حملات التبرع بالدم.. "كله لوجه الله".. (تحقيق)
سيارات بدون أطباء.. وقياسات خاطئة لـ"الأنيميا" قد تؤدي لوفاة المُتبرع
المصرية لنقل الدم: سعر الكيس قد يصل لـ 800 جنيه
مصدر: نعاني من نقص أكياس الدم في المستشفيات رغم كثرة عربات التبرعات
أخصائي جراحة عامة: خطأ قراءة الجهاز قد يؤدي إلى وفاة المتبرع
بنك الدم: أكياس الدم في متناول الجميع.. وسيارات "الصحة" بها أطباء
إذا مررت في أي وقت أمام محطة مترو أنفاق أو قطار فبالطبع ستتعرض لسؤال أحدهم أو طلبه بتبرعك بالدم من أجل مرضى السرطان أو فيروس B أو C، لكن هل سألت نفسك إلى أين تذهب أكياس الدم التي تحصلها وزارة الصحة من المواطنين في الميادين والشوارع؟ .
"الدم بيروح لله".. كانت هذه كلمات الفني المعني بجلب المتبرعين بالدم إلى عربة الإسعاف أمام محطة رمسيس بوسط البلد، في هذا التحقيق تفتح "الفجر" باب المسكوت عنه في التبرع بالدم والتصرف فيه. فرحلتنا بدأت في كشف ما وراء "أكياس الدم" من إحدى الحملات التي تتمركز في محيط محطات المترو بمنطقة "رمسيس".
انتشار كبير بالشوارع والميادين
يوجد انتشار كبير في أغلب محافظات الجمهورية، وخاصة في القاهرة والجيزة ويكون هناك تركيز في محطات المترو ومحطات القطار، كما يتم استقدام المارة عن طريق استعطافهم بأن يكون هناك مريض من الممكن أن يموت بسبب نقص الدم، إلا أن العامل أو الفني يرفض أن يقول إلى أين سيذهب كيس الدم، فهل هذا لجهله بطبيعة عمله أو أن الدم ينتقل إلى مكان غير معلوم.
"التبرع لله"
سألنا هل يصح التبرع لمريض نسبة "المهوجلوبين"، المسؤولة عن الأنيميا الخاصة به قليلة، فأكد لنا أنه يوجد جهاز لقياس نسبة "الأنيميا"، معقبًا: "الاطمئنان على حالة المتبرع والتأكد من إنه لا يعاني من أي قصور يمنعه من التبرع.
وأثناء حديثه قاطعه زميله عن تكملة الحديث معنا، لاسيما بعد شكوكه في سبب التحدث معهم، خوفًا من اكتشافنا لأمر مريب يقومون به، ما أثار شكوك لدينا بأنه يوجد شيئًا غير مطمئن يريدون التستر عليه، مما جعلنا نتجه إلى سيارة أخرى لعلنا نكتشف أمرًا ما.
تجربة "الفجر" مع عربات التبرع بالدم
وعلى بُعد أمتار قليلة تقف سيارة تابعة لوزارة الصحة، يكمن بداخلها العديد من المتبرعين، وبالقرب منهم سألنا أحد العاملين عن وجود طبيب معهم، فجاء الرد مفاجيء بأن العاملين المتواجدين فنيين فقط ولا يوجد أطباء، وبمراقبة المشهد عن قرب وجدنا منضدة صغيرة يوجد عليها جهاز قياس نسبة الهيموجلوبين بالدم (الأنيميا)، وعدة قفازات طبية (جوانتي)، ومجموعة من الإبر ضمن محتويات جهاز قياس الأنيميا بالدم.
عقبنا على حديثه بأن أحدنا يعاني منذ فترة من نقص حاد في نسبة "هيموجلوبين" الدم ومصاب بالأنيميا، ولكنه أصر على عمل قياس نسبة الأنميا بالدم لأحدنا، وبالفعل قامت المحررة بقياس نسبة "الهيموجلوبين" عن طريق الجهاز الخاص به، وجاءت المفاجأة أن نسبة الهيموجلوبين 13.3
مما أصابنا بالدهشة، لاسيما وأن المحررة كانت منذ أسبوع أجرت نفس التحليل وكانت نتيجة التحاليل(8.30)، ولازالت تتعالج من "الأنيميا"مما ساعد في زيادة نسبة الشك، وجعلنا نبحث حول الأمر أكثر.
"الكيس" ببلاش لكن اللي اتدفع عليه كتير!
وبالتواصل مع الدكتورة هالة عدلي حسين، رئيس الشركة المصرية لنقل الدم "فاكسيرا"، حول جهاز قياس نسبة الهيموجلوبين بالدم (الأنيميا) وسؤالها هل من الممكن أن يخزن نتيجة معينة، ولا يعطي سواها أو إعطاء نتيجة خاطئة،
وأكدت: "أنه من الممكن إعطاء هذه الأجهزة نتيجة خاطئة في حالة أن الجهاز غير متعاير"، موضحة أن هذه الأجهزة لابد من معايرتها بشكل دوري عن طريق أخذ عينة من الدم، وقياسها مرة عن طريق الجهاز وأخرى بالتحليل العادي للتأكد من النتيجة وأن الجهاز جيدًا، مؤكدة أن من الصعب صعود نسبة "الهيموجلوبين" في الدم من (8.30)إلى (13.30)، في أقل من شهر.
