فى قلب المجتمع السعودى..
 
تلك التحولات التى حدثت بدءا من دخول التلفزيون المُلون وإنقضاض موضة أفلام الفيديو والمحال التي تبيع أشرطة الأغاني إلى الحياة الصاخبة..
 
كما استطاعت بتقنية (الصنايعى الشاطر) أن تلتقط حدث عادى جدا لتحوله إلى منظور يلتقط أفعال المجتمع..وهو حدث دخول الهاتف إلى المنازل كما سبقه التلفزيون الملون، وكيف كان التليفون حدث يخص الرجال وحدهم حين كان يقبع فى غرفة الضيوف، غير مسموح سوى للرجال بإستخدامه..ثم ما لبث أن انتقل إلى الصالة الرئيسية التى تجتمع فيها العائلة لينتهي الأمر بتسلله إلى الغرف الشخصية، ومن هنا تبدأ بدرية البشر فى رصد المكالمات الليلية بين العشاق، التى عادة ماتتم بعيدا عن عيون مجتمع يلزم المرأة بالفضيلة فى ظاهره حتى لو كان الباطن مكالمات ليلية ساخنة!.
 
جاء على لسان بطلة الرواية عزيزة بشأن هذا الصدد وصف مُعبر جدا تقول فيه: «لم يعد هناك سطح صار هنا هاتف».
 
فبدلا من الجلسات التى كانت تتم على أسطح البيوت بات الهاتف هو المحاولة الأسهل للقاء الحبيب وسماع صوته بعيدا عن رقابة الأهل وأصابع الإتهام التى يُلقى بها المجتمع فى وجه الفتيات.
 
التغيير الذى تحدثت عنه بدرية البشر لم يتوقف عند التلفزيون والتليفون..بل إمتد ليشمل الفن والثقافة..فالشعب السعودى المولع بالفن المصرى والذى تأسره كريمة مختار فى دور الأم وسعاد حسنى فى دور العشيقة وفاتن حمامة فى دور الضحية..كان ولازال يحلم بصوت فيروز وأم كلثوم ونجاة الصغيرة وبالأفلام المصرية الأبيض والأسود..
 
مع الغزو الفكرى الثقافى الذى حدث لمجتمع يتغير الذوق العام. وهو ما يحدث بالضرورة فى المجتمعات العربية التى طالتها يد التغيير..
 
ومن مرحلة إلى أخرى..ومن فترة إلى ثانية..يختفى صوت القاهرة وصوت لندن وتحل محلهما الإذاعة المحلية التي تُرسل برامج منوعات محلية دون موسيقى ودون صوت امرأة!.
 
 غاب وجه فيروز عن التلفزيون ولم تعد نجاة الصغيرة تظهر بوشاحها الأخضر المشبك..وبحسب كلمات الكاتبة..صار التلفزيون فارغا إلا من سهرات مسرحية باردة أو برامج وثائقية واحتفالات رسمية..
 
هذا التحول طال أيضا البيت الجديد الذى إنتقلت إليه عزيزة بطلة الرواية..وهو ما جاء على لسانها حين قالت:
«حينا الجديد أغنى من حي شارع الأعشى وأنظف، لكنه فقير من الناس غابت عنه صيحات الأطفال وفقدتُ قدرتي على الخروج وحدي والمشي إلى البيت المجاور».
 
تصف عزيزة شارع الأعشى فتقول:
في الصباح استيقظت علي شعاع شمس بيضاء دافئة ببيوتها الطين حجبت عنا الشارع الطويل والحياة القائمة خلفه، وينفتح بطن الوادي علي شارع اسفلتي طويل تسمي بإسم شاعر جاهلي قديم ولد وعاش ومات هنا منذ زمن طويل اسمه الأعشى يتحدث عنه والدي وكأنه احد سكان حينا، هذا الشاعر هنا قريبا منا حتي صرت اظن انه ذلك الرجل الضامر الذي يخرج علينا من خلف أطلال البساتين الظاهرة خلف الشارع حيث نشاهده كل صباح وقت ذهابنا إلى المدرسة يخرج من بيوت الطين البعيدة بيده عصا وله لحية بيضاء طويلة، يرفع نظره نحونا يحدق في سرب من الفتيات اللاتي يقفن عند الشارع بإنتظار باص المدرسة، يتفرسنا طويلا ثم يمضي في طريقه ثم يغيب..

