غليان فى صفوف الأقباط بسبب قانون «بناء وترميم الكنائس»

العدد الأسبوعي

قانون بناء وترميم
قانون بناء وترميم الكنائس - صورة أرشيفية

يرهن إنشاء الكنائس بموافقة المحافظ.. ويحدد مساحتها طبقاً لأعداد المسيحيين فى المنطقة التى تقام بها

موجة من الغليان الشديد تسود صفوف الأقباط بسبب قانون «بناء وترميم الكنائس» الذى أثار حفيظتهم من الدولة، وهو ما دفع الكنيسة لاطلاق زئيرها الأول منذ وصول البابا تواضروس إلى كرسى البطريرك.

أبرز الألغام التى أغضبت الأقباط من مسودة القانون، النصوص التى تشترط المراقبة الأمنية خلال إقامة الشعائر أو الصلاة، وضرورة وجود مستندات ملكية للأرض المزمع بناء الكنيسة عليها، وهو ما رفضته الكنيسة لأن أغلب القرى الريفية والأحياء الشعبية لا تملك مستندات ملكية للأرض ما يعوق بناء الكنائس.

كذلك المادة الثانية  التى اشترطت أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد وحاجة المواطنين المسيحيين فى المنطقة التى تقام بها ، مع مراعاة معدلات النمو السكاني»، وسبب رفضها أن التعدد السكانى للأقباط غير مستقر بين زيادة ونقصان، على غرار بقية أطياف الشعب المصرى.

 غير أن ما أثار حفيظة الأقباط بشدة المادة الثالثة التى وصفوها بـ» الكارثية» لأنها رهنت بناء الكنائس بالحصول على موافقة من المحافظ المختص، وهو ما تخشاه الكنيسة قائلة: إذا كان المحافظ متعصبًا ولا يحب الأقباط فلن تبنى كنيسة جديدة فى محافظته.

الكنيسة أكدت على لسان المتحدث الرسمى القس بولس حليم، رفضها التام لمسودة القانون، الذى أعلن صراحة أن تعديلات القانون غير «مقبولة»، وتشكل خطراً على الوحدة الوطنية المصرية بسبب التعقيدات والمعوقات التى تحويها، بالإضافة إلى عدم مراعاة حقوق المواطنة لدى الأقباط».

تحركات واجتماعات طارئة بدأت تعقدها الكنائس الثلاث «الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الإنجيلية» فى محاولة لعدم تمرير القانون، وهو ما كشفته مصادر كنسية لـ«الفجر»، قائلة: «رغم الخلافات المستمرة بين الكنائس الثلاث إلا أنهم رفعوا شعار «إيد واحدة» لمواجهة القانون.

حيث إنه حسب الدستور المصري- البرلمان ملزم بإقرار قانون بناء الكنائس الموحد، فى الدورة البرلمانية المقبلة المقرر أن تبدأ عقب إجازة عيد الأضحى المبارك، فى شهر سبتمبر المقبل، طبقاً لنص المادة 235 من الأحكام العامة والانتقالية من الدستور : «أن يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية»، مع مراعاة المادة 53 من الدستور التى تنص على عدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العقيدة.

وأضاف المصدر: ممثلو الكنائس اتفقوا فى اجتماعاتهم على كتابة مسودة ترضى جموع الأقباط فى مصر، ويتم رفعها إلى الحكومة، تمهيداً لعرضها على البرلمان وإقرارها».

وبحسب المصادر، اتفقت الكنيسة الأرثوذكسية مع الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية على أن يعقد رئيس كل طائفة اجتماعاً مع التابعين له، لمناقشة مسودة القانون، وجمع مقترحاتهم بشأنها، ثم يتم رفعها إلى الكنيسة الأرثوذكسية باعتبارها ستكون هى المسئولة عن إدارة المفاوضات الرسمية مع الحكومة.

القس أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر، دعا لعقد اجتماع طارئ يوم الاثنين الماضى، وتمت مناقشة مسودة القانون، وكتابة مقترحاتهم، تمهيداً لإرسالها إلى الكنيسة الأرثوذكسية.

وقال الأب رفيق جريش، المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية: إن هناك اتجاها لإلغاء عبارة «التنسيق مع الجهات المعنية» من القانون، وزيادة بنوده من ٨ إلى ١٠ مواد على أن تختص المادة 9 بتنظيم الكنائس غير المرخصة، ويتولى مجلس الوزراء حصرها بشرط مرور عام على الصلاة فيها، تمهيداً لتقنين أوضاعها بعد صدور القانون مباشرة، فيما تحظر المادة ١٠ تحويل مبنى الكنيسة فى حالة إغلاقه لأى سبب من الأسباب إلى مبنى آخر ويظل مخصصاً للكنيسة».

