هادي سراج الدين يكتب: حكايات من دفتر التنظيم الناصري المسلح!
تعاملت الدولة في تسعينات القرن الماضي مع الجماعات الإرهابية بالمفاوضات والمصالحات والمراجعات الفكرية، لوقف اسلحتهم وقنابلهم ضد الشعب المصري انذاك ، على الرغم انها تعاملت بمنتهى القسوة والتعذيب والخناق الامني الحاد مع مجموعة أخرى شُكلت بالتزامن مع ظهور الجماعات الإرهابية المسلحة لكن هذه المجموعة هنا لم توجه أسلحتها ضد مصريين عسكريين ومدنين، بل وجهت رصاص اسلحتهم الي العدو الصهيوني في فترة زمنية عرفت بتغلغل اسرائيل داخل البلاد العربية للتطبيع معها واختراق امنها القومي.
سُميت هذه المجموعة بإسم التنظيم الناصري المسلح الذي تأسس بالتزامن مع تنظيم ثورة مصر لمؤسسه خالد عبد الناصر ابن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والدكتور محمود نور الدين القيادي الناصري المعروف ، ويبدو ان تنظيم ثورة مصر تناولته الصحف وكتب التاريخ وحكت عن أدق تفاصيل العمليات التي نفذها خلال هذه الفترة ، الا ان التنظيم الناصري المسلح لم يتناوله او يتحدث عنه احد منذ نشأتة وتأسيسه عام 1980 ،وضم حينها عدد كبير من الشباب الناصري كان على رأسهم حافظ أبو سعدة نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان والدكتور صلاح الدين الدسوقي الذي يشغل حالياً منصب رئيس حزب المؤتمر الشعبي الناصري، والمهندس جمال منيب أحد القيادات الناصرية بمحافظة البحيرة ، وعلي عبد الحميد رئيس مركز الحضارة العربية للدرسات والمحامي الناصري محمود الغمري والدكتور أحمد الصاوي وسيد عبد الجواد ، ووفقا لاوراق القضية وحديثنا مع اعضاء التنظيم ، فإن هذه المجموعة تبنت محاولة تفجير اتوبيسات سياحية من إسرائيل لمحافظات ساحلية بمصر كانت تقل عدد من ضباط الموساد الاسرائيلي ، ومحاولة تدبير عمليات تفجيرية لمؤسسات إسرائيلية بمصر.
تحدثت فيها مع قياديين من هذا التنظيم وهم على عبد الحميد المتهم الثاني في القضية ، والمهندس جمال منيب القيادي الناصري بمحافظة البحيرة.
وبدأ الدكتور علي عبد الحميد يحكي، روى ذكرياتة مع نشأة التنظيم والاحداث المتتالية في تتبعهم من أجهزة الامن في مصر للقبض عليهم، فبحسب اورق القضية على حد تعبيرة تم اتهامة بمحاولة إغتيال السفير الإسرائيلي في مصر لكن محاولته فشلت، ليقول ان التنظيم الناصري المسلح كان متبنياً لفكرة العنف الثوري، وتتبع الأهداف الاسرائيلية داخل مصر، من ضمنها الترتيب لتفجير اتوبيس سياحي قادم من إسرائيل لشرم الشيخ كان بداخله عدد من ضباط الموساد الاسرائيلي ، وتم ايقاف العملية نظراً لان الاتوبيس كان يستقل عدداً من المصريين لتتم الغاء العملية على الفور، وحملت القضية في اوراقها ابرز عمليات التنظيم اننا قمنا بعمل تجارب تفجيرية للحصول على مواد ديناميت لإستخدامها في عمليات التنظيم داخل ز وخارج مصر.
ودوري داخل التنظيم الناصري آنذاك هو لم شمل الكوادر الناصرية، حتى يكون هناك عنف ثوري لمواجهة الكيان الصهيوني، فكنت اسعى دائماً لتوعية الشباب بالجامعات وانتقاءهم حتى ينضموا معنا في كيان واحد لوقف سير الكيان الصهيوني في الدول العربية ومنعم من التغلغل في البلاد، وبعد نجاح دام لسنوات قليلة من تحركاتنا من خلال التنظيم، انكشف امرنا لدى اجهزة الامن المصرية امن الدولة آنذاك ، وفُتحت القضية في نهاية شهر مايو عام 1987، وجاء اليوم بالتزامن مع وقفة عيد الاضحى المبارك ووقتها كنت متواجداً في محافظة بور سعيد، واصدرت نيابة أمن الدولة قراراها بضرورة ضبط وإحضار 6 من اعضاء الحركة المسلحة، كان اول المقبوض عليهم المهندس جمال منيب من محافظة البحيرة، ثم بعدها بأيام قليلة القت الأجهزة الامنية القبض على 5 من الاعضاء ، هم صلاح الدسوقي وحافظ أبو سعده والدكتور الصاوي وسيد عبد الجوادـ
وبالمراسلات السرية في التنظيم أخبروني زملائي انني مطلوب القبض عليك، و قبل ان تلقي الرسالة ذهبت لشراء الجرائد اليومية ـ فلفت انتباهي خبراً عنوانه "القبض على عائلة ناصرية بالبحيرة" من هنا أدركت ان هناك عملية شاملة للقبض على باقي أفراد التنظيم، حتى تداركت الامر، وجلست افكر في كيفية الهرب من بور سعيد على الرغم ان ضباط أمن الدولة يقفون في الشارع الذي اقيم فيه ينتظرونني بسياراتهم "الفولكس"، وبمساعدة زملائنا هربت وخرجت من بور سعيد بإعجوبة شديدة وانتقلت الي القاهرة ، وبعدها اخبرونا زملائنا ان هناك حملة أمنية للقبض على رهائن من عائلات افراد التنظيم للإعتراف على الاماكن التي يختبئون بها، حتى القوا القبض على زوجتي، و نجلي الذي لم يتجاوز الـ6 أشهر حينها ، وانتزعوه من بين كفوف يد والدته رغماً عنها وألقوه في غرفه ملاصقة لغرفتها .
حتى سئمت من هربي وذهبت متوجهاً لمقابلة المحامي الشهير عصمت سيف الدولة الذي ترافع عنا في هذه القضية ، والتقيت به عدة مرات لدراسة أبعاد القضية والوقوف على ثغرات تمنحنا البراءة، لكن كان من رأي الدكتور عصمت وقتها انني أسلم نفسي في المحكمة ، واستجبت لطلبه ووضعت خطة لتسليم نفسي دون ان يلاحظني الامن ، حتى استطعت الدخول الي غرفة المداولة صباحا قبل وطمئنني بالبراءة لجميع اعضاء التنظيم.
واذكر اننا حاولنا معرفة اتجاهات قاضي محاكمتنا وهو المستشار مصطفى كامل، فتتبعناه وراقبناه، مراقبة شديدة.