إخوان الأردن يشاركون في الانتخابات النيابية لإعادة "ترخيص" الجماعة

عربي ودولي

انتخابات - أرشيفية
انتخابات - أرشيفية


بعد مقاطعتهم الانتخابات النيابية لدورتين أجريتا عامي 2010 و2013، يعود الإخوان المسلمون إلى البرلمان الأردني، عبر تحالف "وطني" ضم شخصيات من غير الإتجاه الأسلامي، تاركين وراءهم شعارهم التاريخي "الإسلام هو الحل"، في معركة بدت وكأنها محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من "الجماعة" التي بدأت تتماهى مع الحل الرسمي غير المعلن بشكل واضح لها.

 

ووفق الرأي الراجح اليوم، ثمة تحول بطيئ، ولكنه عميق، ضرب عمق الجماعة، جعلها تمضي قدماً نحو غلبة الرؤية الأخيرة، فمسألة «حل الجماعة» جرى تطبيقها عمليا، وبشكل هادئ، وفق سلسلة قرارات رسمية، دفعت خيار حل الجماعة و«الاحتماء» بحزب جبهة العمل الإسلامي، الذي أصبح الإطار البديل «رسميا» للجماعة، وفضاء تحركها الحيوي، ما يعني أن ثمة قرارًا، بمنطق الحال لا المقال، ومن كل الجهات، بإعادة إنتاج الجماعة، وتحولها فعلاً، وبشكل بطيئ إلى مجرد «حزب» شأنها شأن أي حزب آخر.

 

وبغض النظر عن مدى ملاءمة هذا التحول للحالة الأردنية، فإن ما يجري حاليا، هو تطبيق عملي واضح لتلك الرؤية، ويبدو أن هذا الأمر يروق للأطراف كافة، كون وجود الحزب الإخواني، يشكل عاملاً مرجحًا لإضفاء نوع من الجدية، إن لم يكن حتى «الشرعية» على صورة الدولة، وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات النيابية التي جرت مؤخرا، وأحرز الإخوان فيها عددا غير مفاجىء من المقاعد.

 

ويرى مراقبون أن ما جرى فعلا، هو تسليم واقعي بحل الجماعة، حيث يقول علي أبو سكر، الناطق باسم الهيئة العليا للانتخابات في التحالف الوطني للإصلاح، الذي خاض الإخوان الانتخابات تحت مظلته، أن نواب التجمع الذين فازوا في الانتخابات سيتحولون إلى كتلة في المجلس النيابي (16 مقعدا من 130)، يعبر عن روحية التجمع، وليس عن حزب جبهة العمل الإسلامي، ناهيك عن مبادىء ومواقف جماعة الإخوان المسلمين.

 

ويقول أبو سكر في تصريح خاص بالأناضول، أن التحالف يشعر بـ"الرضى" عما أنجزه، مؤكدا أن هذا لا يعني "القبول" بالنتائج، ملمحا إلى "الغموض الذي شاب عملية تجميع الأصوات، والتأخير غير المبرر في إعلان النتائج الأولية"، مؤكدا أن العملية الأكثر تعقيدا وهي فرز الأصوات استغرقت عدة ساعات، فيما استغرقت العملية الأسهل، وقتا طويلاً "مقلقا" على حد تعبيره، الأمر الذي "قد يكون حرم التحالف من بعض المقاعد"، بحسب تقديره.

 

التحول الجذري الذي شهده إخوان الأردن، أو سيقوا إليه مكرهين، هو صدى للهزيمة التي مني بها جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد الإنقلاب على الرئيس المنتمي للجماعة، محمد مرسي في 2013، وإن كانت التجاذبات بين الإخوان والقصر الملكي في الأردن، بدأت في وقت مبكر، قبل نحو عقد من الزمان، حينما أخرجت دوائر صنع القرار في الأردن ورقة "ترخيص الجماعة" وظلت تلوح بها بين حين وآخر، باعتبارها جماعة غير مرخصة، إلا أن تفعيل هذه الورقة واستخدامها بشكل خشن، بدا واضحا بعد استقواء الثورة المضادة على ثورات الربيع العربي، ودنو وقت المحاسبة.

 

ووفق مصادر حكومية موثوقة، فقد نأى الإخوان في ذروة الربيع العربي عن لقاء قادة الدولة الأردنية، رغم طلب هؤلاء اللقاء بهم، و"التفاهم" على مطالب حراك الشارع آنذاك الذي كان على أشده، وهو موقف دفع ثمنه الإخوان غاليا، بعد أن أغلق الأمن الأردني المقر الرئيس للجماعة، وسط العاصمة عمان، وعددا من مقرات الفروع، في المحافظات، حتى إذا أزف موعد الانتخابات النيابية، رأى فيها إخوان الأردن فرصة لإعادة ترخيصهم، عبر عودتهم للبرلمان، والاحتماء من التهميش بالمشاركة في جبهة وطنية عريضة، دفعًا للتهمة التي لازمتهم على الدوام، بأنهم "استحواذيون لا يقبلون الشراكة".

 

وهي رسالة أيضا للنظام الذي قرر أن يبقيهم فوق صفيح ساخن، عبر التهديد بورقة الترخيص، ووسم "الإرهاب" بعد أن تعرض لضغوط كبيرة بهذا الخصوص من غير دولة عربية، أدخلتهم في دائرة التنظيمات الإرهابية وأخرجتهم عن القانون والشرعية.

 

قصارى القول، كان النظام بحاجة للإخوان لإنقاذ الانتخابات، وإضفاء صفة شرعية عليها، عبر رفع نسبة المشاركة، بعد أن تآكلت صورتها بفعل عمليات التزوير المستمرة للانتخابات الماضية، وكان الإخوان بحاجة لاستعادة شرعيتهم القانونية، و"إعادة ترخيص" وجود الجماعة، عبر الهروب إلى الأمام، والجلوس تحت قبة برلمان يعلمون قبل غيرهم، أن دوره التشريعي والرقابي له سقف محدد جدًا، بسبب هيمنة السلطة التنفيذية، وسلطاتها غير المحدودة على البلاد والعباد.