أحمد فايق يكتب: مليارات الفساد المنهوبة أول خطوة فى الإصلاح الاقتصادى
لجنة محلب أعادت للدولة 7 مليارات جنيه فى أسبوعين فقط
طلب من الجميع التواجد فى مصنع البولى إيثيلين الجديد قبل الموعد بساعتين، الموعد كان فى العاشرة صباحا والتواجد فى الثامنة، المكان فى العامرية بعد بوابات الإسكندرية بخمسة كيلومترات، توقعت أن يمتلئ طريق الإسكندرية الصحراوى بمئات من الجنود ومركبات الشرطة والجيش والحرس الجمهورى، لكن خاب توقعي، الطريق كان مزدحما بالسيارات على غير العادة، ولم أر الشرطة والجيش والحرس الجمهورى الا قبل مصنع البولى إيثيلين بثلاثة كيلو مترات تقريبا، مررنا بكل إجراءات التفتيش التقليدية.
قبل وصول رئيس الجمهورية بنصف ساعة طلب الحرس من الحضور الدخول إلى القاعة والالتزام بالأماكن، دارت أحاديث بين بعض الحضور حول التزام السيسى بالمواعيد وأنه لا يحب التأخير، وجرت مقارنته برؤساء كانت تغلق لهم القاعات قبل وصولهم بأربع ساعات على الأقل.
على المقعد المخصص لكل ضيف كانت هناك ورقة مكتوب عليها برنامج الحفل، قرآن كريم ثم فيلم تسجيلى عن مجمع البتروكيماويات ثم كلمة لوزير البترول.
أجرى الرئيس مداخلة على كلمة وزير البترول، أعاد ملحوظاته الدائمة للحكومة بأنها لا تجيد تسويق القرارات أو المعلومات للشعب، فوجئ الحضور بعد ذلك بكلمة للرئيس، كانت مرتبة وليست ارتجالية، هى من المرات النادرة التى يتحدث فيها السيسى من واقع ورق فى جيب البدلة، فضل الحديث بالعامية فى الأوراق الصغيرة كانت أفكارًا وأرقامًا صاغها الرئيس بطريقته.
هى المرة الأولى للسيسى منذ توليه الحكم التى يتحدث فيها بكم كبير من المصارحة والشفافية، عادة كان يستخدم جملاً من نوعية نحن فى أزمة، لكنه كان يفضّل أن يخوض المواجهة وحده خلف الستار حتى لا تحدث فوضى، لقد اختار السيسى ذكرى فُض اعتصام رابعة لعمل هذا الخطاب التاريخي، نعم تاريخى سواء كان إيجابيا أو سلبيا، لأن مصر بعد هذا الخطاب ستختلف عن مصر قبله، أثناء الخطاب همست فى إذن صديقى الإعلامى خالد مرسى رئيس قناة النهار اليوم «هذا الخطاب إما أن يؤدى إلى ثورة شعبية أو سيدفع مصر إلى الأمام ألف خطوة».
اختار السيسى توقيت ذكرى فض رابعة ليؤكد أن من اتخذ قرارا بفض رابعة لن يتردد فى اتخاذ إجراءات إصلاح اقتصادى حقيقية.
التوقيت الآن مناسب لأن الشارع أكثر أمانا والإخوان ليسوا موجودين مثل السابق، لكنه كان يريد ذلك منذ البداية، مبارك أراد الحفاظ على مكانه فى الحكم فظل رافضا لأى إجراء فيه إصلاح اقتصادى، السادات قبله لم يصمد أمام انتفاضة الخبز فى 1977.
تأجيل إجراءات إصلاحية سيدفع مصر فى اتجاه اليونان، وهى دولة وقف وراءها مليارات ونفوذ الاتحاد الأوروبى وأبقوا عليها حتى الآن، فى مصر الوضع سيختلف، ولن يستطيع أحد إنقاذ 90 مليون مواطن من أزمة اقتصادية كبيرة.
فى فترة مبارك كانت الأموال تأتى إلى مصر من تحويلات المصريين بالخارج والسياحة وبيع القطاع العام وقناة السويس.
الآن لم تعد هناك سياحة أو تحويلات مصريين بالخارج، فقد تأثرت تحويلات المصريين بالخارج من انهيار سعر الجنيه وتلاعب التنظيم الدولى للإخوان بالعملة المحلية فى الخارج.
الأرقام تقول إن الوضع تحسن لكننا مازلنا فى كارثة، نسبة النمو فى عام 2010 كانت 4.6 وانهارت فى 2011 وأصبحت 1.8 وفى 2012 بلغت 2.2 وفى 2013 كانت 2.1 وفى 2014 وصلت إلى 2.2 ، وحدثت قفزة فى 2015 ووصلت إلى 4.2 ومن المتوقع أن تصل فى 2016 إلى 4.4.
