د.دينا أنور تكتب: في تونس بيحبسوا المتحرش.. وفي مصر "تستاهل اللي يجرى لها"
أكاد أجزم أن كثيرا من المصريين لا يعلمون عن دولة تونس شيئا سوى من خلال مباريات كرة القدم أو عبر بقايا معلومات دراسية عابرة في حصة الجغرافيا قديما, ولكن بشأن الريادة التونسية وتقدمها على نظائرها من الدول العربية والإفريقية في السعي لتحسين أوضاع المرأة وحمايتها من جميع أشكال العنف ضدها, أظن أنهم يجهلون أو يتجاهلون, أو يتعمدون الجهل والتجاهل معا لحفظ ماء الوجه.
تونس التي تقبلت قرارات الحبيب بورقيبة الجريئة بشأن المرأة منذ عام 1956م, صادق مجلس وزرائها في دورته الأخيرة على إجراء تنقيح لعدد من فصول المجلة الجزائية وتعويضها بفصول جديدة تتماشى مع المشروع المعروض للقضاء على العنف ضد المرأة, الذي يقضي بعام من الحبس لكل من يتعمد مضايقة الأنثى في مكان عمومي بفعل أو قول أو إشارة من شأنها أن تنال من كرامتها أو تخدش حيائها, بينما نحن في مصر نكافح موضة البنطلونات الممزقة وندعو لإصدار تشريع بمنع الفتيات من إرتدائها لوقاية الشباب من الاستثارة الجنسية!!
المشروع التونسي يقضي بغرامة مالية تقدر بألف دولار لكل من يتعمد التمييز في الأجر عن عمل متساوي القيمة على أساس الجنس, وتتضاعف في حالة العودة والمحاولة, أما نحن في مصر ننتج أفلاما على غرار "تيمور وشفيقة" تتبنى التمييز في العمل نفسه ضدالمرأة إلى حد استقالة وزيرة ناجحة ومتميزة في عملها من الوزارة عشان تتجوز وتقعد في البيت!!
يقضي القانون التونسي كذلك بالسجن لمدة عامين وغرامة مالية تقدر بـ 2500 دولار لمرتكب التحرش الجنسي, أما في مصر لم يجرؤ أحد على محاسبة المفتي السابق علي جمعة الذي حرض علانية على النظر والتحرش بغير المحجبات!!
المشروع التونسي تضمن أيضا عقوبة خمسة أعوام لكل من واقع أنثى برضاها دون 18 عاما, كما يجرم العنف الواقع من أحد أصول الضحية أو أحد الزوجين أو أحد المفارقين أو أحد الخاطبين, والمعتدي الذي تكون له سلطة على الضحية أو استغل نفوذ وظيفته، ويبدو أنهم لم يسمعوا عن جرائم الشرف ومعدلاتها القياسية في مصر وماتنتهي إليه من جلسات عرفية وحلول غالبا ما تأتي في صالح المجرم, ولم يسمعوا عن فتياتنا اللواتي يتعرضن للتعذيب والضرب المبرح والحرمان من التعليم والإجبار على الختان وإرتداء الحجاب والنقاب والزواج المبكر والحرمان من الطلاق والإجبار على القبول بتعدد الزوجات والتنازل عن محاضر الضرب من الأزواج.
وبناء عليه تسلم وزير الشئون الخارجية التونسي خميس الجهيناوي جائزة أفضل مؤشر للحقوق الإجتماعية لفائدة المرأة في اختتام أشغال قمة ورؤساء دول وحكومات الإتحاد الإفريقي, اعترافا بجهود تونس في النهوض بمكانة المرأة والمساواة بين الجنسين, أما مصر فلا زالت تحتل مركزا متقدما بين الدول التي تمارس التمييز والعنف ضد النساء, وتوضح مؤشراتها إرتفاعا ملحوظا في نسبة التحرش الجنسي بالفتيات, ببساطة لأننا نمتلك قوانينا ننفرد بها عن نظائرنا في كوكب تونس الشقيق, قانون شعبي برعاية سلفية وهابية يقول "تستاهل اللي يجرى لها, إيه اللي نزلها من بيتها أساسا", كما لدينا كلمة أخرى مأثورة تقول "لو كانت لابسة محترم ماكانش حد اتحرش بيها", والأجمل أن هناك مصطلحا فقهيا أجاد السلفيون استخدامه لإجبار المجتمع بأكمله على ممارسة العنف ضد النساء تحت مظلة الشرع, ألا وهو لقب "ديوث" الذي يمنحونه عنوة لكل رجل يحترم حرية النساء ولايهينهن, ولكن تونس تخلصت من كل هذه القيود في توقيت مبكر جدا عن كافة الدول العربية, منذ تقبلوا قرارات الحبيب بورقيبة الجريئة والتي وضعت المرأة التونسية في ركاب نساء الدول المتقدمة, وكيف لا؟ وبداية تونس كانت على يد "عليسة"فاتحة قرطاج ومؤسستها, ولكن يبدو أن غالبية الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها مصر ستظل مقتنعة أنه لن يفلح قوم ولي أمرهم إمرأة, وستظل المرأة في مصر لا تجد من يحنو عليها ويعاملها بإنسانية ويأتي لها بحقوق فعلية بعيدة عن الخطب العصماء والقوانين البارافانية التي لاتجد حيزا للتنفيذ, ولكننا بلاشك أفضل كثيرا من دول الظلام التي لازالت تناقش تكوين المرأة وإنتمائها لجنس بني آدم أم لفصيلة الثدييات, وبناء عليه يفرضون عليها إرتداء خيمة سوداء ويمنعونها من قيادة السيارة حتى اليوم في القرن الواحد والعشرين!!