أيضاً دعت لجنة تدعى «تنسيقية المواطنة» وضمت عدداً من القانونيين والسياسيين والحقوقيين برئاسة نبيل عزمى المحامى بالنقض إلى سلسلة اجتماعات ومؤتمرات ببعض الفنادق الشهيرة للاتفاق على الملامح الرئيسية للمسودة الجديدة التى ترضى جموع الأقباط، وأصدرت اللجنة بياناً شديد اللهجة يتضمن ردوداً اعتراضية على أبرز النقاط الخلافية فى القانون الجديد، التى بدأت برفضها لمسمى القانون ذاته كونه «طائفيا» ينقل الأقباط من خانة «المواطنين» إلى خانة «الذميين»، وكذلك اعتراضها على بند الحصول على إذن المحافظ.

كذلك اتفق ممثلو الأقباط فى البرلمان مثل عماد جاد ونادية هنرى على تشكيل جبهة معارضة داخل المجلس لإقناع النواب برفضه، حقناً للأزمات المرتقبة حال إقراره. 

المثير فى الأمر، أن البابا تواضروس بطريرك الكرازة المرقسية، دعى الآباء والمطارنة والأساقفة أعضاء المجمع المقدس لاجتماع طارئ، لمناقشة مسودة القانون الذى تتفاوض الكنائس مع الحكومة حوله».

وهو ما يعنى -بحسب مصادر من داخل المجمع المقدس- شعور تواضروس بحالة الغليان التى تسود صفوف الأقباط، خاصة أنه من النادر جداً دعوة المجمع للاجتماع، فحسب قواعد الكنيسة يجتمع المجمع فى السنة مرتين فقط المرة الأولى عقب عيد حلول الروح القدس فى شهر يونيو، والمرة الثانية فى شهر نوفمبر ويأتى على هيئة سيمينار، ولا يتم توجيه دعوة للمطارنة والأساقفة للاجتماع خلاف ذلك إلا فى حدوث أمر طارئ وشديد الأهمية فى الكنيسة.

الدولة استشعرت حالة الغضب الشديدة التى انتابت الأقباط عقب ظهور مسودة قانون بناء وترميم الكنائس، ما دفع الرئيس السيسى إلى إصدار تعليماته للمهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، بضرورة احتواء الأزمة، وفتح قنوات التفاوض مع ممثلى الكنائس الثلاث، بهدف الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف.

الحكومة بدأت فتح قنوات التفاوض، بسلسلة الاجتماعات المغلقة التى عقدها المستشار مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، مع الأنبا بولا مسئول الملف السياسى بالكنيسة، لمناقشة الأطروحات المقدمة من كل الأبعاد بعد مراجعتها مع اللجنة القانونية فى الكاتدرائية المرقسية برئاسة  منصف سليمان، وتم التوصل إلى نموذج توافقى إلى حد كبير، وهو ما اعترف به «الأنبا بولا» فى عدة تصريحات إعلامية له.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الفجر»: الأقباط لم ترض باجتماعات العجاتى لأنها لم تصل إلى حلول قاطعة للأزمة، مضيفة: إن أكثر ما كان يدعو للتفاؤل خلال الفترة الماضية هو الجلسة الودية التى جمعت بين الرئيس السيسى، والبابا تواضروس الثانى، وبرفقة الأخير عدد من كبار رجال الكنيسة مثل الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة، وسكرتير المجمع المقدس، والأنبا مكاريوس أسقف عام كنائس المنيا.

 وأضافت المصادر: هذه الجلسة بثت الطمأنينة فى نفوسهم، فى إشارة إلى بدء عصر جديد من التفاهم والتقارب بين الدولة والكنيسة، لتستجيب فيه الدولة لمطالب عدد كبير من الأقباط، طالبوا بها منذ عصر الرئيس الأسبق مبارك، مرورًا بالفترة الانتقالية على يد المجلس العسكرى، ثم حكم الإخوان المسلمين، والرئيس السابق عدلى منصور.

 جدير بالذكر أن عملية ولادة القانون المتعثرة بدأت فى شهر أغسطس عام 2014، باجتماع المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدالة الانتقالية، مع ممثلى الكنائس؛ لرسم ملامح القانون، والتى كانت مرضية بشكل كبير للأقباط ورجال الكنيسة، إلا أن التعديلات الأخيرة أشعلت غضب الأقباط.