منال لاشين تكتب: التقارير الرقابية تذبح الوزراء

مقالات الرأي



■ مفاجأة: كرتونة رمضان وأرز التموين وراء ذبح وزير التموين

■ خالد حنفى أخبر الرئيس عن انتهاء أزمة الأرز وكذبته التقارير الرقابية

■ أكاذيب وزير الصحة حول فيروس سى كادت أن تقلعه من الحكومة

■ ثلاثة وزراء يحاولون النجاة من قضية فساد القمح

■ ووزير الصناعة يتبرأ من أزمة إغراق السكر


بعد اختيار وزير جديد للتموين تنفس أكثر من وزير الصعداء، وشعروا بالأمان المؤقت، فعلى الرغم من تأكيد رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل أنه لا تعديل وزارى، فإن عددًا من الوزراء انتابتهم مخاوف أو بالأحرى كوابيس بالليل والنهار من الإطاحة بهم، ربما لأن هؤلاء الوزراء تصوروا مثل كثير من الناس أن خالد حنفى طار بقضية القمح، وأن البرلمان بتقرير تقصى الحقائق نجح فى الإطاحة بوزير مهم وقوى جدا، وزير كان أحد المرشحين لرئاسة الحكومة، وزير كان عضوًا شبه دائم فى الفريق الرئاسى فى الجولات الخارجية للرئيس، فإذا كان تقرير برلمانى أطاح برجل بمثل هذا النفوذ، فمن حق الآخرين أن يصابوا بالرعب.


1- أزمة رمضان

ولكن الحقيقة مختلفة تماما، ربما يكون تقرير فساد توريد القمح آخر خيوط أزمات وزير التموين، ولكن لا البرلمان ولا أزمة القمح وراء خروجه والغضب عليه، فى مصر وإلى حد بعيد تتحكم التقارير الرقابية فى بقاء الوزراء، خاصة تقارير المتابعة التى تجريها بصفة دورية الرقابة الإدارية، وبالإضافة إلى التقارير الدورية، ثمة تقارير خاصة بملف ما، هذه التقارير الخاصة هى الأخطر بالتأكيد، لأنها فى الغالب تكشف أكاذيب تصريحات الوزراء.

وزير التموين خالد حنفى استطاع أن يثبت نجاحه فى منظومة الخبز والكروت الذكية ومواد التموين لمحدودى الدخل، وملف التموين وتوفير أكل الغلابة هو الأهم لدى رئيس الجمهورية، ويملك خالد حنفى قدرة أو براعة فى تسويق أفكاره ومشروعاته، هذه البراعة أفادته حتى فى عمله كأستاذ فى الأكاديمية البحرية، فقد أقنع القائمين عليها بإنشاء كلية تابعة للأكاديمية فى التسويق الزراعى والبورصات.

ولاشك أن خالد حنفى حقق نجاحات عدة، وأنه نال رضا الرئيس بسبب هذه النجاحات، ولكن منذ عدة شهور بدأت علامات استفهام تحيط ببعض نجاحاته، الأمر بدأ بكرتونة شهر رمضان، وهى التى قامت الدولة بتوزيعها على الفقراء ومحدودى الدخل، فقد لفتت مكونات كرتونة رمضان نظر بعض الخبراء، وعلى الأخص وجود مكعبات شوربة الدجاج فى الكرتونة، والمكعبات من شركة قطاع خاص تكرر وجودها فى أعمال الوزارة، وتكرر التعامل معها فى الكثير من السلع الغذائية، وبحسب تقرير رقابى فإن الاستعانة بهذه الشركة وغيرها لم يؤد إلى توفير فى النفقات أو فى فاتورة دعم المواد الغذائية، وهذا التقرير كان من تقارير المتابعة، وكان أول علامة استفهام فى الطريقة التى يدير بها خالد حنفى وزارة التموين،

ولكن التقرير الأخطر هو تقرير خاص بأرز التموين، فمنذ أشهر تزايدت الشكوى من اختفاء الأرز المدعم، بل وصلت الأزمة إلى أرز التموين، واستدعى الرئيس السيسى وزير التموين للاطمئنان على حل الأزمة، وفى هذا اللقاء أكد خالد حنفى للرئيس حل أزمة الأزر وانتهاء المشكلة، وبعد اللقاء طلب الرئيس تقرير متابعة خاص عن أزمة الأرز، وكشف التقرير الرقابى استمرار الأزمة، وكشف مهازل فى المحافظات المختلفة عن سرقة أرز التموين فى بعض الحالات، واختفائه فى معظم الحالات، وأن الأرز الذى أعلنت الحكومة عن بيعه بـ4.5 جنيه لا وجود له فى معظم المنافذ الحكومية، وبحسب معلوماتى فإن هذا التقرير أغضب الرئيس، لأنه يكشف أن الوزير لم يكن صريحًا مع الرئيس فيما يخص أزمة الأرز، وهى أزمة تخص تعهدًا رئاسيًا بدعم الفقراء.

وقد أدت أزمتى كرتونة رمضان وأرز التموين إلى فقدان خالد حنفى الكثير من قوته، أو بالأحرى فقد الكثير من الثقة فى إنجازاته ونجاحاته.