البطالة فى 2010 كانت 8.9 ٪ ووصلت إلى ذروتها فى 2013 بـ 13.3 وتناقصت إلى 12.8 هذا العام، مع ملاحظة الزيادة السكانية الرهيبة، الأجور قبل ثورة 25 يناير كانت 85 مليار جنيه الآن أصبحت 212 مليارًا، وانضم 900 ألف موظف إلى الجهاز الإدارى للدولة دون الحاجة لهم، الدعم قبل يناير كان 103 مليارات جنيه، وفى عهد الإخوان وصل إلى 229 مليارًا، وهذا العام بلغ 199 مليارًا.
لقد واجهت مصر صعوبات كبيرة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، هذه الصعوبات ليست مسئولة عنها ثورة يناير فقط، بل بسبب تلكؤ مبارك فى التوجه نحو الإصلاح الاقتصادى، وارتفاع نسبة الفساد، ما مرت به مصر فى الأربع سنوات الأخيرة كان سيحدث الآن لو كان مبارك حاكما.
بطالة مرتفعة زيادة كبيرة فى فاتورة الدعم، وفى نفس الوقت لم تشهد الإيرادات الحكومية زيادة مماثلة.
السيسى عمل فى 2014 على عمل تغيير استراتيجى فى توجهات النشاط الاقتصادى، وعمل على ثلاثة محاور الأول تطوير البنية التحتية من قطاعات الكهرباء والبترول والغاز الطبيعى وشبكة الطرق القومية والنقل، والمحور الثانى من خلال المشروعات التنموية من تنمية عقارية ومحور تنمية قناة السويس.
والمحور الثالث فى مجال الحماية الاجتماعية مثل الإسكان الاجتماعى والتوسع فى الإنفاق الحكومى عَلِى المياه والصرف الصحى والصحة والتعليم.
رغم هذا من المتوقع أن يصل عجز الميزان التجارى إلى 39 مليار دولار وهو رقم ضخم.
إن الخطوة الأولى لمواجهة الأزمة الاقتصادية وقبل الإصلاح هى مواجهة الفساد، هناك شعور لدى الطبقة المتوسطة أن الدولة تخشى الاقتراب من الطبقات الدنيا ولا تستطيع الضغط على رجال الأعمال وبالتالى ستتحمل الطبقة المتوسطة وحدها فاتورة الإصلاح.
فقد فشلت الدولة فى تطبيق ضريبة أرباح رأسمالية على البورصة حتى الآن، الإصلاح الاقتصادى واجب قومى لكن يجب أن يطبق على الأغنياء وطبقات تنتفع من مصر وتحول أموالها إلى الخارج، هناك رجال أعمال ينظرون عن الوضع الاقتصادى فى مصر، ويبحثون عن زعامات رغم أن أموالهم كلها بالدولارات خارج مصر، للأسف الشديد هناك بعض المناضلين من النخبة يتحدثون فى الفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعى ويضعون أموالهم فى بنوك الخارج ويستثمرون فى عقارات باليونان وإسبانيا لإنقاذهما من الأزمة الاقتصادية والجنسية الأوروبية أيضا.
لقد أعلنت الإمارات أن المصريين هم ثانى أكبر فئة اشترت عقارات فى دبى هذا العام، وهم طبعا يشترون بالدولار وليس الجنيه المصرى.
لقد تسبب المصريون أيضا فى رفع أسعار العقارات فى مدينة كان الفرنسية وهى أشهر مدن الأثرياء فى العالم، وبالطبع يشترون العقارات باليورو.
بعض هذه الفئات تفعل هذا لأنها لا تشعر بالأمان فى مصر والبعض الآخر يتعاملون مع الوطن باعتباره طبقًا كبيرًا من الفتة يأكلون منه أكبر كمية حتى تمتلئ كروشهم بقوت الغلابة.
كروشهم لا تمتلئ إلا بالفساد، لقد نجحت لجنة محلب فى أسبوعين أن تعيد للدولة أراضى بـ7 مليارات جنيه.
لقد تحركت مصر ألف خطوة فى التنمية، والإنجازات لا ينكرها أحد، لكن لن يكون لهذا معنى طالما هناك موظف بيروقراطى يستمتع بعذاب الآخرين يجلس على مكتبه، طالما كل خطوة تتحرك بها داخل الحكومة مصاحبة برشوة، فليس من الطبيعى أن تبنى اقتصادًا على فرضيات بها خصوصية مصرية فاسدة، إذا قال أحدهم لك أن تكاليف استخراج رخصة المرور مثلا بـ100 جنيه فقل له إنها بالرشوة قد تصل إلى 500.
المستثمرون أيضا يعانون من نفس الأزمة فكل خطوة لهم يدفعون ثلاثة أضعافها رشوة.