في اليوم الدولي لضحايا "الإخفاء القسري".. أسر تبحث عن ذويهم
"الإخفاء القسري" .. هو الاختطاف، أو الاحتجاز المفاجئ للشخص، ما يحرمه من حريته على يد سلطة، أو جهة تابع لها، أو أشخاص يعملون لصالحها، يليه رفض الإقرار بالحرمان من الحرية، أو توفير معلومات عن مصير ومكان المختفين قسريًا، كما يعني الاختطاف، أو الاحتجاز، ضمن حملة "هجوم" على المدنيين، بدون أن يكون هناك أمر صادر من النيابة العامة بالقبض عليهم، ولا توجد معلومات تفيد أنهم محل تحقيقات من قبل السلطة القضائية أو الأمنية، وهو ما يعتبر جريمة بالمخالفة مع قانون تلك الدول، بموجب ما صدقته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر من عام 2006، طبقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يمنع سلب حق الحرية من أي شخص غير مذنب، وإخفاؤه قسريًا لسبب أو لآخر.
اليوم الثلاثاء 30 أغسطس، هو اليوم الدولي لضحايا الإخفاء القسري، و المبادرة لهذا اليوم، جاءت من اتحاد أمريكا اللاتينية لروابط أقرباء المختفين، وهي منظمة غير حكومية تأسست في عام 1981، في كوستاريكا، كرابطة محلية وإقليمية، للجماعات التي تعمل بنشاط ضد السجن السري، والإخفاء القسري.
الإخفاء القسري أبرز معالم انتهاك حقوق الإنسان في الوطن العربي
بدأت ظاهرة الإخفاء القسري بالخروج من قبرها في الوطن العربي، بداية العقد الأخير للألفية الثالثة، بالتزامن مع زيادة الوعي السياسي والاجتماعي، وتعالي أصوات الثورات العربية، وزيادة الاحتقان مع الأنظمة التي تحكم تلك البلاد.
كان لمصر نصيب الأسد من تلك الظاهرة، خاصة بعد ثورة 25 يناير، وغضت الطرف عن الاتفاقية التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 2006، بعنوان "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري"، وضمت 45 مادة، اشتمل مضمونهم على منع حالات الإخفاء القسري وتجريمها، ومكافحة إفلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب، بالإضافة إلى حق الضحايا في العدالة الاجتماعية، وبدا جليًا لنا ضرب توقيعها على تلك الإتفاقية عرض الحائط.
2015 - 2016 عاما الانتهاكات الشرطية.. والشرطة تنفى
هكذا وصفه حقوقيون وناشطون بمجال حقوق الإنسان والمعنيين بقضايا وملفات المجتمع المدني، فكان عاما 2015 و2016، هما الأبرز لتلك الظاهرة، وفقًا للبيانات والإحصاءات الصادرة عن تلك المراكز.
في الوقت الذي أكد فيه اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام، في تصريح تلفزيوني له، أن وزارة الداخلية ردت على نحو 70 شكوى من أصل 101 شكوى عن الاختفاء القسرى، ظهر منها حالات هروب بسبب أسباب عائلية، ومنها حالات هجرة غير شرعية، وتبين أن هناك أشخاصًا محبوسين احتياطيًا، وأكد أن الوزارة لا دخل لها في شكاوى الاختفاء القسري، على الرغم من توثيق العشرات من المراكز الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، للمئات من حالات الاختفاء القسري ورائها الشرطة، بمحاضر رسمية أو بدون.
أرقام متضاربة وإحصائيات مختلفة
وانهالت علينا بنهاية عام 2015، والنصف الأول من عام 2016، الأرقام والإحصائيات من المراكز الحقوقية من كل حدب وصوب، حتى وصل آخر تعداد اتفقت عليه تلك المراكز إلى 3913 حالة إخفاء بنهاية عام 2015، و1001 حالة بنهاية النصف الأول لعام 2016.
أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريرًا في يونيو من العام الماضي، أكد خلاله أنه تسلم نحو 163 بلاغًا من أسر مختفين قسريًا، يضمنون 66 حالة تنطيق عليها معايير الإخفاء القسري، بالإضافة إلى 64 حالة احتجاز دون وجه حق، و31 آخرين فشل في متابعتها.
