حكم قص المضحي شعره وأظافره في العشر الأول من ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد فيشرع لمن أراد أن يضحي إذا دخلت عشر ذي الحجة أن يمسك عن ظفره وشعره وبشرته حتى يضحي لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي). رواه مسلم . وفي رواية: (ولا من بشرته). والنهي عن ذلك يشمل شعر الرأس والعانة والشارب والإبط وغيره من جميع شعور الجسم وكذلك يشمل أظافر اليدين والرجلين وجميع البشرة خلافا لمن خصه بشعر الرأس أوغيره.
والصحيح أن هذا الإمساك سنة ليس بواجب لأنه تابع لأمر مسنون وهو الأضحية فيكون سنة كحكم المتبوع ولأنه من باب التعظيم المسنون بدليل أنه لم يؤمر بالإمساك عن غير الظفر والشعر.قال الخطابي: (وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب كما يحرمان على المحرم فدلَّ ذلك أنه على سبيل الندب والاستحباب, دون الحتم والإيجاب). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمسك عن شيء في إهدائه والهدي نسك مثل نسك الأضحية في التقرب لله بالذبح بل آكد لتعلقها بالحرم فهما جنس واحد فلو كان واجبا لأمسك في حال تقربه بالهدي فدل على أنه غير لازم كما استدل الشافعي بذلك. قالت عائشة رضي الله عنها: (فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها وأشعرها وأهداها فما حرم عليه شيء كان أحل له). وفي رواية: (ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم). ولأنه لا يمكن إلزام الناس بأمر والتشديد عليهم وتأثيمهم بحديث مختلف في ثبوته ودلالته فالحديث أعله الدارقطني بالوقف وأشار مسلم لعلته واستشكل متنه الأئمة كالليث وابن مهدي وغيرهما. والقول بالكراهة قول وسط بين من يحرمه وهم قلة كأحمد وبين من يبيحه وهم أكثر الفقهاء كمالك وأبي حنيفة. وفيه توسعة على الخلق لا سيما من احتاج لذلك وشق عليه تركه. وهو قول الشافعي ووجه عند الحنابلة وقال في الإنصاف لما حكى الكراهة: (قلت وهو أولى وأطلق أحمد الكراهة). فعلى هذا يكره للمضحي أخذ ظفره وشعره ولا يأثم بذلك لكن لا ينبغي له فعل ذلك إلا عند الحاجة اتباعا للحديث وآثار الصحابة.
وتبتدأ مدة الإمساك عند تحقق دخول العشر وبلوغ ذلك لمن أراد أن يضحي ويتحقق الدخول برؤية هلال ذي الحجة أو إكمال عدة ذي القعدة ثلاثين لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي). ولا يلزم الإمساك قبل ذلك من باب الاحتياط لأن ذلك من التكلف المنهي عنه شرعا وتكليف زائد لم يثبت في الشرع فلا يمسك مثلا قبل غروب ليلة الثلاثين ولا في غيرها وإنما يمسك إذا ثبت عنده دخول شهر ذي الحجة في أي وقت ولو كان متأخرا.
وهذا الحكم خاص بالشخص العازم على شراء الأضحية من ماله فقط سواء تولى الذبح بنفسه أو بنائبه ولا يثبت في باقي أهل بيته ممن يضحى عنهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصه بالمضحي ولأنه لم ينقل أنه أمر أهله بذلك. ولا يمسك الوكيل الذي وكل بذبح الأضحية ولا يتعلق الحكم به لأنه غير مخاطب به.
ومن كان مترددا عند دخول العشر في ذبح الأضحية لم يثبت له الحكم ولم يشرع له الإمساك لأنه غير عازم على الأضحية. فإن عزم في أثناء العشر أمسك لما بقي ولا شيء عليه فيما مضى من المدة لأنه لم يكن مكلفا حينئذ.
وإذا كان الانسان ناويا للأضحية في أول العشر ثم حلق شيئا من ظفره أو شعره أو جلده كان مخالفا للأولى بفعله على الصحيح وليس عليه كفارة لأنه لم يرد في الشرع تعيين كفارة لذلك. قال ابن قدامة: (ولا فدية فيه إجماعاً سواء فعله عمداً أو نسياناً). أما إذا أخذ شيئا من شعره ناسيا أو جاهلا أو مضطرا فلا كراهة فيه وأضحيته صحيحة لا يتأثر حكمها بذلك.
ولا يشرع للمضحي أن يمسك عن شيء آخر غير ظفره وشعره وجلده ولا ينهى عن الطيب أو مباشرة النساء أو غيره لأنه لم يرد. وما شاع عن بعض العامة تحريم النساء وغيره على المضحي قياسا على المحرم بالحج قول محدث ليس له أصل في الشرع ولا علاقة في الأحكام بين المضحي والمحرم بالحج.
ولم يرد في السنة الصحيحة ذكر للحكمة من النهي عن قص الأظفار والشعور على المضحي. وقد حاول بعض الفقهاء التماس الحكمة فمنهم من قال نهي المضحي عن ذلك تشبيها بالمحرم بالحج فكما شارك المحرم في ذبح القربان ناسب أن يشاركه في شيء من خصائص الإحرام. وقال بعضهم الحكمة توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية فيكون ذلك من تمام الأضحية عند الله. وقيل لتشمل المغفرة والعتق من النار جميع أجزاءه. وأصل الحكمة التعبد لله بالإمساك وتعظيم الله وإظهار التذلل له والله أعلم.