2- حنفى وأهل البيزنس

لم تكن إقامة خالد حنفى فى فندق سميراميس خافية على الجهات الرقابية، ولم تغضب هذه الجهات من اعتماد وزير التموين على سلع واتفاقات مع أهل البيزنس، لأن المعيار كان كفاءة هذه الاتفاقات فى تحقيق الهدف، والهدف تقديم سلع جيدة بأسعار منخفضة للفقراء، ولكن خالد حنفى توسع فى الاعتماد على القطاع الخاص، بشكل غير مقبول فى بعض الأحيان، وقصة السكر التى سأرويها لاحقا خير دليل، فمع الثقة التى كان الوزير يتحرك بها، زاد اعتماده على القطاع الخاص وبعض نجومه وحيتانه. وقد قاد خالد حنفى هذا التوجه بكثير من العشوائية، وفى بعض الأحيان بعيدا عن قواعد الشفافية والعدالة.

وربما لا يفهم البعض سر غضب الملياردير نجيب ساويرس لرحيل حنفى، ولا سر دفاعه عن وزير التموين السابق، فالوزير كان سيمنح نجيب ساويرس واحدة من صفقات العمر، فقد عقد خالد حنفى لقاء خاصا مع نجيب، وخلال اللقاء تم مناقشة حصول ساويرس على 4 مشروعات لوجستية بنحو مليار جنيه، ولم يفهم أحد سر تمييز نجيب ساويرس، وعرض مشروعات الوزارة عليه بالأمر المباشر، ولا سر الجلسة الودية جدا بين الوزير والملياردير، وقد نشر حنفى أو وزارته صورة اللقاء الودى، وبنفس الطريقة جرت لقاءات أو تعاقدات السلع المدعمة، استدعى الوزير عدة شركات دون الأخرى، وتعامل مع سلاسل غذائية وتجاهل أخرى، كل ذلك جرى دون شرح أسباب استدعاء هذا أو استبعاد ذاك.

فى ظل تراجع نفوذ الوزير تفجرت أزمة توريدات القمح، وأهم مؤشر فى التحقيق أو التقرير هى العشوائية التى يدير بها الوزير الأمور، فتقرير القمح هو الحلقة الأخيرة فى مسلسل أفول نفوذ الوزير، وهو نفوذ أصيب بتقارير رقابية وليست برلمانية.


3- أزمة فيروس سى

لم تصب التقارير الرقابية وزير التموين فقط، فقد كادت هذه التقارير أن تطيح بوزير آخر، وهو وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين، فقد أعلن وزير الصحة عن انتهاء قوائم الانتظار لمرضى فيروس سى، وكان ذلك الإعلان فى شهر أغسطس الماضى، وكان إعلان الوزير فى إطار خطة الدولة للقضاء على فيروس سى عام 2018، لكن تقريرا رقابيًا فضح تصريحات الوزير، فقد كشف تقرير متابعة أن قوائم الانتظار لا تزال موجودة، وكان تقرير المتابعة فى إحدى محافظات الصعيد، وكشف التقرير عن وجود 92 ألف مريض بفيروس سى، وأن هؤلاء المرضى تم تسجيلهم على الورق فقط، وذلك دون أن تجرى الصحة اتصالات بهم، وعدم تسجيل بياناتهم من الأساس، ولكن القضية لم تصل بإقالة وزير الصحة لسببين، نجاح الوزير مع البرلمان ونوابه، أما السبب الثانى فهو أن هناك محافظات تم بالفعل الانتهاء من تسجيل بيانات المرضى، وذلك تمهيدا لعلاجهم، ولذلك أنصح كل وزير بالحرص فى تصريحاته، فمن الممكن التغاضى عن حجم الإنجازات أو بالأحرى ضعفها، ومن الجائز أن نتجاهل عدم تنفيذ المستهدف من الخطط، ولكن ما لا يمكن التغاضى عنه هو الكذب فى التصريحات أو اللقاءات.


4- وزراء القمح والسكر

الإعلان عن اسم وزير التموين أنهى قلقًا وأيامًا عصيبة عاشها بعض الوزراء، هؤلاء الوزراء عاشوا أسود أسبوع فى انتظار الإطاحة بهم على خليفة قضية القمح، فتقرير تقصى الحقائق لا يمس وزير التموين السابق وحده، لكن هناك وزيرى الزراعة والصناعة التى تمتد قضية القمح إليهما وهناك علامات استفهام فى استعجال وزارة المالية فى صرف مستحقات القمح دون التحقق من المستندات، وبعيدا عن القمح فإن أزمة السكر تتقاطع مع وزير الصناعة، وكان وزير التموين السابق قد ادخل السكر المستورد فى منظومة التموين، والحجة كانت انخفاض سعره عن سعر السكر المحلى، وهذا التفكير قاصر لأكثر من سبب، أول هذه الأسباب أن مصر تعانى أزمة دولار طاحنة، أو بالأحرى نقص الدولار، وقد أدى هذا القرار إلى استنزاف موارد مصر من الدولار، وبالإضافة لأزمة الدولار فلدى مصر مخزون من السكر المحلى لم يتم استهلاكه، وكان وزير الصناعة قد أصدر قرارا متأخرا بفرض رسوم إغراق على السكر المستورد المثير أن القرار صدر بخطأ قانونى، وهذا الخطأ هو عدم تحديد مدة فرض الرسوم، وقد أدى هذا الخطأ إلى خسارة الحكومة لقضية الإغراق، ولكن يبدو أن ملف استيراد السكر قد أغلق برحيل وزير التموين، وأغلق معه ملفات أخرى خاصة بتوريد مواد غذائية من القطاع الخاص، ولم يتبق سوى ملف الفساد فى توريد القمح.