الانثي تخطئ حين تظن أن طعام الجسد هو رغبة الرجل الأولي والاخيره من المرأه، أو أن جسدها أو إنجابها هو القفص الذي يسجن الرجل بقربها ويبقيه عليها، إنها بهذا التفكير تهين نفسها وتهين رجلها أيضا
 
عزيزة:
عزيزة هى بطلة الرواية..وهى كما أستشعر لو صدق حدسي من بين سطور الرواية أنها الكاتبة نفسها..لقد شعرت من وصف الروائية وغوصها المبالغ فيه فى شخصية عزيزة دون غيرها من الشخصيات بأنها تتحدث بلسان حالها..
 
فعادة ما ننزلق نحن الروائيون تحت عباءة أحد أبطالنا..فيأخذنا إلى ما لا نريد أن نقوله..أو عادة ما يكون بطل دون غيره صوته أعلى فيُفصح عن شخصية الكاتب الحقيقية دون قصد..
 
عزيزة هى الراوى فى الرواية التى تحكى عن حياتها مع أسرتها المكونة من والديها وأربع أخوات وشقيقين في بيتهم الواقع في شارع الأعشى الذي تصفه بأنه صندوق الدنيا، ثم تعود إلى الوراء إلى سنوات البراءة والطفولة حين كانت بيوت الشارع متلاصقة وتصفها بأنها كأنها تعكس حالة من التكاتف الاجتماعي بين أهلها، ومع الوقت تسرب الغرباء إلي الشارع وإلى الأماكن المجاورة، وأحدثت التغييرات التي اجتاحت الشارع والمجتمع نفوس أبناء المدينة أنفسهم.
 
عزيزة طوال الوقت تتمرد على المجتمع وتقاليده التى تضع المرأة فى إطار ضيق تمنعها من أن تنال حريتها..فهى تبحث عن كيانها بعيد عن توصيف المجتمع للمرأة السعودية وتهميشه لها..
 
ويظل نموذج سعاد حسنى ونادية لطفى فى الأفلام المصرية التى هى مولعة بها، هما النموذج الذى يحرك كل ساكن بداخلها..ويحثها على المزيد من التمرد..
 
وفى كل مرة تحاول الخروج..يجهض المجتمع أحلامها ويكسر عزيمتها..
 
وحين تقع عزيزة فى غرام طبيب مصري وتنوي الهروب معه، تفشل فى إستخراج جواز سفر وتنهزم إرادتها أمام لوائح وقوانين دولة لا تعترف بحقوق النساء، فيدفعها ضعفها إلى الاقتران بصديق والدها الذى يقترب من عمره "أبو فهد"..وتنتظر ثورة حبيبها وإستماتته من أجلها، فإذا به يجبن ويتركها فى عز انكسارها وضعفها ويهرب!.
 
وضحى:
ومن بين السطور تهل علينا (وضحى) الفتاة الشابة التى زوجها والداها وهي في العاشرة برجل بدوي بحُكم تقاليد وأعراف المجتمع، فتعيش مع زوجها في الخيام ترعى الغنم وتستقبل الضيوف التى تهبط عليهما من كل مكان، فتطبخ لهم الطعام وهو يرتحل في بعض البلاد البعيده في مواسم بيع الماشيه..
وفي احد المرات المعتادة يرتحل الزوج ولا يعود!.
 
تنتظره الزوجة الشابة لمدة عامين ولا يعد، يذبحها هى وأولاده الصغار الجوع وهي لاتعرف احد..فتسافر إلى الرياض علها تجد فيها ملجأ أو مأوى..
 