وأوضحت"حسين"، في حديثها لـ"الفجر"، حول رحلة "كيس الدم"، قائلة:" في البداية يتم أخذ أكياس الدم من المتبرع ثم يتم أخذه للمعامل التحاليل ويتم وزن أكياس الدم لو لم يكون وزنه (400) لتر، فيعدم، وبعد ذلك يتم فصل هذه الأكياس، ثم عمل تحليل"فيروس سي، وفيروس بي، والإيدز، و الزهري"، وذلك وفقًا لتعليمات منظمة الصحة العالمية، وبالطبع إذا وجد فيروس في بعض الأكياس يتم عدمها، وإذا كان الدم جيد يتم فصل "بلازما وكرات دم حمراء"، وبعد كل هذه الخطوات يتم نقل "أكياس الدم" إلى معمل آخر لفصل "البار كود" والفصيلة، للتأكد من الفصيلة يعقبها وحدة سلامة الدم لمراجعة كل شىء خاص بأكياس الدم، قبل أن يتم الإفراج عنه من قبيل الجودة، ومن ثم عرضه على الشباك، لافتة إلى أن الدم الذي يتم عدمه يتم داخل محرقة متعاقد معها بنك الدم مقابل تكلفة مادية.
800 جنيه مقابل "كيس دم"
وتضيف رئيس الشركة المصرية لنقل الدم "فاكسيرا"، أن سعر الكيس يتراوح ما بين (350) إلى (400) جنيها، في الشركة، أما بنك الدم القومي يتم دعمه من الحكومة، فيصل إلى (200)جنيها، أما المستشفيات الخاصة يصل سعر لتر الدم ما بين (700، 800) جنيه، مشيرة إلى أن الفصائل النادرة يرتفع سعرها عشر جنيهات.
نقص المُتبرعين
وفي نفس السياق قال مصدر بوزارة الصحة، رفض ذكر اسمه، إن هناك نقص في أكياس الدم داخل المستشفى بالرغم من جمع عربات الصحة لعدد كبير من التبرعات.
وبخصوص جهاز قياس نسبة "الهيموجلوبين" أشار إلى أن الأجهزة قديمة واستهلكت بما فيه الكفاية، ولا يوجد ميزانية لدى وزارة الصحة لاستقدام أجهزة جديدة وأحدث وأدق، وتعليقًا على الحالة التي ذكرناها سلفا يقول ربما الجهاز أخطأ وهذا يحدث كثيرا.
خطأ الجهاز كارثة تؤدي لوفاة المتبرع
وتعليقا على ذلك وصف الدكتور محمد عبدالله ، أخصائي الجراحة العامة، ما سبق بأنه كارثة لأنها من الممكن أن تؤدي إلى وفاة أحد المتبرعين إذا كانت نسبة الأنيميا قليلة أو خطأ الجهاز فسيحدث هبوط حاد في الدورة الدموية لديه وترتفع نسبة الوفاة إلى الضعف.
وأضاف: "يجب أن يكون هناك طبيب مُدرب على التعامل مع المتبرعين داخل كل عربة إسعاف لنقل الدم، وغير مرحب بوجود فني معمل أو مساعد لأن بعض الحالات تستدعي تدخل عاجل إذا حدث أي هبوط أو اطضراب في معدل ضربات القلب، وهذا بالطبع سيكون صعب على أي شخص غير مؤهل، وسينتج عنه موت المتبرع.
سد عجز المستشفيات
وتؤكد منال زايد، مدير المكتب الإعلامي لبنك الدم، أن أكياس الدم التي تحصل عليها وزارة الصحة والشركات الخاصة لنقل الدم تكون في متناول الجميع، وبأسعار مناسبة والمرضى ذوي الظروف الخاصة يتم إعطائهم أكياس الدم مجانًا، مشيرة إلى أنه يتم توزيعه على المستشفيات .
واستنكرت "زايد"، أن لا يكون داخل الحملة أطباء، معلقة: "مستحيل سيارات وزارة الصحة تخرج من المستشفيات دون وجود طبيب بالحملة، لأن من الوارد وجود حالات إغماء أو ظهور أعراض طارئه عند التبرع، لذا نحرص جميعًا على وجود أطباء مع الحملات، في إشارة منها إلى التشكيك في هذه السيارات وانتسابها لوزارة الصحة".
وبسؤالها عن اتهام بعض الشركات الخاصة وهذه السيارات بالاحتيال وبيع "الدم" بطرق غير شرعية، أكدت أن المستشفيات الحكومية احتياجاتها كبيرة جدًا ولذا دائما تلجأ لهذه الحملات لسد العجز.