حسين معوض يكتب: نظريات شعبية
قبل أن تمنعوهم من ركوب التوك توك افتحوا لهم المصانع.. امنحوهم وزيرا مقاتلا
يستطيع الطفل الصغير أن يقلب موازين الدخل داخل الأسر الفقيرة، بحركات شقاوة على توك توك مستأجر، يستطيع أن يحقق دخلا لأسرته يصل إلى 100 جنيه فى اليوم، ما يوازى 3 آلاف جنيه شهريا، وهو رقم بالطبع ضعف راتب والده إن كان يعمل، وغالبا لا يجد الأب فى ذلك غضاضة فالنظرية الشعبية تقول: «الولد كبر وشال عن أبوه».. وشوارعنا على استعداد دائما لتقبل المزيد من التكاتك ولا تعبأ كثيرا بعمالة الأطفال ولا تعتبرها قضية تدعو للقلق.. وأنا لست قلقا على مستقبل الأطفال فى التعليم، ففى النهاية المدارس التى يذهبون إليها يخرجون منها بدون تعلم حروف القراءة والكتابة وتصنع منهم بلطجية، وسيئ الحظ منهم من يجتهد ويكلف أسرته وينجح بتفوق لكنه لا يجد فرصة عادلة ويقضى ما تبقى من عمره ناقما على المجتمع وقنبلة موقوتة تهددنا بالانفجار فى وجوهنا دائما.
ماذا يقلق إذن؟
أنا أبحث عن مصلحة المجتمع وليس مصلحة الأفراد أو الأطفال، فالأفراد لدينا كفروا بنا وليست لديهم قابلية لتصديق أن أحدا يهتم بهم.. ماذا يقلق المجتمع؟.. ما يقلق أن الأجيال الجديدة من «ملح مصر» الفقراء ومحدودى الدخل دائما يقارنون الوظيفة المتاحة بنظرية «طفل التوك توك»، فلن يذهب أحد منهم إلى المصانع التى تحتاج جهدا فائقا وتمنح عائدات متواضعة، ولن يجهد أحدهم نفسه ليعمل صنايعى «ميكانيكى أو كهربائى أو سباك أو نجار» ويفنى سنوات عمره لتعلم الصنعة التى لن تغنيه فى النهاية ولن يقوى على تحمل خسائرها فى البداية «الـ100 التى يوفرها التوك توك».
ماذا تفعل الدولة؟
لا يملك البسطاء رفاهية التفاعل مع مبررات قومية، فكل علاقتهم بالدولة مدفوعة الثمن.. بالغالى، علمناهم لغة هابطة ومنحناهم مفاهيم مقلوبة وتركناهم لصائدى الثروات المحرمة والرشاوى وأصحاب الواسطة وملوك الحيل، وحتى شوارعهم استقطع أصحاب المحال التجارية نصفها لأنفسهم.. وكان ردهم قاسيا، اقتصادهم مبنى على نظرية «التوك توك» وأغانيهم تحمل شعار «المهرجان»، وعلاقاتهم الاجتماعية واضحة «مفيش صاحب بيتصاحب.. طلع سلاحك واتعامل»، وليس من المنطق أن نصادر حيلتهم «التوك توك» أو نمنع أغانيهم.
الذين نجوا من ركوب التوك توك لم ينجوا من ثقافته.. فقد دخلوا عالم الصناعات المعقدة، انشأوا مناطق صناعية شعبية غير رسمية صنفناها على أنها «بير سلم» تنتج إلكترونيات وقطع غيار ومواد كيماوية وبويات وتشكل المعادن وتعيد تدويرها، فضلا عن صناعاتهم التقليدية فى النجارة والحدادة وأدوات السباكة والكهرباء والملابس.
والفئة الأخيرة هم طوق النجاة الآن.. يجب أن نعاملهم على أنهم أصحاب القدرة على صياغة مستقبل مختلف لنا، يجب أن يتقاضوا ثمن توقعاتنا لهم وتطلعاتنا فى منتجهم، وأيضا ثمن معافرتهم للاستمرار وسط مناخ المطاردة الذى عاشوا فيه عقودا طويلة ونجحوا فى توارث مهنتهم.. منهم من طورها ومنهم من اكتفى بالحد الأدنى واستسلم للواقع الصعب.. يجب أن يصبحوا القدوة والحكاية التى تسيطر على الشارع والنموذج الذى يتمناه الآباء البسطاء لأبنائهم..
كيف يحدث ذلك؟
الإجابة التفصيلية عن هذا السؤال يجب أن يكون صاحبها هو الوزير الأهم فى الحكومة.. يجب أن يكون وزير المشروعات الصغيرة، يجب أن يكون صاحب صلاحيات واسعة على أهل التصاريح والرقابة وأراضى الاستثمار والمحليات، يجب أن تسمح مكانته بمساندة الأبطال فى التسويق والحصول على التمويل إن أرادو.
وعد الرئيس
لا أعرف سر تراجع الحكومة عن تنفيذ وعد الرئيس القاطع بإنشاء وزارة للمشروعات الصغيرة، كان الوعد معلنا فى ألمانيا خلال الزيارة الشهيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى لألمانيا، وقتها وعد بوزارتين، واحدة للمصريين فى الخارج والثانية للمشروعات الصغيرة، خرجت الأولى للنور وتم إجهاض الثانية بدعوى تفرق دماء المشروعات الصغيرة على عدد كبير من الوزراء، وتم الاكتفاء بقطاع للمشروعات الصغيرة فى وزارة التجارة والصناعة، وأضيفت الوزارة إلى الاسم، ولم تضف الوزارة «الصناعة» أى جديد للمشروعات الصغيرة من وقتها، ولم تتعامل حتى مع مبادرة الرئاسة والبنك المركزى..
ماذا يفعل البسطاء؟
قد لا يحصلون على إجابة من ناصح حكيم حريص على مصلحتهم سوى بتحفيز الولد على أن يسند ظهر أبيه فى سنوات الغلاء.. قبل أن تمنعوهم من ركوب التوك توك افتحوا لهم المصانع.. امنحوهم وزيرا مقاتلا.