ترسم الروائية شخصية (وضحى) بريشة المتمرد الواثق الغير مُبالى..فهى سيدة عفويه تجالس الرجال دون خوف من تعليقات الآخرين ولا قسوة المجتمع..حتي أبنائها ولدتهم بطريقه عفويه..ترعي الغنم فتذهب حاملا وتعود بطفل.
 
مزنة:
بإختلاف الأجيال تختلف الأعراف..ولأن صور التمرد تختلف بحسب عمر أبطال الملحمة..هكذا ترسم بدرية البشر صورة لنوع آخر من التمرد وهو الفتاة الشابة (مزنة) إبنة وضحة..التى تُصر على الزواج من  شاب فلسطيني مقيم في الرياض، ومعارضة أهلها بتحدى سافر فى تلك المسألة، مما يدفعهم إلى التنكر لها، ومقاطعتها بعد إصرارها على رجل يحمل جنسية مختلفة وزواجها منه الذى تكسر به كل التقاليد والأعراف..
 
عطوى:
وتظهر شخصية "عطوى" الفتاة التي تنشأ وحيدة في كنف زوج أمها.. لتعبر عن حالة الضياع وعدم الاكتراث التى قد تواجه أى فتاة شرقية تبحث عن إهتمام الأب بعد زواج أمها من آخر..فتهرب إلى الرياض، لتتعرف إلى (أم جزاع) وتنضم إلى نساء شارع الأعشى..فتكفلها أم جزاع إجتماعيا ونفسيا، وتعيدها إلى حياتها الطبيعية.
 
يظل من أقوى المشاهد فى إعتقادى تلك الذى قرأته فى وصف المؤلفة حين تحدثت عن عطوى واصفة مشاعرها الأنثوية برومانسية شديدة..فتقول:
 
" لا تذكر عطوى منذ متي كانت تلبس قميصا وآزار وعمامة قطن بيضاء على رأسها كما يفعل الصبية في قريتها، لكنها وجدت نفسها هكذا في السوق مع زوج والدتها، لا تذكر أنها امتلكت ثوب فتاة إلا وهي صغيره، وحين مزقته أغصان الشجرة وهي تلعب في حقل الرمان ضربها زوج أمها وربطها يومين في الشجره ذاتها، ظلت تبكي خائفه من صوت الريح البعيده وحفيف الاشجار التي تصب في أذنها تراتيل لم تفهمها، وحين استفاقت في الليل علي دفئ بولها بين فخديها، سمعت صوتا يشبه صوت والدتها يقص عليها قصة الفتاة التي اختبأت وسط جذع شجرة وطارت مع فتاها الوسيم وحين عادت للنوم استمر الحلم يتناسل في أحلامها ".
 
الرجل:
يظهر الرجل فى الرواية بأكثر من صورة، فينافس فى البطولة بشكل موازى للمرأة وهو ما أعتقد أن الروائية قد قررت به أن تخرج من إحتمال سقوطها فى فخ الكتابة الأنثوية..وهى التهمة الجاهزة التى يلقى بها النقاد عادة فى وجوه الكاتبات من النساء..وكأن الكتابة عن المرأة وعن عوالمها تهمة أو مرض يجب على الروائيات الشفاء منه حتى ينجحن!.
 
 لمست الرجل حاضرا بشكل قوى فى شخصيته المتحضرة كحالة والد عزيزة المتفتح المحب لأسرته وأبنائه، أو أبا غائبا وزوجا كريها، هجر إمرأته وترك أولاده فى مهب الريح، مثل حالة أولاد وضحة الذين يجدون أمهم فى حياتهم هى بمثابة الرجل والمرأة معا..مما يدفعهم إلى الإنزلاق والإندفاع ناحية الهاوية دون عمد منهم.
 
