صراع "الثقافة والأزهر".. تاريخ من الأزمات
معارك مستمرة، وتطاولات، واتهامات متبادلة، هكذا الحال بين وزارة الثقافة ومؤسسة الأزهر، فالتاريخ بين الأزهر والمثقفين على مدار السنوات الماضية، شابته العديد من العواصف التي تأتي بين الحين والآخر، تجسد في طياتها حجم الصراع الكبير بين الجانبين، والذي استكمل حلقات مسلسله وزير الثقافة الحالي حلمي النمنم، حيث أكد في تصريح له أن توغل التعليم الأزهري في مصر يعد سببًا من أسباب التطرف الحقيقي، حيث يشكل التعليم الأزهري نسبة كبيرة في مصر، وهو الأمر الذي أرجع بالذاكرة إلى تاريخ صراعات الأزهر مع المثقفين.
وفي السطور التالية ترصد "الفجر" أبرز معارك المثقفين مع مؤسسة الأزهر.
طه حسين
شهدت العقود الماضية معارك أيضا بين المثقفين والأزهر، حيث تجسد ذلك في معركة الأديب الراحل طه حسين بعد نشر كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي" عام 1926، والذي حاول فيه إثبات نظريته بأن الشعر الجاهلي كان قد كتب بعد ظهور الإسلام، مما أثار حفيظة عدد من علماء الأزهر، ليقوموا بتحرير دعوى قضائية ضده، حيث كتب الشيخ عبد ربه مفتاح، أحد علماء الأزهر، مخاطبًا طه حسين في مقال له نشرته مجلة "الكواكب" قائلاً: "وكيف تزعم أيها الدكتور أن بعض العلماء أثار هذا الأمر، أمر كفرك وها أنا ذا أصرّح لك والتبعة في ذلك علىّ وحدي، بأن العلماء أجمعين وعلى بكرة أبيهم يحكمون عليك بالكفر.. وبالكفر الصريح الذي لا تأويل فيه"، وبرغم ذلك برأت المحكمة طه حسين، وتم تعديل الكتاب وحذفت الأجزاء التي أُخذت عليه.
نجيب محفوظ
كما كان للأزهر معركة أيضا مع الأديب نجيب محفوظ، مع نشره للرواية الشهيرة "أولاد حارتنا" خلال فترة الخمسينيات، وسرعان ما انبرى الأزهر ليفتح النار على نجيب محفوظ ، حيث طالب عدد من شيوخ الأزهر بوقف نشر تلك الرواية، مؤكدين أنها أنها تسيء للذات الإلهية، وعليه اتهم محفوظ بالإلحاد والزندقة، وطالبوا بحظر نشر الرواية.
فرج فوده
كما كان للراحل فرج فوده نصيبا من تلك المشاكسات والصراعات مع الأزهر أيضا، حيث خاض معركة ساخنة على إثر كتاباته التي كانت تتبنى وجهة النظر صوفت حينها العلمانية، وهي فصل الدين عن السياسة والدولة.
ورأت مؤسسة الأزهر حينها، أن تلك الأفكار، وسيلة لزرع الفتنة داخل المجتمع، وعليه أصدرت ندوة جبهة علماء الأزهر وقتها بيانًا أعلنت فيه تكفير فرج فوده، وهو ما سمح للجماعات المتشددة باغتياله فيما بعد، بحجة أن ذلك تطبيق لشرع الله، وتنفيذ لتعاليم الدين.
نصر حامد أبو زيد
وهذا الخلاف جاء على إثر بحث قدمه المفكر نصر حامد أبو زيد، عنوانه "نقد الخطاب الديني" للحصول على درجة الأستاذية، وانعقدت حينها لجنة ، رأسها الدكتور عبد الصبور شاهين، وكتب شاهين تقريرا أوضح فيه عداوة أبو زيد لنصوص القرآن والسنة، والدفاع عن العلمانية، الأمر الذي أدى إلى رفع دعوى ضده، وصدر حكما من المحكمة باعتبار أبو زيد مرتدا عن الدين الإسلامي.
فاروق حسني
كما كانت هناك معركة أيضا لوزير الثقافة فاروق حسني الذي ظل في وزارة الثقافة 23 عامًا، والتي تعلقت بالحجاب، حيث كان له موقفا أثار العديد من اللغط حينها، فكان يؤكد"أن ارتداء الحجاب هو عودة إلى الوراء وجهل"، وهو ما أثار جدلًا واسعا بينه وبين الأزهر، آنذاك، وحدث أن شنت حملة كبيرة ضده، مطالبة بإقالته وتحويله للتحقيق، إلا أنه خرج مرة أخرى ليؤكد أن ما قاله رأيًا شخصيًا ولا يعبر عن رأي الوزارة.
جابر عصفور
لم تكن تصريحات حلمي النمنم وزير الثقافة الحالي، هي الأولى في اتهامه الأزهر، وإنما تكرر الأمر قبل ذلك مع جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، والذي كال اتهامات عددية للأزهر كان أبرزها قوله "إن بنية الأزهر معارضة لتجديد الخطاب الديني، وأن الغالب على دراسات الأزهر وعلى العقليات الأزهرية القديمة والمستمرة حتى الآن هي العقلية السلفية، وتقديس كل ما هو مطبوع في كتب صفراء".
كما وصف المناهج الأزهرية أنها لا تنتج إلا مفكر داعشي الهوى، بالإضافة إلى مطالبته بتجسيد الأنبياء في أعمال فنية، إلا أن مؤسسة الأزهر ردت عليه تلك الاتهامات من خلال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف والتي وصفها بالفارغة.
ورفض الأزهر أيضا، تجسيد الأنبياء، من خلال الأعمال الفنية التي كان يطالب بها جابر عصفور.
حلمي النمنم
ولم ينتهي مسلسل هجوم المثقفين على الأزهر، ليستكمل حلقاته وزير الثقافة الحالي حلمي النمنم، وذلك خلال تصريحاته أمس، بمؤتمر السلام المجتمعي الذي نظمته الهيئة القبطية الإنجيلية بالإسكندرية.
وقال "النمنم": المجتمع المصري يجب أن يتحلى بالشجاعة ومواجهة ظاهرة العنف، لأنه يعاني من قصور بكافة النواحي الثقافية والتعليمية، وذلك يرجع لعدة أسباب منها توغل التعليم الأزهري في مصر، لأنه يشكل نسبة كبيرة في مصر، وهو أمر لابد من إعادة النظر فيه، وكذلك إعادة النظر في المناهج الدينية التي تدرس في المعاهد الأزهرية.