عن التحرش الأسري الذي تعرضتُ له
"في لحظة بعينها انفجرت، وذلك عندما علمت عن واقعة تحرش حدثت لإحدى قريباتي الشابات من قبل أحد اقاربها ايضاً..."
الخوف من الفضيحة
ليس من السهل على أي انسانة أن تخبر أحداً انه تم التحرش بها، فنظرة المجتمع العربي للفتاة التي تتعرض للتحرش باعتبارها "مفضوحة" تدفع الفتاة للتفكير مرتين قبل إخبار أي شخص عن حدث يحفر في ذاكرتها ويصعب عليها نسيانه. بالنسبة لي، على الرغم من علاقة الصداقة بيني وبين أمي، حيث احكي لها الكثير من تفاصيل حياتي بأريحية، إلا انني لم اجرؤ لمدة على إخبارها انني تعرضت للتحرش وأكثر من مرة، ومن قبل افراد من عائلتي من الذكور والإناث على حد سواء. واقعتيّ تحرش من أقارب بنات، وواقعة تحرش من قريب شاب... تلك الواقعة اأتذكرها جيداً ولا استطيع نسيانها أبداً، ولا أنكر انها تؤثر على نظرتي للجنس، حيث يصاحبه في داخلي احساس بالذنب ومشاعر تحاصرني.
مع ذلك، في لحظة بعينها انفجرت، وذلك عندما علمت عن واقعة تحرش حدثت لإحدى قريباتي الشابات من قبل أحد اقاربها ايضاً. شعرت أن أمي تحاول أن تقلّص من حدة الموقف، وتتحامل على الفتاة بشكل أو بآخر، فانفجرت وقتها وحكيت لها عن التجارب الكاملة التي مررت بها، وانا أمرر داخل كلامي عتاباً لاارادياً أنها لم تتمكن من حمايتي.
التجربة الأولى.. وشاب مريض نفسياً
واقعة التحرش الاولى التي تعرضت لها، كانت من الاخ غير الشقيق لأولاد خالي، حيث كان لهم أخ - من والدتهم - مريض نفسياً بالوسواس القهري. كان طويلاً وشعره أسود ثقيل أملس يقوم بتصفيفه طوال الوقت. كنت في الخامسة تقريباً من عمري او السادسة، وكنا في بيت أولاد خالي، أنا وأخي وهذا الشاب وأولاد خالي بمفردنا. كنتُ الفتاة الوحيدة بينهم، وكانوا كلهم يتعاملون معي على أنني أحد الأولاد بينهم. في لحظة ما كنت ذاهبة الي المطبخ لأشرب الماء، فقابلت هذا الشاب في طريقي للمطبخ. سألني بود عما أريد، فاخبرته. بدلاً من أن يأخذني الي المطبخ، أخذني الي دورة المياة واغلقها وانا اشعر بالتوتربأن ما يحدث ليس طبيعياً على الإطلاق، وقال لي "إشربي" وهو يشاور على صنبور المياة، "عشان مفيش ميا في التلاجة".
هكذا اخبرني، وقفت على أطراف أصابعي، وحاولت الوصول الي فيض المياة، ولكن فجأة شعرت بشيء صلب يحتك بي من الخلف. التفتّ بدهشة ورأيته عارياً. كان شكله وهو عارِ على الطبيعة مخيفاً بالنسبة لي. طلب مني أن ألمسه، ولكني بدأت أجهش في البكاء وانا أشعر بالذعر. عندما بدأ صوتي يعلو، شعر بالخوف واسكتني، وارتدى ملابسه واخرجني من دورة المياة دون حتى أن يحذّرني الا أخبر أحداً، وكأنه واثق انني لن أنجح في أن أخبر أحداً من الاساس.
التجربة الثانية
واقعة التحرش الثانية كانت من فتاة تكبرني بستة أعوام تقريباً. كانت قريبتي، وكنا نجتمع في بيت أحد أقاربنا في بلد ريفية من أجل مناسبة ما. كانت هي من المفترض حسب التقسيم أن تنام إلى جواري. في الليل ظلت تحاول امساك يديّ لتضعهما بين فخذيها وهي تقول لي "هوريكي لعبة". في هذا السن الصغير كانت شخصيتي ضعيفة جداً في مقاومة الامر، خاصة و"اننا بنات في بعضينا"، فالاهل دائماً يحذروننا من الأولاد وليس البنات، فما الخطأ في ذلك؟ استغلتني تماماً في تلك اللحظة حتى فعلَت كل ما تريد، ولكنها تركتني مشتتة أشعر بالتقزز من ملمس يديّ ولا أفهم ما فعلت ولا معناه.
اثر سلبي.. و شرخ نفسي
وقع تلك الحالتين لم يكن صعباً في وقتها بقدر ما تركا في نفسي شرخاً واحساساً بالتقزز لفترة طويلة تجاه كل ما يخص الجنس. كنت أشعر ان هذا الشيء مجرد خطيئة والذين يمارسونه مرضى وليسوا بشراً طبيعين. الأمر استهلك مني وقتاً طويلاً، حتى ترسخ لديّ الشعور ان الجنس عملية طبيعية اذا تمت في الإطار الطبيعي المغلّف بالحب. لم أستطع أن أقوم بهذا لوحدي، بل ساعدني طبيب نفسي صحّح لي الكثير من الأفكار والمفاهيم تجاه الجنس ومن تحرشوا بي.
" أشعر بغلّ ما بداخلي وغضب على تجرؤ هؤلاء البشر على تدمير ذهن وجسد طفلة لا تفهم "
من الصعب جداً التسامح مع من فعل بك مثل هذا الأمر. أمر صعب للغاية لم أتمكن من القيام به، ولكن ما تمكنت من القيام به هو محاولة عدم التفكير بالأمر ومحاولة تجاهل ما حدث كي أمضي قدماً في حياتي. أما التسامح فهو شيء صعب، فكلما أتذكر وجه ذاك الشاب، أو أحتك بقريبتي تلك في مناسبة ما، أشعر بغلّ ما بداخلي وغضب على تجرؤ هؤلاء البشر على تدمير ذهن وجسد طفلة لا تفهم ولا تعي في الأمر شيئاً.
تحدثوا عما حدث لكن دون خوف
لم أتحدث اليوم عن تلك الوقائع حتى أنفضها من على عاتقي، بل لأشجع الكثير من البنات على التعبير عن تجاربهنّ مع التحرش، وكشف الستار عن فضيحة التحرش التي تحدث داخل العائلات، ويكون أثرها أقوى وأصعب من التحرش من قبل شخص غريب. إذا عرف كل شخص ان البنت لن تخاف من الفضيحة ولن تلقي الذنب على نفسها، ربما سيبدأ بالتفكير ألف مرة قبل أن يقدم على مثل هذا الفعل البغيض.