وبين حضور الأب وغيابه تُطل علينا صور أخرى متباينة..فمن رجل شغوف إلى رجل لهوف إلى رجل ديكتاتور فى مشاعره..
إستطاعت بدرية البشر أن تقدم صورة حقيقية للرجل السعودى أب كان أم زوج وأحيانا إبن..من واقع نماذج رسمتها بقلمها الشجاع.
من أكثر الشخصيات الرجولية التى تعاطفت معها فى الرواية وأراها مكتوبة بحرفية شديدة هى شخصية الأخ (ضاري) أخو مزنة الذى ينشأ فى كنف زوج الأم.. وهو يمثل نموذج الشاب المتمرد، الذى يتمرد على تسلط المدرسة والأخ والأم، وفي ظل غياب الأب وإنحناء الأخ الآخر أمام قوة الأحداث، يختار ضاري شخصية تتوافق مع الواقع الذي يعيش فيه، ويقرر بين لفتة عين وإنتباهتها أن يكون إسمه على مسمى..فتصبح عقائده أكثر (ضراوة) من إسمه!.

سعد المتشدد الهائم:
ومثل كل كاتب مهموم بقضايا وطنه وبمعاركه..يقفز صوتا سياسيا من بين أصابع الكاتب فيتخفى خلف حروفه ليعبر عن عقائده الشخصية..
 
ومن هنا قررت بدرية البشر أن تستغل وقائع حقيقية لحادثة شهيرة عام 1979 وقع ضحيتها المئات وتم إحتجاز المصلين فى الحرم وأريقت فيها دماء كثيرة من قبل جماعة مجهولة لتعبر عن إتجاهتها السياسية..
 
لقد تعاملت الكاتبة مع هذا الحادث على أنه منطلق جيد للإشارة إلى خطورة الحالة التي بدأت بالتبشير للفكر الجهادي، مما جعل الكثير من الشباب يتخلون عن أحلامهم الواقعية ويختارون طرقا فرضتها عليهم أفكار متشددة رسخها كل المستفيدون وصبوها فى رؤوسهم، وعادت تشير من بعيد إلى مسايرة النظام لتلك التوجهات.
 
وهى ترمز هنا بصورة (سعد) لتلك الجماعة من المتشددين الذين باعوا عقولهم للشيطان..سعد هو الرجل الذى لا يضحك ولا يبتسم..ويتوتر حين تبادره إمرأة بالحديث..صوت المرأة الذى يتعرى عنده مثل جسدها..فهو يعتبر حديث المرأة مع الرجل من نقص الحياء..يخدشه الحديث مثلما يخدش جسدها اللمس.
 
مع تردده على جماعة داخل المسجد..شعر سعد برغبته فى إختصار حياته، وداهمته أشواق الرحيل عن دنيا المعاصى الفانية..وبدأت آماله تهديه كل ليلة سبعين حورية فى الليلة..أصبح النوم فى الآخرة ووعودها الرحيمة أحن إليه من الحياة فى الدنيا الفانية..
 
طال التغيير المجتمع كله..المجتمع الذى وقع فى قبضة الحلال والحرام من وجهة نظر المتشدين، كان لابد وأن يجد متنفسا لأوجاعه وأحلامه.
 
 
 
فالنساء حين يقعن فى قبضة القهر والممنوع..يبحثن عن البديل حتى لو كان شعاع الضوء مجرد شق فى حيطان جحورهن.
 
وشارع الأعشى لم يكن سوى قصة مدينة أرهقتها التحولات وطالتها يد التغيير ليرسم لها ألف قصة غرام.
 
فلو كان المسموح للفتيان أن يتسكعن فى شوارع المدينة لأنهم يحملون صفة الذكورة فى بطاقاتهم الشخصية، فلا بديل أمام النساء إلا أن يتسكعن بهواتفهن المحمولة..وحين لا يجدن مركبة تتجول بهن فى المدينة، فإنهن يركبن قارب النجاة الليلي ويجدفن فى أرقام يخترعنها حين لا يعرفن أحد..فيتعارفن.

هكذا تتسرب إليهن روائح المدينة وضوضائها وروائح فاكهتها المعصورة فى هذه الأحاديث.
 
وكما كان شارع الأعشى شاهدا على غراميات مجتمع خلع ثوبه البالى ليرتدى ثوبا جديدا.. ستظل كل شوارع المدن الأخرى هى التاريخ الذى يحمل عناوين كل الحكايات الجديدة التى يكتبها الحكائين.