فؤاد معوض يكتب: كشف أثرى مهم.. العثور على مجموعة رسوم لـ«مصطفى حسين» لم تنشر من قبل!..
كلاكيت «بلغة السينمائيين - للمرة الثانية نعيد نشر وقائع القصة منذ البداية عندما شدنى «قريبى» الصحفى الجميل أكرم السعدنى من على المقهى لمقابلة رسام الكاريكاتير مصطفى حسين وأحمد طوغان «رحمهما الله» ومعهما الرجل «التخين» وزنًا ونقودًا محمد يحيى زيدان صاحب مجلة كاريكاتير التى عرضوا علىّ فى التسعينيات القيام بتولى منصب مدير التحرير بها أو بمعنى أصح رئيس التحرير الفعلى.. وذلك بالرغم من كراهيتى للمنصب وقيود المسئولية وضبطى بمواعيد للحضور والانصراف فلا الفلوس ولا المناصب تعنينى على الإطلاق.. كل ما يشغل بالى أن أعمل ما أحبه بحرية و«بمزاج» كامل لذيذ محبب وممتع!
ولأننى أحب هذا اللون الضاحك من المجلات منذ أن كنت رئيسًا لجماعة الصحافة بمدرسة روض الفرج الثانوية وتجربتى تشهد على ذلك فى إصدار مجلة ساخرة عام 1959 باسم «آخر ضحكة» وافقت على العرض الذي قدمه لى الثلاثى «مصطفى وطوغان وزيدان» بعد أن اشترطت عليهم عدم التدخل فى شئون التحرير الذى أنا مسئول عنه.. فلكى تنجح وترتقى لابد لكل منا أن يلتزم بمسئوليته.. رئيس التحرير مسئول عن التحرير سكرتير التحرير مسئول عن التوضيب.. فراش التحرير مسئول عن الكنس والرش وطلبات الشاى والساندويتش والحاجة الساقعة وتوصيل الضيوف حتى باب الأسانسير، وفى حالة انقطاع التيار الكهربائى وتعطل الأسانسير وداعهم إلى أول السلم مع تعظيم سلام محترم ولا تعظيم وداع سيادة العمدة عبدالرحيم «بيه» كبير الرحيمية جبلى أو حتى تعظيم «المدام» عندما تجىء للسلام أحيانًا ولاستلام «المرتب» فى كثير من الأحيان باعتبارها المسئولة عن مصاريف البيت!
المهم صدر العدد الأول من كاريكاتير فى عام 1990 وفى ظل ظروف سياسية قاسية قال عنها الناقد والصحفى الكبير محمد بركات فى مقال نشره بمجلة «كلام الناس» العدد 134 ديسمبر 1995 وكان مديرًا لتحريرها كتب يقول «أثناء الغزو العراقى للكويت كان العالم العربى يشتعل بالكارثة وكانت النفوس محطمة ولا يعرف أحد ماذا يخبئ الغد ولم تكن هى الساحة ولا الوقت المناسبين لإصدار مجلة فكاهية بينما الأمة كلها تبكى اليوم والغد معًا ومع هذا وضد كل القوانين والأعراف أصدر فؤاد معوض «كاريكاتير» فإذا بها تكتسح الساحة العربية كلها وخلال أسابيع وصل توزيعها داخل مصر وخارجها إلى أكثر من مائتى ألف نسخة وسط ذهول ودهشة الجميع وظلت المجلة ترتفع يومًا بعد يوم حتى بلغت العلالى فى مجالها.. ومع أول بادرة للتدخل فى عمله ترك فؤاد معوض المجلة بهدوء وعاد إلى المقهى وظل التوزيع يتناقص يومًا بعد يوم دون أن يعرف أحد السبب مع إن السبب كان واضحًا للعيان.. فقط.. غاب فؤاد معوض فغابت النكهة.. اللمسة.. المذاق.. غاب ذلك السحر الداخلى الغامض فى الأشياء الذى يعطى الوردة جمالها وقطرة الندى نقاءها ودعاء الكروان بكل ما فيه من شجن وإيمان».. إلى هنا انتهى كلام الزميل والصديق محمد بركات!
وتسألوننى من بعدها عن السبب فى وداعى أو هروبى من «كاريكاتير» بعد 26 عددًا أصدرتها ومعى نخبة من الكتاب الساخرين على رأسهم محمود السعدنى وأحمد بهجت وعلى سالم ويوسف عوف وفايز حلوة وأستاذ الأساتيذ الرجل الطيب محمد العزبى والناقد السينمائى الذى لم يعوض سامى السلامونى وحسام حازم وحسن إمام عمر و«الكروى» عبدالفضيل طه إلى جانب الرسامين الكبار مصطفى حسين وطوغان وحجازى وناجى كامل وزهدى وحسن حاكم وتاج وعفت وحسن فداوى والولد المبتدئ أيامها عمرو فهمى وصديق العمر والمشوار المهنى الفنان الجميل جمعة فرحات «شفاه الله وعافاه».