وأكدت منظمة هيومان رايتس مونيتور، رصدها لأكثر من 582 حالة تغيب فى النصف الأول لعام 2015 فقط، تنطبق عليهم معايير الإخفاء القسري.
كما أكد مركز النديم لتأهيل ضحايا الحروب والتعذيب، أن حالات الإخفاء القسري تزايدت بشكل ملحوظ خلال عام 2015، حتى ورد للمركز خلال شهر يناير من نفس العام 44 حالة، وفي فبراير 91 حالة، وفي مارس 160 حالة، لتصل في شهر مايو إلى 393 حالة، ونوفمبر 40 حالة فقط، ليصبح مجموع الحالات خلال العام 728.
هذا وأكدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أن حالات تلك الظاهرة وصلت خلال العام الماضي إلى 1250 حالة وردت للمركز، لم يظهر منهم 228 حالة، فضلًا عن وصول حالات الاخفاء القسري إلى نحو 1001 حالة بنهاية النصف الأول لعام 2016.
كما قامت التنسيقية، برصد حالات الإخفاء القسري، منذ أحداث 3 يوليو ،2013 وحتى نهاية يونيو 2016، لتخرج بما مفاده تعرض 2811 حالة للإخفاء القسري من قبل الأجهزة الأمنية في مصر.
حالات إخفاء قسري وظهور بأحكام أو على ذمة قضايا مختلفة
كما رصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات –وتعتبر أكبر المراكز الحقوقية بمصر المتبنية لقضية الإخفاء القسري- العديد من الحالات، منذ إخفائها، إلى تقدم ذويهم ببلاغات للنائب العام، لتوثيق حالات الإخفاء، لتفوجئ بظهورهم متهمين بقضايا سياسية مختلفة، سواء على ذمة التحقيقات، أو محكوم عليهم بالفعل، حتى وصل الحكم في بعض الحالات للإعدام، خاصة فيما يخص القضايا العسكرية.
إخفاء قسري بحق المرأة والأطفال
ما كان أكثر عجبًا في ظاهرة الإخفاء القسري، أنها طالت المرأة في المجتمع المصري، والأطفال، فلم تلتفت تلك الظاهرة لذلك، ولم تفرق بينهم، وابتلعت بين أنيابها الآلاف سنويًا.
ورصدت أيضًا التنسيقية المصرية للحوق والحريات، حالات إخفاء قسري واضحة جليًا، لأطفال وسيدات، اختفوا في ظروف غامضة، خلال العامين الماضيين، ظهر بعدها أحد الأطفال بإحدى معسكرات الأمن المركزي، وظهرت السيدات بعد عرضهن على النيابة، وتوجيه التهم المختلفة لهن.
فجوة بين السلطة ومنظمات المجتمع المدني
طالب السفير عبد الله الأشعل - مساعد وزير الخارجية الأسبق، وأستاذ القانون الدولي، النظام والسلطة بمصر، تنظيف يدها من تهمة الإخفاء القسري، والإعلان عن أماكن احتجاز المحبوسين من المختفين قسريًا، على ذمة قضايا، أو لأي سبب كان، حتى تنتفي صفة الإخفاء القسري عنهم، مؤكدًا أن الفجوة اتسعت بين السلطة بمصر، وبين منظمات المجتمع المدني، مشددًا على أن الحل الأمثل أن تحتضن الدولة تلك المنظمات، وتقوم بالنظر في الدراسات التي تقوم بها فيما يخص ظاهرة الإخفاء القسري، مبررًا ذلك بأن الشعب هو الضمان الوحيد لشرعية السلطة واستمرارها، ويجب عليها مراعاته.
أوقفوا الإخفاء القسري .. "عايزينهم يشوفوا النور"
وقفوا في ظلام، معصومي العينين، حاملين لافتات كتب عليها أسماء ذويهم من المختفين قسريًا، لا يعرفوا أسباب اختفائهم، و موعدًا للقاء آخر.
بهذا المشهد بدأ ذوي المختفين قسريًا بالتضامن معهم، ومطالبة المسئولين بمساعدتهم في الكشف عن حقيقة اختفائهم، وخرجوا بحملة "عايزينهم يشوفوا النور"، كصرخة جديدة لمواجهة الظاهرة، التي أطلت بقبحها على المجتمع.