في زمن المدارس.. غابت "الكتاتيب" وحضر الجهل والتطرف (تقرير بالصور)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


اتخذت الكتاتيب على مدار السنوات والعقود السابقة مكانة علمية كبيرة، فكانت العائلات لا تعلم أبنائها سوى من خلالها، ليتخرج منها علماء وأدباء كثيرين، بينما تراجع دور"الكتاتيب" تدريجيًا حتى اندثرت، فإن تواجدت إلا قليلًا في القرى التي تمسكت بها، بينما اتجه الأهالي في المدن إلى أساليب أخرى لتعليم أبنائهم.

وبعد أن اختفت الكتاتيب تدريجياً ظهر بدلاً منها "مدارس تحفيظ القرآن" الملحقة بالجمعيات الشرعية وعدد من الجمعيات الأهلية، أو حلقات القرآن بالمساجد، التى تخضع لإشراف مديريات الأوقاف.

الشيخ حسام يجلس مفترشا الأرض، بمسجد أبو غانم، بقرية الدير، إحدى قرى محافظة القليوبية، بين أوساط تلاميذه، الذين ينتظر الواحد تلو الواحد منهم دوره، في المجالسة أمامه، وقد أمسك كل واحد منهم بمصحفه يسمّع على الشيخ ورده اليومي من القرآن الكريم.






"حبيبة"، كانت طفلة من بين الأطفال المجالسين حول اليخ حسام، والتي تخطت العقد الأول من عمرها، اعتادت أن تحفظ القرآن لتتم حفظ الثلاثين جزءً، ولم تستطع حتى الآن إلا حفظ اليسير منه، قالت:  "دائما أحرص على حضوري الكُتاب لأن والدي قال لي أن الكُتاب سيعلمني جيدًا".

 وتعبر الطالبة ياسمين، التي تدرس بالمرحلة الإعدادية، والتي تحرص على أن يلازمها مصحفها دائمًا، وكذلك "الكراسة والقلم" لتتعلم من خلالهما الكتابة والقراءة، بجانب حفظها القرآن، قائلة: "المدرسة مبقتش زي الأول  في التعليم وعشان كده إحنا بنيجي الكتاب اللي بيأسسنا للتعليم الصح".

 وتبادلت أطراف الحديث مع أحد التلاميذ، وهو أحمد الذي كان يكبر جميع التلاميذ الحاضرين، حيث قال: "بعض أمهات زمايلي بيكونوا زهئانين من أطفالهم وعشان يتخلصوا منهم بيبعتوهم للشيخ في الكتاب"، مشيرأً إلى أن الأهل أيضا سببًا في تغير طبيعة الكتاب التي كان عليها قبل ذلك.






ويجلس الشيخ حسام مرتديا جلبابه مفترشًا بأرض المسجد، يلتف حوله عدد قليل من التلاميذ، بعكس المشهد القديم الذي كان يتواجد فيه التلاميذ بأعداد كثيرة، مخبئا عصاته بجواره، فلم يعد يشهرها كما كان يحدث قبل ذلك معلقا بقوله: "كان المشايخ قديمًا دائما يحملون عصاتهم بأيديهم، لإخافة التلاميذ بحيث يحفظون القرآن، وكان لهذا نتائج قوية لكن مع تغير طبيعة أهل التلميذ ومن بداية إدراكهم أن عدم العقاب سيسبب تعقيدًا للابن، لم يعد للعقاب مكانًا هذا الأمر الذي سبب "مياعة" التلاميذ ونتائج سلبية"- بحسب تعبيره.
 
ويتابع الشيخ حسام، قائلا بنبرة تلمؤها الحسرة: "الكتّاب كانت له وظائف كثيرة تلاشت جميعها الآن ولم يتبق منها شئ، كان من بينها التأسيس الأفضل للتلميذ والحدث الصغير، الذي كان يصبح ويمسي وهو على كتاب الله ممسكًا به دائما، فضلا عن العديد من الوظائف وهي تربية الأجيال على القرآن الذي يعد هو أساس جميع العلوم حتى اللغة الإنجليزية، والحساب وجميع العلوم بلا استثناء، وبالتالي ظهر هذا جليا، في الأجيال التي مضت وهم العلماء الأوائل، الذين لم يفلحوا إلا بحفظهم لكتاب الله سبحانه وتعالى، من خلال الكتّاب".






ويذهب إلى الماضي الجميل متحدثا عن حكاياته مع الكتّاب فيقول: "عندما كنت صغيرًا كان لي العديد من الذكريات والصولات والجولات مع حفظ القرآن الكريم من خلال الكتاب الذي كان يتزعمه جدي بالأساس حيث كان يصطحبني أعلى المنزل بالسطوح ويجالسني بالساعات محتمين من الشمس بإحدى الأماكن، ليتلو علىّ آيات القرآن على مدار ساعات ليكون له عظيم الأثر في قلبي مما ساهم إسهاما كبيرًا في تربيتي وفي حفظي للقرآن، هذا بالإضافة إلى أبي الذي كان دائما يهتم بي أيضا في حفظ القرآن، حيث أننا معروفون بأننا عائلة قرآنية جميع أسرتنا تحفظ القران" 
 
 
ويعاود الشيخ حسام متحدثا عن أسباب اضمحلال الكتاتيب فيقول: "كان زمان الأمر مختلف تمامًا عن الأيام الحالية، من ناحية العديد من الأشياء، ومنها آباء وأمهات التلاميذ، الذين كانوا دائما حريصين على إرسال أبنائهم إلى الشيخ في الكتاب ليجلس تحت قدميه، قاصدا فقط حفظ القرآن الكريم لكن الآن تبدل الحال كثيرًا وبات الآباء والأمهات لا يهتمون بذلك، واكتفوا باللغات الأجنبية التي أثرت سلبًا على الأطفال، وجعلتهم يتربون على القيم الأخرى البعيدة عن القرآن، مما أدى إلى كوارث في تربية الأطفال، وأصبح حالهم الآن يتحدث عنهم، هذا بالإضافة إلى جيل المشايخ ذاته الذي لم يعد كما كان بل أصبح المجال يختلط به الحابل بالنابل، مما أثر سلبا أيضا".
 

وشدد الشيخ في النهاية،على أهمية استعادة دور الكًتاب من جديد حيث أنه الأساس في إصلاح الجيل والنشء القادم، قائلًا: "لا ينبغي أن يظن أحد أن ابنه سيتعلم بدون الكتاب فالمدرسة وحدها لا تكفي والدروس الخاصة لا تكفي، ويجب على الدولة أن ترعى هذا بنفسها".