كان السبب واهيا للغاية مضحكًا للغايتين عندما دخل مدير الإعلانات إلى مكتبى.. رجل بـ«كرش» أصلع الرأس عريض القفا متشنفك المنكبين «يعنى إيه متشنفك دى»؟! ومعه دوسيه أزرق «مش أخضر ليه»؟! تحت إبطه بمجرد أن وضعه أمامى وفتحه ليعرض ما بداخله وكان عبارة عن ماكيت لإعلان قيمته عشرة آلاف جنيه يريد نشره فى الصفحة الأخيرة، مشيرًا بإصبعه - التخين الذى هو فى حجم أصبع كفتة الكبابجي محمد رفاعى - ناحية توقيع صاحب المجلة وتأشيرة بالقلم الأحمر «ينشر فورًا للأهمية».. أهمية الحصول على العشرة آلاف جنيه بالتأكيد!
كان الإعلان عبارة عن نص لوفاة أحد الأثرياء العرب المقيمين فى القاهرة أيامها.. واسم المتوفى كما جاء في الماكيت مكتوب بالبنط الكبير وباللون الأسود الغطيس تتصدره فى المنتصف صورة «الميت» بالغترة والعقال وتحتها كل أسماء العائلة الكريمة بما فيها الأنجال والأحفاد بعضهم موجود ومقيم والبعض الآخر على سفر فى بلاد الله لخلق الله.. وتصوروا ذلك فى مجلة ضاحكة أرادوا بـ«نعى» من هذا النوع أن يحولوا مدارها من الضحك والفرفشة والانبساط إلى «قرافة» يجلس على بابها مقرئ يلبس الكاكولا «مش القزازة» وإنما الجبة والقفطان وهو يتلو آية من الآيات القرآنية المناسبة لمثل هذا الحدث «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى» صدق الله العظيم.
منتهى الغرابة والاندهاش وضحك كالبكاء بل شىء لا يصدقه «عكل» على رأى خالتى شويكار وهو ما جعلنى أرفض نشر الإعلان وتقديم الاستقالة تاركًا لهم مرتب الشهر الأخير الذى شغلته بالكامل «خمسة آلاف جنيه» أيامها كانوا يساوون الخمسين ألفًا من فلوس هذه الأيام متبرعًا بها لأسرة «الميت» مساهمة منى فى التخفيف عنهم بما سيدفعونه من مصاريف الجنازة وأجور المغسل والحانوتى والمقرئين وتكاليف شراء «القرفة» و«اليانسون» و«البن المحوج» و«القرص» و«البلح الإبريمى» و«اليوسف أفندى» لتوزيعه على فقراء القرافة «رحمة ونور» على روح المرحوم لذا نسألكم قراءة الفاتحة.. على روح المرحوم أولاً.. وثانيًا على «روح» الفنان الراحل مصطفى حسين الذى اعتاد وهو فى بيته أو مكتبه بمؤسسة أخبار اليوم أن يرسل لى مع أحد سعاة المؤسسة ما يقرب من 15 رسمًا كاريكاتيريًا لـ«الدوبل باج» صفحتى الوسط بالمجلة الذى لا يتسع إلا لعشرة رسوم كان يتم نشرها وفى نفس الوقت احتفظت بالباقى منها ضمن أوراقى الخاصة التى أخذتها عند مغادرتى للمجلة ومعها رسومات أخرى «مؤجلة» لـ«حجازي» و«حسن حاكم» و«نزيه» و«بهجت عثمان» و«رجائى ونيس».
بالمصادفة وأنا أعبث فى أدراج مكتبى عثرت على هذه الرسوم التى أنشرها عملاً بمبدأ أنها لم تعد ملكًا لى فأحتفظ بها لنفسى!
الرسومات أصبحت ملكًا للقارئ الذى أحب مصطفى حسين وأعجب به واشتاق له بعد الغياب إلى خطوطه التى خلفها لنا وكل خط فيها له معنى ومغزى وذكرى دائماً على البال لنا ولعدة أجيال قادمة تؤكد بذالك على صدق المثل الشعبى القائل «اللى خلف ماماتش» أو.. «اللى رسم ماماتش»..
للمرة الثانية نسألكم الابتسام وعدم نسيان قراءة الفاتحة.